النيل يصرخ من الفوسفات والزيت والسدود.. والمصريون: لا حياة لمن تنادى خبراء: الفوسفات قد يسبب كارثة بيئية.. رئيس «السموم» بقصر العيني: سيؤثر على الثروة السمكية والحيوانية
أربعة أعوام كانت كفيلة بأن يحل الخراب على نهر النيل، فالنهر الذى عرفت مصر الحياة بجواره ضربته 5 كوارث كانت بدياتها تهدد جريانه عبر بناء سد فى إثيوبيا وأخرى تهدد حياته بالزيت والفوسفات. "ثمة نهران كافران ونهران مؤمنان، أما المؤمنان فالنيل والفرات، وأما الكافران فدجلة والبليخ"، هكذا قال ابن الأثير فى كتاب النهاية بغريب الحديث، لكن يبدو أن المصريين لهم وجهة نظر أخرى فالنهر المؤمن من وجهة نظره بات فى نظرهم كافرًا، وحلت المصائب واحدة تلو الأخرى ليصرخ النهر "أنقذوني"، وعلى الجانب الآخر لا حياة لمن تنادى. سد النهضة البداية مع إعلان إثيوبيا بناء سد جديد ليهدد بذلك جريان مياه النيل، بل وحصة مصر منه، ورغم محاولات الأنظمة التى توالت خلال السنوات الماضية لحل الأزمة إلا أنها أصبحت واقعًا لا يمكن الهرب منه. وسد النهضة ليس الكارثة الوحيدة بل كان لغرق ناقلة نهرية سبتمبر 2010 فى منطقة أسوانجنوب مصر، تسربت على أثرها أكثر من مائة طن من زيت الغاز "الديزل أو السولار" النفطية، تسببت فى تلوث مياه الشرب فى هذه المنطقة، أغلق حينها المسئولون محطات مياه الشرب بشكل مؤقت لتطهيرها وتحليل المياه للتأكد من سلامتها، ليس هذا فحسب ففى أكتوبر 2012، ظهرت بقعة زيت بطول 6 كيلو بمياه النيل منطقة إدفو، وفى نوفمبر من نفس العام ظهرت بقعة أخرى للزيت بالقرب من فرعى النيل بمدينتى بنها وطوخ، وأيضًا بمحافظة الجيزة بمدينة الصف، فيما تمددت البقعة التى ظهرت فى أسوان إلى مشارف القاهرة. وعام 2013 انقلبت سيارة محملة بالمياه البترولية فى مياه النيل ما أدى إلى تسرب بقعة زيت بمدينة إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، وأخيرًا وليس آخرًا، غرق خلال الأيام الماضية مركب تحمل 500 طن من الفوسفات فى مياه النيل، الأمر الذى أصاب المصريين بالهول ليفكروا جديًا فى مقاطعة النهر. وكشفت الدكتورة رشا الخولي، عميد كلية الهندسة بجامعة هليوبوليس للتنمية المستدامة والمتخصصة بمجال هندسة المياه، من خطورة تداعيات حادث غرق 500 طن من الفوسفات الخام بمجرى النيل بمحافظة قنا بعد اصطدام الصندل المحمل بها بأعمدة كوبرى دندرة العلوى، شريطة سرعة استجابة الأجهزة المعنية بانتشال الكتل الصلبة لخام الفوسفات خلال 24 – 48 ساعة على الأكثر، وتطهير المجرى المائى من خلال تكريك الطمى فى موقع الغرق لحماية البيئة والأسماك والحشائش بمحيط المنطقة. وشددت الخولي، فى تصريحات لها، على أن طبيعة الخام الغارق ووجوده فى حالة أحجار صلبة غير سريعة الذوبان هى التى قللت من خطورة الحادث، مشيرة إلى أنه لو كانت الحمولة من الفوسفات فى هيئة "مسحوق بودرة" لوجب إعلان حالة التأهب القصوى لفترة طويلة. وأضافت أنه من الخطورة إبقاء خام الفوسفات حتى لا يمتد التلوث إلى مساحة أوسع نتيجة ذوبان خام الفوسفات الذى يؤدى حال تسربه لمحطات المياه إلى تهديد المواطنين بأمراض عديدة أهمها تراكم الأملاح الضارة بالجسم.
