انتشرت التظاهرات في أنحاء العالم الإسلامي خلال الأيام الماضية ضد الرسوم الكاريكتورية ال 12 المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم, بينما تم إحراق السفارات الدنماركية في سوريا ولبنان وقتل ستة أشخاص خلال التظاهرات في أفغانستان والصومال. ولكن بينما اشتعلت التظاهرات بسبب إعادة نشر الصحف الأوروبية الرسوم الكاريكتورية, امتنعت وسائل الإعلام في الولاياتالمتحدة على الأغلب عن إعادة نشر هذه الرسوم. وقالت صحيفة "إديتور أند بابليشير" الأمريكية أنها "مسيئة جدا إلى درجة لا تسمح بنشرها". وقال المدير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست ليونارد دونيي: "إنها لا تتفق مع معاييرنا للمواد التي ننشرها في الصحيفة", التي نشرت موضوعا في صفحتها الأولى عن المسألة ولكنها لم تنشر الرسوم. وأضاف ليونارد "لدينا معايير عن اللغة والحساسية الدينية والحساسية العنصرية والذوق العام". من جانبه قدم نائب رئيس قسم الشؤون الخارجية, في صحيفة "يو إس إيه توداي" جيم ميشيلس شرحا مماثلا. وقال عن نشر الرسوم "أنا لست متأكدا من أنه سيكون هناك معنى لها". وأضاف "لقد وصفنا الرسوم, ولكني لست متأكدا أن نشرها سيحسن الموضوع". وعلى الرغم من إقراره بأن الرسوم لديها قيمة إخبارية, قال ميشيلس إن الطبيعة المسيئة للرسوم حجبت النور عن هذه القيمة. وقد نشرت الصحف الأمريكية الرئيسية افتتاحيتها عن الرسوم. حيث قررت "لوس أنجلوس تايمز" عدم نشر "الصور المرفوضة" ولكنها اعتبرت في افتتاحيتها أنه من "غير الضروري أن تتفق مع هذه الرسوم للدفاع عن حق الآخر في نشرها". ويقول كاتب المقال إن مثل هذه الاستنكارات التي شهدها العالم الإسلامي تشجع فكرة خطيرة, مفادها أن الحكومات مسؤولة عن وسائل الإعلام الخاصة في البلاد. وانها تقيم جميع محتوى الاخبار والرسوم الهزلية أو بطريقة أخرى, من خلال معيار مدى الاساءة التي تقدمها الأخبار, وهو الطريق المؤكد نحو الرقابة الذاتية. وبينما أقرت صحيفة بوسطن جلوب حق الصحف في نشر المواد التي ربما تسئ للغير, قالت إن " الصحف يجب أن تحجم عن نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد باسم التسامح". وتضيف الصحيفة إنها قضية السعي لسبب من أجل ممارسة الحرية التي لا يمكن تحديها, حيث لا حكومة أو حزب سياسي أو مؤسسة كبيرة تحاول إنكار حق الصحيفة في نشر ما تريد. ولكن الهدف الاصلي لنشر الرسوم – التي وصم بعضها النبي محمد بشكل حاقد وأحمق على أنه إرهابي, الذي لا يرى أي شئ أفضل من مصاحبة الرسول – استفزاًزيا بشكل واضح. من جانبها عبرت كريستيان ساينس مونيتور عن أراء مماثلة في افتتاحيتها التي نشرت يوم الثلاثاء 1-2-2006. وقالت إن "تصادم الحضارات" أقل احتمالا إذا رفضت إحدى الجهات أن تكون مسببة للغضب, وهذا ما انصرفت عنه الصحيفة الدنماركية " جيلاندز بوستن". وقد طلب المحرر الدنماركي الرسوم بسبب طبيعتها الحساسة.