منتصبة القامة، مرفوعة الهامة لثلاثين سنة، مشت لطيفة أبو حميد تتنقل بين السجون الإسرائيلية، بعزيمة لم تكل، تزور 10 من أبنائها حكم على 4 منهم بالسجن المؤبد لأكثر من مرة، فيما أفرج عن 6 آخرين، قتل أحدهم لاحقا. لطيفة أبو حميد (67 عاماً)، فلسطينية لاجئة من قرية أم شوشة، قرب الرملة (وسط إسرائيل، أو ما كان يعرف بأراضي ال48 التي هُجّر منها الفلسطينيون آنذاك)، وتسكن حالياً مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين، قرب رام الله، وسط الضفة الغربية، تُلقب ب"أم ناصر" نسبة إلى نجلها الأكبر. منزل أم ناصر في الأمعري، ومنذ اعتقال نجلها يوسف الذي كان يبلغ من العمر 18 سنة، عام 1985، يشكل قبلة للمتضامنين مع قضايا الأسرى، ولوسائل إعلام محلية وأجنبية مختلفة، واليوم تزورها وكالة الأناضول، بمناسبة يوم "الأسير" الذي يحييه الفلسطينيون في ال17 من أبريل/نيسان من كل عام، والذي يصادف غداً الجمعة. لدى أم ناصر، ابنتان، وعشرة من الأبناء الذكور، يقضي أربعة منهم السجن المؤبد، فيما ال6 الآخرون خاضوا تجربة الاعتقال قبل الإفراج عنهم، وقتلت إسرائيل أحدهم عام 1994. تقول الحاجة أم ناصر، لوكالة الأناضول : "منذ 30 عاماً وأنا أتنقل من سجن إلى آخر، زرت كافة السجون الإسرائيلية.. في عام واحد كان الاحتلال يعتقل 7 من أبنائي في وقت واحد". ومنذ عام 2002 وحتى يومنا هذا، تعتقل إسرائيل 4 من أبناء أم ناصر، وهم: (ناصر، ومحمد، وشريف، ونصر). ناصر محكوم بالسجن 7 مؤبدات و50 عاماً، ومحمد محكوم بمؤبدين وثلاثين عاماً، وشريف ب4 مؤبدات، فيما نصر محكوم بخمسة مؤبدات، وجميعهم في سجن عسقلان، جنوبي إسرائيل، ومتهمون بمساعدة منفذي عمليات ضد إسرائيليين، خلال انتفاضة الأقصى (2000). وفيما كانت تحضن صورة تجمع أبناءها، تواصل أم ناصر حديثها مع وكالة الأناضول: " الأربعة اُعتقلوا عام 2002، وينتمون لكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح". كانت تشير إلى ابنها عبد المنعم في تلك الصورة "اغتاله الاحتلال الإسرائيلي عام 1994، وكان قائداً في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس". تفخر هذه الفلسطينية بأبنائها وتقول: "أنا فخورة بهم، لم أنجبهم لكي يتم اعتقالهم أو يُقتلوا، لكن هذا فرض عليهم، وفرض علينا من احتلال يقتل ويضرب، ويعتقل". " أنا أم كبقية النساء، أتمنى لو أبنائي حولي، أفرح بهم وأزوجهم"، وتكمل أم الأسرى: "توفي زوجي قبل أربعة أشهر، وكان يتمنى أن تقر عيناه برؤيتهم أحرارا قبل مماته". تروي أم ناصر للأناضول، كيف وصفتها إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية في تقرير لها ب"الإرهابية"، وتقول: "في ذات مرة بثت وسائل إعلام إسرائيلية تقريراً وصفتني فيه بالأم الإرهابية التي تدعم وتواصل زيارة أربعة من أبنائها متهمين بقتل إسرائيليين". "أقول لهم: لست إرهابية نحن لا نحب القتل، لم نذهب إليهم، هم من أتوا إلينا ليقتلونا، وأقول للسيدة الإسرائيلية أنت أم ولكن أبناءك يقتلوننا من على ظهر الدبابة والطائرة"، ترد أم ناصر على ذاك التقرير الذي لم يتضح من حديثها أي من وسائل الإعلام الإسرائيلية بثته وفي أي وقت. السلطات الإسرائيلية كانت قد هدمت منزل أم ناصر حميد، عام 1994، كما أعادت هدمه في العام 2002. ورغم ما تعانيه هذه الحاجة من مشاق وتعب خلال زيارتها لأبنائها في السجون من أعمال تفتيش وتنكيل وتضييق، كما تروي، إلا أنها تبدو قوية، وتقول: "البداية صعبة ولكن كل شيء يهون لأجل الوطن". ولأم ناصر، ابنتان أيضاً، أطلقت على إحداهن اسم "فلسطين". ولفلسطين حكاية مع الضباط الإسرائيليين خلال زيارتها لإخواتها، وعن ذلك تحكي والدتها: "ذات مرة خلال زيارة أبنائي يسأل الضابط ابنتي ما هو اسمك فقالت فلسطين، فقال لها جميل، فقلت له لا شيء بهذا العالم أجمل من بلدنا فلسطين". أم ناصر لا تترك وقفة تضامنية أو احتجاجية، أو اعتصاما، أو أية فعالية أخرى متعلقة بالأسرى، إلا وتشارك فيها. وعن هذا الموضوع تقول: "شاركت في مؤتمرات، ووقفات محلية، وأخرى في لبنان وبريطانيا". والدة الأسرى الأربعة تختم حديثها مع الأناضول، بمطالبة القيادة الفلسطينية ب"حمل ملف المعتقلين في السجون الإسرائيلية إلى المحاكم الدولية، للإفراج عنهم"، كما أنها تأمل بالإفراج عن أبنائها في أية صفقة تبادل، وتعقد الأمل في هذا "على الله"، وتصلي من أجلهم.