المقال الذي نشرته أمس في هذه الزاوية بعنوان "مصر بحاجة إلى انتخابات رئاسية مبكرة" أثار بعض النقاش والجدل ، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ، وهذا مفهوم ، لأن طبيعة موضوعه لا تستوعبه أي فضائية مصرية في الوقت الحالي ، ولكني أتصور أنه لن يمضي وقت طويل حتى تصبح هذه القضية مطروحة للنقاش العام في مصر ، في ظل الأوضاع المتردية والتي تزداد سوءا مع الوقت ، ردود الأفعال أتت متباينة ، ما بين مشكك في الدوافع لنشر المقال وكتابته ، والتساؤل عن "الجهة" التي دفعت إلى ذلك ، وهي آفة سياسية مصرية من الصعب التعافي منها سريعا ، وما بين اعتبار أن المقال محاولة للبحث عن مخرج لمن تجاوزوا في حق الشعب وتفويت محاكمتهم ، وبين من يعتبر أن المقال طرح فيه جرأة ، وهناك قلة قليلة من الردود اهتمت بقراءة فكرة المقال ونقدها أو تقديم بديل لها أو تطوير لها ، كما فعل الدكتور مهندس "أيمن سعودي" وهو مصري مهاجر في كندا منذ 27 عاما ويعمل في مجال الطاقة النووية ، ولم تنسه هذه السنين الطويلة حنينه للوطن واهتمامه بشأنه والبحث عن مستقبل أفضل له ، وله رؤية تتلخص في الحاجة إلى مرحلة انتقالية لمدة عامين أو أكثر قليلا ، ويتم تشكيل جمعية وطنية منتخبة من حوالي مائتي عضو تفرز مجلسا تنفيذيا ، أقرب لمجلس رئاسي ، من أحد عشر عضوا ، لحين اكتمال مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية صحيحة ، وهي خواطر أشبه بعصف ذهن . المزعج في التعليقات أنها كشفت أننا لم نبرأ بعد من الآفات التي أضاعت منها ثورتنا ، ولم نستطع الدخول في مناطق الجدية والبناء ، الغالبية مشغولة في البحث عن النوايا والدوافع والجهات الخلفية ، أكثر من اهتمامها بالقضية والفكرة رفضا أو قبولا أو إضافة أو تصحيحا ، كما أن لغة الثأر وتصفية الحساب وتحميل التهم والمسؤوليات هي التي تحكم الانفعالات أكثر من البحث عن مستقبل أفضل وكيفية الخروج من أزمات الوطن بشكل عملي وعقلاني وممكن ، وأذكر أن الراحل الكبير "نيلسون مانديلا" وجه رسالة مؤثرة للشعب المصري في أعقاب نجاح ثورة يناير وإطاحة مبارك ومجموعته ، ولا أقول نظامه ، وكان رأي مانديلا أن ننشغل بصناعة توافق وطني لبناء مستقبل ديمقراطي صحيح بدلا من الانشغال بالثأر والإقصاء وتبادل الاتهامات وتصفية الحسابات ، وقال أنه نصيحة يقدمها من خبرة نضاله السلمي ثلاثين عاما لكي تتحول جنوب أفريقيا من الديكتاتورية والعنصرية إلى الديمقراطية والتوافق الوطني ، ولم يستمع أحد له وقتها ، كانت شهوة الانتصار مطغية ، والثقة المفرطة بالنفس مضللة عن مخاطر كامنة في جذر الدولة ، وضعف الالتفات لمصلحة الوطن ، كل الوطن ، تدفع الفرقاء لكي يعمل كل منهم وفق رؤيته وتياره ، فخسر الجميع ، الواحد تلو الآخر . مصر تعاني هذه الأيام ، والجميع يدرك ذلك ، ولكن كل يفسر الأسباب بطريقة القاء المسؤولية على الآخرين ، لكنه هو غير مسؤول ، أو هو الضحية ، والحرية في مصر خسرت كثيرا بدون أدنى شك طوال العامين الماضيين ، بما في ذلك حرية التعبير ، ولكن ذلك لا ينبغي أن يحول بيننا وبين القدرة على البوح والبحث عن مستقبل أفضل وأعدل وأرشد لوطننا ، من حقنا أن نبحث عن وطن يحتوينا ويحترمنا ويمنحنا الحرية والكرامة والعدل بكل أبعاده السياسية والاجتماعية ، وأن لا نترك "كوة" مهما صغرت إلا ونفذنا منها واستفدنا للاشتباك مع الواقع المؤلم وأن نطرح رؤانا ونقدنا وأفكارنا . بقي أن أقول أن دروس تجربة الثورة وأحداث العامين الأخيرين أيضا تفرض على "العقلاء" أن لا يسرفوا في الاستخفاف بتقدير الواقع وتعقيداته ، أو المبالغة في استحالة تغييره أيضا ، وأن لا يسرفوا في تأويل معنى بعض المواقف وتفسيرها بما يجعل السلوك السياسي يعيش في الأوهام عن "حال الخصم" وليس في حسابات واقع حقيقي ، وهو ما أضاع كثيرا من الفرص فيما مضى ، ورغم كآبة الواقع الحالي ، وتلال الهموم ، إلا أني أشعر بتفاؤل يغمرني بأن غد هذا الوطن العزيز سيكون أفضل من يومه ، بإذن الله .