وقال إن أوروبا أصبحت مُكرهة على مراقبة مطبوعاتها بسبب المسلمين, مدعيا أن نشر هذه المواد سيرسخ حرية التعبير. وتقول كريستيان ساينس مونيتور أن "روسي" يعيش في مجتمع ديمقراطي ولديه الحق في التعبير عن أرائه . ولكن وفرة توضيحاته عبر الرسوم المسيئة كانت اعتداء ثقافي مماثل لتنظيم مسيرة للنازيين الجدد في حي يهودي. وقالت رويترز إن قداسة حرية الصحافة قد تكون في الحقيقة السبب في عدم نشر وسائل الاعلام الأمريكية للرسوم. قال إبراهيم هوبر المتحدث باسم مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية كير إن الصحف الأمريكية لم تندفع لطبع الرسوم ربما لأنها شعرت بالثقة في ضمانات الصحافة الحرة الدستورية. وقال إن الصحف "لم تشعر بالحاجة للخوض في هذه المسألة وأن تكون مسيئة بلا مبرر لإثبات أنه يمكنها فعل ذلك, وهو ما تفعله الصحف الأوروبية في ردها الطفولي ". وذكرت "إديتور اند بابليشر" إن صحيفة فيلادلفيا إنكويرير, الأمريكية, التي أعادت نشر أحد هذه الرسوم يوم السبت 4-2 – 2006, فعلت ذلك لتقديم المعلومات لقارئيها وليس لاستخدام حرية التعبير. وقال محرر الصحيفة أماندا بينيت "إن هذا هو النوع من العمل الذي يمكن للصحف القيام به ".. "إننا ننشر هذه الرسوم لكي نقدم للقراء أبعادا للمسألة التي يدور الجدال حولها, ليس وللاثارة المتعمدة.. ولقد فعلنا ذلك مع جميع الصور عبر تاريخنا... أنت تنشرها لأن هناك سبب صحفي لنشرها". "الجدال لا يبدو أنه أصبح أقل صخابة. الرسوم لا تزال قضية الأخبار". وبخلاف مثيلاتها في قارة أوروبا, امتنعت وسائل الإعلام البريطانية عن إعادة نشر الرسوم, وأوردت أسبابا مماثلة للصحف الامريكية. وفي افتتاحيتها قال الجارديان "الاهانات سواء كانت في رسوم كاريكتورية أو في أي مكان آخر الافضل تجاهلها ..". وتعتقد الجارديان في حرية التعبير, ولكن ليس في أي واجب يؤدي للاساءة للغير بدون مبرر. سيكون أمرا استفزازيا إعادة نشر مجموعة من الصور, لقيمة غير جوهرية, والتي تقود لإجحاف اسوأ عن المسلمين. ويقول الكاتب إن إلحاق مؤسس واحدة من الديانات الثلاثة, بركب "الإرهابي" المؤيد للعنف – وهو المعنى غير المشكوك فيه لمعظم مدلولات هذه الرسوم – يعتبر خطأ حتى إذا كانت النية تهكمية وليست السب. أما الإندبندنت اللندنية فهي "ليس لديها رغبة في نشر الرسوم الكاريكتورية التي اعتبرها العديد من المسلمين مسيئة جدا", بينما أشارت إلى أن إساءة الفهم ستزعج الطائفة المسلمة ووسائل الاعلام الأوروبية في الضجة بشأن الرسوم. واتفقت الاندبندنت, وجميع الصحف البريطانية الوطنية تقريبا, يوم الاحد 5-2-2004 على أنه من الخطأ اعتقاد المسلمين أن اعادة نشر الرسوم تعتبر إهانة سيئة. وتعلل الإندبندنت ذلك بقولها أن الدافع من إعادة نشر سيكون بصفة أساسية هو رؤية الموضوع الذي أثار كل هذه الضجة, وللتعجب من نقص الفكاهة الدنماركية. ولكن عندما تكون المعتقدات القوية للعديد من الناس واضحة جدا, فإن ذلك يتطلب نوع طفولي من الفظاظة للتسبب في إساءة لهم. وأشارت صحيفة سكوتسمان, البريطانية, في افتتاحيتها إلى أن "الوعي الثقافي" هو الذي يقف وراء اعتقاد صحيفة فرانس سوار, الفرنسية, أنه من المناسب نشر الرسوم, بينما لم تفعل وسائل الاعلام البريطانية ذلك على نحو واسع. ولكنها قالت إن حرية الإعلام في النشر "لا تتجزأ" وينبغي ألا تقبل استثناءات... ينبغي