يقال أن كثيرات قد خلعن الحجاب (غطاء الرأس و فتحة الصدر)، و كذلك توجد دعوة لوقفة بميدان التحرير لخلعه بشكل معلن أمام الكاميرات، و ذلك كتعبير عن موقف احتجاجي على ثقافة الحجاب و للعودة للزمن الجميل، و لرفض ما جلبته أيضا ثقافة الحجاب لمصر من انتشار التحرش و مظاهر تأخر في غير مجال، و كل ذلك من وجهة نظر صاحب الدعوة، و هو الكاتب شريف الشوباشي. ما أريد أن اقوله في هذا السياق، هو أن موجة خلع الحجاب (غطاء الرأس و فتحة الصدر) لن تستجيب لها إلا من لبسته لغير اقتناع (أجبرت عليه)، أو المشوشة فكريا (فريضة أم لا!) أو كدافع نفسي (كتعبير احتجاج أو رفض). و ما سيستفيده المجتمع و المحجبات ("المختمرات" و "المنتقبات") أنه لن تعد محجبة إلا التي سلوكها يتفق و مجمل مفردات الثقافة الإسلامية، و كذلك لن يعد موجودا ذلك المظهر المستفز، و هو ذلك المظهر الذي تدَّعى صاحبته أنها محجبة، و في ذات الوقت تلبس الضيق من الملابس أو القصير و المفتوح أو التي تُخرج خصلات من شعرها منه. الخلاصة أن المجتمع يعاد فرزه من جديد، فنحن في مرحلة تحول مجتمعية. المؤسف في موضوع خلع الحجاب (غطاء الرأس و فتحة الصدر) هذا، هو أن بعض الخالعات يدعين أنه ليس بفريضة دينية، و حجتهم عدم وضوح آيات الحجاب في القرآن في الأمر به!، و كذلك أنهن يعتبرن الحجاب مجرد اختراع ظهر منذ فترة السبعينيات من القرن العشرين، و أنه يرتبط بصعود ما يسمونه "الإسلام السياسي". و كأن هؤلاء الخالعات يعتبرن تاريخ مصر قد بدأ منذ ثورة 1919، و لم يكن قبل ذلك التاريخ مئات من السنين، كانت المرأة فيها منتقبة - في الغالب - و مغطاة الشعر دائما. و مما يجدر ذكره في هذا السياق، أن الأكثر التزاما بالحجاب (النقاب/ اليشمك) قبل ثورة 1919 كان من يسكنون في المدن و الحواضر، على العكس من بعض ساكني الريف الذين كانت بعض نسائهم غير منتقبات (الشعر كان مغطى) بسبب عملهن خارج البيت أحيانا. و العجيب أن البعض يتكلم عن خلع الحجاب بعد ثورة 1919 و في ذهنه تصورا أن الحجاب هو تغطية الشعر، في حين أن قاسم أمين (زوجته لم تخلع النقاب حتى ماتت بالمناسبة) و هو صاحب الدعوة، و الشيخ محمد عبده و هو المُنظر الفكري، و سعد زغلول و هدى شعراوي و سيزا نبراوي و هم الفاعلون الرئيسيون، اقول أن كل هؤلاء كان مفهوم الحجاب في أذهانهم هو ما يسمى في عصرنا الحالي بالنقاب، و ليس الحجاب بمعنى غطاء الشعر و فتحة الصدر. و لكن بعض المغرضين - هذه الأيام - يستشهدون بأقوال الشيخ محمد عبده في عدم فرضية الحجاب (و هو النقاب في تصور الشيخ محمد عبده) على أنها أقوال في عدم فرضية الحجاب (غطاء الرأس و فتحة الصدر في تصورنا المعاصر) و هذا قمة في التدليس على الناس. يستغرب البعض من كثرة الكلام في موضوع الحجاب سواء دعوة إليه أو تنفيرا منه، و يقولون (ما اللي عايزه تلبس تلبس - واللي عايزه تقلع تقلع - وانتوا مالكو)، و لكن الحقيقة أن موضوع الحجاب هو أحد النقاط الفاصلة في الخلاف بين التيارين الرئيسين في الثقافة المصرية و العربية و هما الإسلاميين و العالمانيين. ذلك أن موضوع الحجاب يتدخل في تحديد نمط النظام الاجتماعي و قبول أو رفض بعض الفنون و الرياضات التي انتقلت إلينا من الثقافة الغربية، فموضوع الحجاب هو جذر الخلاف في موضوعات مثل فن الباليه و رياضة السباحة و موضوع السياحة الشاطئية مثلا. و لعلنا نلاحظ أن خلع الحجاب يرتبط بالتعري في النهاية، فما هى إلا خطوات يمشيها المجتمع، آية ذلك أن نساء مصر كن منتقبات قبل ثورة 1919 ثم عندما خلعن النقاب بدعوى حرية المرأة و التحديث، تحولت النساء إلى خلع الحجاب كاملا و اقصد به حتى غطاء الشعر، ثم في غضون سنوات ليست كثيرة، كانت المرأة المصرية تلبس الميني و الميكرو جيب، بل و المايوه أيضا! و يلاحظ أيضا أن سيادة هذا النمط المجتمعي قد حدثت عندما تم تكميم أفواه التيار الإسلامي و وضعهم في السجون على يد نظام الرئيس عبدالناصر، و كذلك تكبيل الأزهر عن طريق قانون تطوير الأزهر و الاستيلاء على