بغض النظر عن كل التفسيرات والتحليلات والتأويلات لأحداث ماسبيرو الدامية، وبغض النظر عما ستتوصل اليه لجنة تقصى الحقائق من معلومات، علينا ان نعترف بان ماجري وسوف يجري في مصر من اعمال عنف هو نتيجة متوقعة للفراغ السياسي، فمع سقوط النظام السابق كان لابد ان يحدث فراغ وصراع على السلطة! هذا ماحدث في الصومال حين انهار نظام الرئيس زياد بري في عام 1991 ، وهذا ماحدث في لبنان عام 1975 مع تفاقم الخلافات على رئاسة الدولة والحكومة وادي الى حرب اهلية دامت 16 عاما، وهذا ماجري في افغانستان حين سقط نظام نجيب الله مع رحيل القوات السوفيتية في عام 1992 ، وهذا ماجري في العراق عقب سقوط نظام صدام حسين ودخول القوات الامريكية في عم 2003. ومع تنحي مبارك عن السلطة إثر ثورة شعبية كان لابد ان تدخل مصر في حالة من الفراغ السياسي، وكان طبيعيا ان يحتدم الصراع علي السلطة، فلم تظهر على الساحة زعامة تاريخية يمكن ان يتجمع حولها المصريون ، ولم يتصدر المشهد قائد سياسي يمكن ان يملا الفراغ ، وباستثناء المجلس العسكري الذي تولي إدارة شئون البلاد، انهمكت كل القوي السياسية في صراع اشبه بحروب القبائل في مرحلة ما قبل التاريخ! لم يتصدر المشهد زعيم تاريخي في قامة كوامي نكروما في غانا ولا احمد سيكوتوري في غينيا ولا جوزيف بروز تيتو في يوغسلافيا ولا كاوث كاوندا في زامبيا، ولم يخرج زعيم من بين صفوف الشعب كالمهاتما غاندي في الهند، او سعد زغلول وجمال عبد الناصر في مصر أو نيلسون مانيدلا في جنوب افريقيا او الخوميني في ايران. وكان هذا عاديا ومتوقعا، فالنظام السابق لم يترك على الساحة شخصيات يمكن ان تكون البديل، وهكذا لم يعد امام مصر في هذه المرحلة غير اقامة نظام يمكن ان يستوعب الجميع ، لكن ذلك لم يكن من الممكن ان يتحقق مع استمرار الصراع بين قوي الثورة والثورة المضادة، وتفاقم الخلافات بين الاحزاب والحركات السياسية والمجلس العسكري، وهكذا طال امد المرحلة الانتقالية، وتطورت الاحداث في اتجاهات لم تكن متوقعة، وخرجت في بعض الحالات عن السيطرة، وكانت النتيجة اتساع دائرة الفوضي والعنف والانفلات الامني . وكان غريبا الا يلتفت احد لخطورة ما يجري، فالاحزاب والحركات السياسية مشغولة بالصراع على السلطة، والمؤسسة العسكرية مرهقة بادارة شئون البلاد، ومهمومة بالخوف من الفوضى وانهيار الدولة والتدخل الخارجي، والفئات المطحونة ترى ان رفع المظالم اولي من اعادة بناء مؤسسات الحكم، ورجال النظام السابق يبذلون كل ما في وسعهم لإعادة عقارب الساعة الى الوراء ، وفي هذا الجو العاصف بدت مصر اقرب الى سفينة تتقاذفها الامواج! وهكذا وقع ما وقع في ماسبيرو، ولم يكن في ذلك مفاجأة من اي نوع ، فقد سبق ان وقعت احداث خطيرة مشابهة، ومن الوارد ان تتكرر في المستقبل احداث اكثر خطورة، ومع كل تأخير في وضع نهاية للمرحلة الانتقالية، من الوارد أن تتعاظم التحديات الداخلية والخارجية، وان تتواصل محاولات جر مصر الى الفوضي، فهناك من لا يريد لهذا البلد ان يقف على قدميه من جديد، وهناك من يراهن على التدخل الخارجي لحماية المصالح الغربية وحرية الملاحة في قناة السويس وضمان أمن اسرائيل! نحن الان في ذروة أزمة بالغة الدقة والصعوبة، ومن الممكن ان يتطلب الخروج منها عشرة اعوام ومن الوارد ان يحدث ذلك في عشرة اشهر، فهذا مرهون برغبة المجلس العسكري في نقل السلطة، وباتفاق القوي السياسية على خارطة طريق واضحة للمستقبل، وبادراك كل المصريين ان الاولوية يجب ان تكون لإعادة بناء الدولة واقامة نظام ديمقراطي، فكل تأخير في عملية ملء الفراغ السياسي سوف يدفع ثمنها الجميع! ماجري في ماسبيرو لم يكن صداما طائفيا، وانما تعبير عن حالة واضحة من الفراغ، ومن المؤكد ان القادم أخطر ما لم نتفق على خارطة طريق تجنب مصر ما يجرى الان في العراق واليمن وليبيا وافغانستان!