ألا يكون هناك مناطق "محظورة" لأن الموالين لأحد العرقيات الخاصة أو جماعة دينية من المحتمل أن تتظاهر بشكل أكثر غضبة أو عنفا من الآخرين. ويمكن أن يكتب للمجتمع متعدد الثقافات, البقاء, عندما يكون هناك احترام للمعتقدات التي لا تتقيد بها الأغلبية وحيث يحترم القرار بنشر أو عدم نشر المواد المسيئة, حساسيات العقيدة. وتضيف الصحيفة أنه ينبغي ألا تسعى أي وسيلة اعلام أخبارية مسؤولة لاحتقار أوإهانة فئات المجتمع لأي سبب آخر غير الإصرار على نشر ما سيكون "مثيرا للجدل". فقط لكونه "مثيرا للجدل" وليس يخدم المصلحة العامة. ويقول الكاتب ولكنه بينما قررت المؤسسات الاعلامية البريطانية والأمريكية على نحو جماعي تقريب عدم نشر الرسوم فإن بعض المعلقين في كلا البلدين جادل بأن نشر الرسوم مقبولا. وكتب أندريو سوليفان في مقالة لصحيفة التايمز أنه بينما قد تكون الرسوم محرمة بالنسبة للمسلمين, ألا أنه لا يرى أي سبب لوجوب تقيد غير المسلمين بهذه الفكرة. ويقول سوليفان "يمكنك احترام الدين دون احترام محرماته ..!!". ويضيف "نعم, ليس هناك سبب للاساءة لمعتنقي أي ديانة. اننا ندين باحترام جميع الديانات. ولكن الرسوم الدنماركية ليست مسيئة على نحو اعتباطي. إنها معدة للكشف عن التعصب الإسلامي. وهذه الرسوم فعلت ذلك حاليا بوفرة", [في إشارة إلى احتجاجات المسلمين على الرسوم]. وقال إن المبادئ الغربية واضحة بشكل كاف.. التسامح؟ نعم.. العقيدة؟ بالتاكيد .. حرية التعبير ؟ غير قابلة للتفاوض. على نحو مماثل, يرى المعلق الصحفي لبوسطن جلوب جيف جاكوبي ما قام به المسلمين بسبب هذه الرسوم, كهجوم على حرية الصحافة, التي قاومت بها الصحف الاوروبية لنشر الصور. وأشار إلى أن صحيفة نيويورك صن فقط هي التي نشرت بعض هذه الرسوم. واعتبر جاكوبي إن حرية التعبير التي تعتبر أمرا مسلما به, تحت الهجوم, وستتلاشى اذا لم يتم الدفاع عنها بشجاعة. وقال "اليوم, الرقباء ربما يأتون لبعض الرسوم غير الهزلية للنبي محمد, ولكن غدا كلامك وافكارك سيصبحوا صامتين..". أما هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي", التي طالما وصفت الرسومات الكارتونية "جارحة للغاية", واجهت اتهامات بممارسة الرقابة الذاتية على موقعها على الانترنت. ويعتبر بيتر هوروكس, محرر أخبار تلفزيون "بي بي سي" أن "بي بي سي" تأتي في المقدمة قبل جميع وسائل الاعلام البريطانية المطبوعة, بشأن موقفها من الرسوم المسيئة. ولكن هوروكس يقول: " إننا بوضوح أخذنا قرارا بعدم الذهاب أبعد من ذلك, [في تغطية أزمة الرسوم المسيئة ] ليس فقط حتى لا نسئ دون مبرر للعدد الكبير للمسلمين في بريطانيا - ولكن أيضا لأننا اتخذنا قرارت ببث تقاريرنا الأخبارية", مشيرا إلى أن أعداد كبيرة من المسلمين هم من المشاهدين لتلفزيون بي بي سي العالمي. أضاف ستيفي هيرمان, المحرر في بي بي سي, "عندما نغطي أي قضية حساسة يجب علينا أن نوازن بين واجبنا في ذكر الموضوع باخلاص مع مسؤولياتنا بعدم صدم مشاهدينا أو الإساءة إليهم. وفي صنع مثل هذه القرارات فإن اهتمامات وحاجات وتوقعات مشاهدينا جملة هي قاعدتنا الموجهة". المصدر: مفكرة الاسلام