أوقافه و ضمها لموازنة الدولة، ثم حدث أن تم وضع أجهزة تشكيل الوعي الثقافية في يد اليساريين، فنشأ بذلك جيلٌ لا يعرف من الدعوة و الفكر الإسلامي إلا الذي ترضى عنه السلطة، و هو التدين الشعائري و المنفصل عن الواقع، و لعل ذلك يفسر لنا سبب استغراب البعض من بدء شيوع الحجاب منذ فترة السبعينيات، فهم و كأنهم لم يروه مسبقا! و لعل من هنا خرجت دعوى أن الحجاب ليس فرضا دينيا! فأين كانت تلك الفريضة نحوا من عشرين سنة! و الحق أن مصر منذ ثورة 1919 و حتى سنة 1954 كان يتعايش فيها الاتجاهان الثقافيان (الإسلامي و العالماني) و كلٌ ينشر أفكاره و كلٌ له مريدوه. و لكن الذي حدث بعد 1954 أنه كما تم مسح و تشويه تاريخ مصر السياسي قبل ثورة يوليو، فقد تم أيضا تشويه الحياة الثقافية، و ذلك عن طريق استبعاد أحد طرفي الصراع الثقافي وقتها، و إفراغ الساحة لتيار ثقافي واحد، و بالتالي لم يكن ثمة حجاب وقتها (فالشيوعيون لن ينشروا مناخا ثقافيا يدعو لإلتزام أوامر الشريعة الإسلامية). ثم عندما أفرج السادات عن الإخوان في السبعينيات و أعطى الحرية للأزهر في العمل - و بذلك قد أصبحت الصراع الثقافي متوازنا كما كان - زعم البعض حينها - و لا يزالون - أن غزوا وهابيا خارجيا قد تم، مع أن جماعة أنصار السنة المحمدية (وهابيين فكريا) موجودة في مصر من قبل نشأة حركة الإخوان المسلمين. و هكذا تم تصوير الحجاب على أنه أمرا دخيلا على مصر، و كأنه لم يكن موجودا في مصر منذ عام 1919! و لعل بعض الذين يهاجمون الحجاب الآن، يهاجمونه من منطلقين: الأول: أنهم في داخل أنفسهم يدافعون عن أمهاتهم و زوجاتهم، إذ يرفضون أن يكن قد تلبسن بمعصية التبرج طيلة أعمارهم. الثاني: أنهم بذلك يدافعون عن نمط حياتهم الذي نشأوا عليه. و من أسف أن عادات المجتمع أشد تأثيرا على أكثر الناس من أحكام الدين. ثالثا: أن الحجاب أو الصحوة الإسلامية برمتها - مع الأسف - عانت و تعاني من عقول كثيرة مغلقة، و هؤلاء لم يكونوا جديرين بعرض الفكر الإسلامي عمليا بشكل يحوز رضى كل من يفكر و يطلع على الأفكار المختلفة. و ثقافة رفض الحجاب مرتبطة - غالبا - بنمط ثقافي مستورد من الغرب، و لأن الحضارة الغربية هى حضارة منتصرة و تأتي كل يوم بالجديد النافع للبشرية في المجالات التطبيقية و التقنية، فلذلك اكتسبت ثقافة الغرب سيادة على معظم - أو كل - ثقافات شعوب الدنيا، و اقتنع الكثيرون بأن الثقافة الغربية تعتبر (البناء التحتي) للتقدم الغربي العلمي و التقني، و بالتالي فمن يريد التقدم فعليه الأخذ بمفردات تلك الثقافة، و أن من لا يلتزم بتلك المفردات، فإنه متخلف و يدعو لثقافة القرون الوسطى (و الحجاب في رأيهم أحد مفردات تلك الثقافة القرو أوسطية!). و إذا كان كلٌ منا له صورة ذهنية عن الحجاب و لابساته، فأنا صورتي الذهنية عن الحجاب هى الدكتورة هبه رءوف عزت مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية بجامعة القاهرة. و الخطير في الأمر أن حكم الحجاب (غطاء الرأس و فتحة الصدر) قد أصبح و كأنه خلافيا نحتاج فيه لاستطلاع رأي المتخصصين، مع أنه لم يكن يتخيل مسلم سابقا أن مسلمة يمكن أن تكشف عن أكثر من وجهها، بل حتى الخلاف الفقهي في كشف الوجه كان نظريا فقط، فالذي سارت عليه مجتمعات المسلمين كان إلتزام النساء بالنقاب. و على أي حال، فالتالي روابط من فتاوى دار الافتاء المصرية حول موضوع الحجاب. http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=4492 http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=82 في كتاب المستشار طارق البشري (الحوار الإسلامي العلماني) عرضا جيدا لتاريخ الخلاف بين الإسلاميين و العالمانيين، و لتاريخ تحول وجه الحياة في مصر. https://ia902305.us.archive.org/8/ite…/tareq2014/02tareq.pdf إن بعض العالمانيين في مصر يصطادون في الماء العكر، فهم يعلمون أنها فرصتهم التي لا تعوض، فالإسلاميون الآن في أضعف حالاتهم، و في رأيهم - أي العالمانيون - أنه لابد من طرق الحديد و هو ساخن.