وللرد على تلك المخاطر، قال الدكتور عادل عدوي، وزير الصحة، إن هناك فريقًا من إدارة صحة البيئة بمديرية الصحة بقنا وإدارة قنا الصحية، سيقوم بعمل مسح صحى بيئى لمكان الحادث وأخذ عينات من موقع غرق الصندل ومن مآخذ محطات تنقية مياه الشرب بكل من "الترامسة، والمراشدة، والوقف، ودشنا، والوقف الجديدة" بشكل مستمر لمدة أسبوع وإرسالها إلى المعمل الإقليمى بمحافظة قنا والمعامل المركزية بالقاهرة، وذلك لبيان وجود عنصر الفوسفات من عدمه. وأضاف العدوى، أن الحد الأقصى المسموح به لعنصر الفوسفات فى الماء هو 2 ملليجرام لكل لتر ماء، وأنه فى حين لم يستدل على وجود أى نسبة لعنصر الفوسفات فى عينات المياه المأخوذة من المراكز السابق ذكرها، حيث كانت نسبة عنصر الفوسفات فى عينة المراشدة 2.0 ملليجرام لكل لتر ونسبة الفوسفات فى العينة المأخوذة من موقع غرق القارب0.05 ملليجرام لكل لتر وهى أقل من النسبة المسموح بها ب 1.95 ملليجرام لكل لتر".
مخاطر أزمة الفوسفات وتأثيرها على الثورات البشرية والسمكية والزراعية
رصدت "المصريون" المخاطر التى من الممكن أن تؤدى إلى نتائج كارثية بعد وقوع 500 طن فوسفات فى المياه، حيث قالت الدكتورة نشوى شرف الدين، استشارى علاج السموم والأطفال بالمركز القومى للسموم الإكلينيكية والبيئية، إن وجود مادة أملاح الفوسفات فى مياه النيل يمثل خطرًا كبيرًا على الأطفال والأشخاص المصابين بمشاكل فى "الكلى والكبد"، حيث إن استمرار تناول هذه المياه سيؤدى إلى الصفراء والتسمم الكبدي، مؤكدة أن هناك ثلاثة أعراض تظهر على الشخص الذى يتناول "المياه الفوسفاتية" أولا تهيج فى المريء والمعدة ويحدث بعد مرور 72 ساعة من شرب المياه، ثانيًا تسمم فى الكبد والكلى وتآكل فى عظام الفك، أى أنه فى هذه الحالة يكون مفعوله تراكميًا ويظهر من 3 إلى 5 أشهر. وأضافت نشوى، فى تصريح خاص ل "المصريون"، أن الشيء المطمئن أن الفوسفات الموجود حاليًا فى مياه النيل عبارة عن كتل صخرية كبيرة من معدن الفوسفات الذى يتكون أساسًا من "ثلاثى الكالسيوم" وهى مادة عديمة أو قليلة الذوبان فى الماء جدًا، محذرة وزارة الصحة والبيئة من التهاون فى التعامل مع هذه الكتل خاصة أنها إذا لم يتم تغليفها وانتشالها فى أسرع وقت ستؤدى إلى كارثة حقيقة بكل المقاييس. وفى سياق متصل، قال محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز المصرى لحماية الحق فى الدواء، إن هذه الواقعة تعد كارثة صحية على المواطنين المصريين؛ نتيجة للأضرار الصحية المترتبة على ما تخلفه صناعة الأسمدة الفوسفاتية أو صرف سائل ملوث بالفوسفات والفلوريدا والمعادن الثقيلة فى مياه الشرب. وأضاف فؤاد أن الفوسفوريك مادة أكالة تتسبب فى تهيج الجلد والعيون بالملامسة وحدوث تقرحات بالأغشية والأنسجة، كما أنه يؤدى إلى التسمم فى حالة البلع أو الاستنشاق، مشيرًا إلى أنه لم يتم التأكد من كونها مادة متسرطنة علميًّا، على حد قوله.
رئيس "السموم" بقصر العيني: للمعادن الثقيلة أضرار صحية خطيرة
قال الدكتور نبيل عبد المقصود، أستاذ علاج السموم وأمراض البيئة بكلية طب قصر العينى ورئيس الجمعية المصرية لعلاج السموم البيئية، إن غرق الصندل المحمل بمركب الفوسفات بمحافظة قنا سيترتب عليه آثار ضارة صحيًا على الثروة السمكية والزراعية والإنسان، ولكن المتضرر فى المقام الأول سيكون الأسماك التى تتواجد داخل المياه التى وقعت بها حادثة غرق السفينة، وسيأتى الضرر على الإنسان عن طريق مياه الشرب، وذلك إذا لم يتم معالجتها بشكل جيد أو بطريقة صحيحة. وأضاف عبد المقصود فى تصريحات خاصة ل "المصريون"، أن للمعادن الثقيلة أضرارًا صحية خطيرة على الإنسان، فعلى سبيل المثال معدن الكادميوم يسبب إسهالًا وآلامًا للمعدة وقيئا حادًّا وضمورًا فى الجهاز العصبى المركزى وضمورًا فى الجهاز المناعى بالجسم، واحتمالية الإصابة بضمور فى الصفات الوراثية أو مرض السرطان. وتابع: أما أضرار معدن الرصاص فتتمثل فى إصابة الإنسان باضطراب فى التركيب الحيوى للهيموجلوبين وإصابة الإنسان بالأنيميا وارتفاع ضغط الدم وضمور أنسجة الكلى.