جاء اللقاء النادر الذي جمع بين أمين عام "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، وزعيم "التيار الوطني الحر" الجنرال ميشال عون، الاثنين 622006م، بمقر كنيسة (مار مخائيل) ليضفي مزيداً من السخونة على السجال السياسي الذي تشهده لبنان منذ اغتيال الحريري، وما تمخض عنه من تطورات على صعيد الملف السوري اللبناني، والملف اللبناني اللبناني. البعض اعتبره تحالف (مسيحي شيعي) في مواجهة تحالف (سني درزي) إن صحت هذه التقسيمة الطائفية والبعض لم ير في التحالف السياسي الذي تمخض عن اللقاء أكثر من تحالف حول مصالح مشتركة بين الجانبين وإن وصفوه بأنه تحالف إستراتيجي. واتفقا عون ونصرالله في اللقاء الأول من نوعه بينهما على رؤية مشتركة إزاء أخطر القضايا جدلية، وأصدرا وثيقة سياسية مشتركة، تضمنت تفاهماً حول بناء الدولة، وقانون الانتخاب الجديد، وسلاح المقاومة، والسلاح الفلسطيني، والقرار 1559 ، والعلاقة مع سوريا، وملف الأسرى في إسرائيل. ورأت الوثيقة السياسية المشتركة أن الحوار الوطني هو : "السبيل الوحيد لإيجاد حلول للأزمات التي يتخبط بها لبنان" مشيرة إلى أن : "الديمقراطية التوافقية تبقى قاعدة الأساس للحكم". وطالبت الوثيقة بإحترام "عمل المؤسسات الدستورية، وإبعادها عن التجاذبات السياسية، وتأمين استمرارية عملها، وعدم تعطيلها" كما دعت إلى : "إجراء مسح شامل لمكامن الفساد، تمهيداً لفتح تحقيقات قضائية تكفل ملاحقة المسئوليين، واسترجاع المال العام المنهوب". وجاء اللقاء في وقت يشهد فيه لبنان توتراً على خلفية إحراق القنصلية الدانماركية ببيروت، وإحراق إحدى الكنائس، في إطار تظاهرات الإحتجاج على الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام. وكانت "قوى 14 آذار" المناهضة لسوريا في لبنان اتهمت دمشق بالوقوف وراء أعمال الشغب. وحمل النائب الدرزي وليد جنبلاط سوريا المسؤولية قائلاً : "وصلت رسالة التخريب". وإزاء ما حدث تصاعدت الأصوات الداعية إلى التهدئة في لبنان خوفاً من اندلاع فتنة طائفية بالبلاد. ولم يكن هذا اللقاء فاتحة الحوار بين عون ونصرالله بل التشاور بين الزعيمين الذين كانا خصمين سياسيين حتى الأمس القريب، دائر بينهما منذ أن توحد عدوهما وتجمعت مصالحهما المشتركة على الساحة السياسية في لبنان. وكان عون ونصرالله على طرفي نقيض في المواقف السياسية، ودأب الزعيم الماروني على الإعلان مراراً أن له دوراً في التوصل إلى القرار 1559 الصادر في سبتمبر 2004 والذي ينص على نزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية، إلا أن التقارب بينهما بدا مع الإتفاق حول معارضة الحكومة الحالية والتشكيلة التي تتزعمها لما تمثله من خصومة مشترك للطرفين، ولعل في هذا السر يكمن الدافع للعماد ميشال عون إلى القول : إن "حزب الله حليفنا في محاربة الفساد" مؤكداً وجود "صعوبات" في تحول الحزب الشيعي إلى "تنظيم سياسي". ويؤكد محللون أن التحالف الصاعد بين عون ونصرالله يأتي لمواجهة تحالف الحريري - جنبلاط المدعوم سعودياً وأمريكيا. وكان عون حمل في لقاء صحفي سابق "تيار المستقبل" الذي يتزعمه سعد الحريري : "المسؤولية عن الوضع المالي الذي وصل إليه لبنان" مع ديون بلغ حجمها حوالى 40 مليار دولار. كما نفى زعيم "التيار الوطني الحر" : "أي تغيير في مواقفنا تجاه سوريا"، داعياً إلى "بناء أفضل العلاقات معها"، مؤكداً : أن "مزراع شبعا أرض لبنانية"، وهي القضايا الجدلية داخل لبنان والتي يقاسمه "حزب الله" الإتفاق حولها، وقد رد الحزب على رسالة عون برسالة نظيرة على لسان حسن نصرالله قائلاً : "نحن حريصون على علاقة طيبة وجيدة مع العماد عون وتياره، ونعتقد أن هناك نقاطاً مهمة يمكن أن نلتقي عليها، وهناك صفات مشتركة بين حزب الله والتيار الوطني الحر يمكن أن تشكل قوة للمستقبل اللبناني، وحريصون على التلاقي". ومن ثم رأى مراقبون أن ميشال عون يقترب من نصرالله وعينه على رئاسة البلاد، التي يراهن على دعم حزب الله للوصول إليها.. في حين يرى الحزب في عون الزعامة الأقرب سياسياً له، وهو مطمئن لموقفه من القرار 1559. وأعلن عون أن حزب الله أيضاً هو الأقرب إليه سياسياً، وهو الأكثر تمثيلاً للمسيحيين. ومن شأن تحالف عون حزب الله أن يستعيد للعماد الماروني مواقع نواب مسيحيين في الجنوب، وفي البقاع، وفي جبل لبنان، خاصة بعبدا مقابل تعهد عون بعدم المساس بوضعية الحزب في المستقبل. وعون يراهن على قانون انتخابي يسمح له أن يشكل لائحة كبيرة، أو لوائح تضم ممثلين عن كل الطوائف والمذاهب فيدخل إلى مجلس النواب ليس بأكبر كتلة نيابية مارونية أو مسيحية بل بأكبر كتلة نيابية لبنانية، بما يتيح له التأثير الضخم في مجلس النواب، وفي تشكيل الحكومات، وفي محاسبتها ومراقبتها. حيث يوسع ميشال عون من دائرة تحركاته في جميع الاتجاهات ليصل إلى سدة الحكم في البلاد، مستفيداً من هذه التحالفات، فضلاً عن قناعاته بأن تباين الآراء بين الزعامات السياسية الأخرى ( الحريري وجنبلاط وبري ) حول المرشحين الآخرين سيفسح الطريق أمامه. وإن بدى للمراقبين دوافع عون المعتبرة سياسياً للتحالف مع نصرالله، فلم يخف مصالح زعيم حزب الله من نفس التحالف، فلا شك أن نصرالله سيجد متسعاً لا بأس به من أزمة خانقة يعانيها بسبب تحالفه الأبدي مع دمشق والضغوط التي يتعرض لها في الداخل والخارج بسبب سلاح المقاومة. وفي هذا الإطار نصت ورقة الإتفاق المشتركة على أن : "سلاح حزب الله يجب أن يأتي ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدين : الحد الأول هو الاستناد إلى المبررات التي تلقى الاجماع الوطني، وتشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحد الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب ومبررات حمله". وحددت الورقة هذه الظروف ب : "حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون" و"تحرير مزارع شبعا" و"تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية". وأشارت في هذا الصدد إلى أن إسرائيل لا تزال "تحتل مزارع شبعا وتأسر المقاومين اللبنانيين وتهدد لبنان". وحول العلاقات اللبنانية السورية، طالبت الورقة الحكومة اللبنانية "بإتخاذ كل الخطوات والإجراءات القانونية المتعلقة بإثبات لبنانية مزارع شبعا، وتقديمها إلى الأممالمتحدة بعد أن اعلنت الدولة السورية لبنانيتها". حيث ترى الأممالمتحدة أن مزارع شبعا سورية، لا يحق للبنان أن يقاوم لإستنقاذها من الاحتلال الإسرائيلي. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد قال في 2112006م : إن "المستفيد من ترسيم الحدود" بين لبنان وسوريا في مزارع شبعا "هو إسرائيل وطلب الترسيم هو طلب إسرائيلي". aly_abdelal@yahoo com