كشف الدكتور محمد محسوب - وزير الشؤون القانونية الاسبق - عن وجود صراع بين ما أسماها "أجنحة الانقلاب" لافتاً إلى أن جناحاً منهم يمثل نظام مبارك وجناح اخر يمثل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي واصفاً إياه ب"الجناح العسكري" . ولفت محسوب إلى أن أبرز مظاهر هذا الصراع تتمثل في إنتخابات البرلمان القادمة والتي يخشى جناح السيسي من تسرب عناصر لا تدعمه فيها وبالتالي بدأت تتعالى الاصوات التي تطالب بتعديل دستور 2014 لكي يعطوا السيسي المزيد من الصلاحيات بحسب وصفه . وإلى نص تدوينته : كان الانقلاب الأول على ثورة يناير.. لا على دستور أو رئيس منتخب .. إنما على مجمل قيمها وحلمها؛ وهو ما يمكن لأي مراقب أن يلحظه في الانتقام الممنهج الذي جاوز أشخاص ورموز ثورة يناير لينال من كل قيمة حملتها.. العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. فما يجري هو ترجمة لعكس تلك القيم جملة وتفصيلا.. وكانت لجنة الخمسين هي إحدى الجرافات التي استعملها الانقلاب للتخلص من أي آثار لثورة يناير في الدستور، فجرى الإطاحة بكل نص يمكن أن يحمل روح العدالة الاجتماعية أو توزيع السلطة أو ضمان الحقوق والحريات في مواجهة أدوات القهر المملوكة للدولة أو غير ذلك.. لكن أحكاما يسيرة أفلتت من حملة التجريف التي قامت بها اللجنة الخمسينية، وربما أهمها: 1- المادة 161 والتي تضمن الحق لمجلس النواب في سحب الثقة من رئيس الجمهورية " واجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، بناءً علي طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب علي الأقل، وموافقة ثلثي اعضائه". 2- وكذلك المادة 159 بشأن محاكمة رئيس الجمهورية بسبب انتهاك الدستور أو الخيانة العظمة أو أي جناية أخرى أمام محكمة " يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضوية أقدم نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام، وإذا قام بأحدهم مانع، حل محله من يليه فى الأقدمية، وأحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن". 3- ولا أخفي سرا إذا قلت أن التوقيع على اعلان مبادئ سد النهضة مثّل خيانة عظمى بالمعنى الدستوري لأنه اشتمل على توقيع معاهدة دولية في مسألة تتعلق بالسيادة على الإقليم وعلى الحقوق المتعلقة بها دون العودة للشعب وفقا لما تشترطه الفقرة الثالثة من المادة 151 من الدستور والتي تنص على أنه " وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن اى جزء من إقليم الدولة". لا يتعلق الأمر بحرية أي انتخابات سيجريها الانقلاب أو نزاهتها.. فهي بالقطع ستكون مشوهة ومزيفة وسيجري فيها إقصاء أي قوى يُشتم منها رائحة يناير.. لكن الأمر لا يتعلق بثورة يناير وإنما بصراع أجنحة الانقلاب؛ فالقطيع الذي تماسك لينقلب على ثورة يناير يتقاتل الآن على ميراث دولة مبارك.. وترك الأمر مفتوحا لحاشية مبارك وأبناء نظامه، يجعل الجناح العسكري للانقلاب قلقا لدرجة الموت، لأنه يعرف أنهم أيدوه لكن ولاءهم ليس له وإنما لمصالحهم ولمصالح شبكة علاقات السلطة والثروة والفساد التي يمثلونها.. ويبدو أن الواقع أثبت أن بين الجناح العسكري والجناح المدبج بالمال والمصالح خلافات جذرية وأن كافة محاولاتهم لاقتسام السلطة والثروة لم تُفلح حتى الآن، نظرا لحجم الجشع الذي يتسم به الفريقان.. الانقلاب يُراوغ لتأخير الانتخابات البرلمانية التي ستتنافس فيها أجنحته فقط.. أما غيرهم فسيكونون كالإطار الملون الفارغ لتزيين الحفل.. لكن في النهاية عليه أن يُجريها، لاستحقاقات دولية وداخلية تتعلق بضرورة توفير شكل ديموقراطي أجوف لجوهر دكتاتوري دموي.. ليس أمامه سوى طريقين: الاول: هزلي، لكنه الأكثر أمانا للجناح العسكري الذي قتل آلافا من أبناء شعبه، وذلك بأن يدفع حزب المؤسسة العسكرية لينزل بثقله في الانتخابات ليشغل غالبية مقاعده.. فهذا هو التيار الوحيد الذي يأمن له ويأنس به.. ومن ثم نكون أمام مجلس نواب بالرتب العسكرية.. والثاني: هو ما يفكر فيه ودعاه له عرّاب انقلابه بأن يقوم بانقلاب جديد على نظام مبارك.. وهذه المرة هو لا يحتاج دباباته وإنما لبعض أبواقه لتزيين الذهاب لاقتراع على الدستور تحت أي دعاوى يليها بعدئذ الذهاب لانتخابات برلمان يضمن أنه منزوع القدرة على منافسته في التفرد باستنزاف الضحية.. وهي الوطن وشعبه.. وبالتالي يكون الجناح العسكري قد حسم نزاعه مع جناح المال والأعمال.. بدت همسا أصوات البعض مطالبة بتعديل الدستور لمصلحة زيادة سلطة رئيس الانقلاب.. وغدا ستزداد.. ربما معركة لا تهم الثورة المستمرة في سعيها لهدفها النبيل في إسقاط القمع وبناء دولة العدل والحرية والتي تصبح فيها مؤسسات الدولة وسلطاتها لخدمة الشعب لا للتنازع على أشلائه..