يحكى أن أحد الحكماء؛ أراد اختبار مدى قدرة مواطنيه على تقديم الحلول؛ فوضع صخرة كبيرة على أحد الطرق الرئيسة؛ فأغلقها تمامًا؛ ووضع حارسًا، أمينًا يراقبها من خلف شجرة ويخبره بردة فعل الناس. مرّ أول رجل وكان تاجرًا كبيرًا في البلدة، فنظر إلى الصخرة باشمئزاز منتقدًا من وضعها دون أن يعرف أنه الحاكم، فدار هذا التاجر من حول الصخرة رافعاً صوته قائلاً : " سأذهب لأشكو هذا الأمر، سوف نعاقب من وضعها"! ثم مرّ شخص آخر وكان يعمل في البناء، فقام بما فعله التاجر لكنه كان أخفض صوتًا؛ لأنه أقل شأناً في البلاد.ثم مرّ ثلاثة أصدقاء من الشباب الذين ما زالوا يبحثون عن هويتهم في الحياة، وقفوا إلى جانب الصخرة وسخروا من وضع بلادهم ووصفوا من وضعها بالجاهل والأحمق والفوضوي ثم انصرفوا إلى بيوتهم..!! مرَّ يومان حتى جاء فلاح بسيط، ورآها فلم يتكلم وبادر إليها مشمِّرًا عن ساعديه محاولاً دفعها طالبًا المساعدة ممن يمر؛ فتشجَّع آخرون وساعدوه فدفعوا الصخرة حتى أبعدوها عن الطريق.. وبعد أن أزاح الصخرة وجد صندوقًا، حفر له مساحة تحت الأرض، وبه ورقة فيها قطع من ذهب ورسالة مكتوب فيها :"إلى من يزيل هذه الصخرة، هذه مكافأة للإنسان الإيجابي المبادر لحل المشكلة بدلاً من الجأر بالشكوى منها" ! وكأني بهذه القصة تقول: انظروا، وتحروا؛ وتأمّلوا، حولكم..؛ وتحرّكوا لتقديم الحلول الإيجابية لهموم الوطن؛ فكم من المشكلات المتراكمة التي ونستطيع حلها بكل سهولة قبل تفاقهما، فقط نتوقف عن الشكوى؛ ونبدأ بتقديم الحلول التي تساعدنا جميعًا..! على مدار شهور منذ سقوط المخلوع، و استفتاء مارس الشهير، جأرت فئات كثيرة، وضجت بالشكوى، بل والاعتصام، والتصعيد أحيانًا إلى الإضراب العام، شاهدنا ذلك في عدد من النقابات المهنية، وبعض التحركات الطائفية، دونما هوادة، أو شفقة في وطن جريح، استبيح على مدار ستة عقود، نهبًا وسلبًا، وتوريثًا .. لم يمهلوها، فرصة لترتيب الأوضاع، ولم يحاولوا خلالها إطفاء الحرائق أو مشاريعها المحتملة، بل زادوا المناطق الملتهبة اشتعالاً، وصبوا مزيدًا من الزيت عليها ..! مثلاً كانت هناك بؤر طائفية يمكن تقديم الحلول العاجلة؛ للحيلولة دون وقوعها مرة أخرى، ولكن انشغل الجميع باكتساب المغانم، عن تقديم الحلول، فإمبابة؛ وصول؛ والمينيا؛ والأقصر؛ والمريناب، أماكن شاهدة على إعمال العقل، و إشهار سيف العدل وجه المجرمين، المتسبّبين في إشعال الحرائق في عموم الوطن، مهما كانت مراكزهم ومناصبهم، ولكن ظهر التباطؤ القاتل، وتم حل معظم المشكلات برخاوة شديدة، وطبطبة، أقصى ما توصف به أنها قعدة مصاطب ..! لا وقت لدينا الآن للبكاء على اللبن المسكوب في الأحداث الأخيرة؛ فيجب الإعلان الفوري عن التحقيق فيها بشفافية وحسم وحزم شديدين..، والقصاص العاجل والعادل؛ وألا يقتلها التحقيق دراسةً، كما يحدث الآن في موقعة الجمل..! الكل مسؤول: مجلسًا عسكريًا، ومجلسًا وزاريًا؛ وشعبًا عمّا حدث من فتن، واعتصامات وإضرابات، واتهامات في النوايا، بل وترك الوطن نهبًا لفلول إعلامية، تسعى جاهدة لغسل الأدمغة من جرائم النظام السابق، بخطاب تحريضي، وطائفي مشبوه..، لا يراعي فينا إلا ولا ذمة.. حتى الأحزاب، والقوى الوطنية، والنخب التي كان بقدورها، تقديم الحلول الناجعة، عبر كوادرها، لم تهتم بالأمر، انشغلت بحسابات لحظية، واستمرت جهودها النفعية، لتقسيم غنيمة نظام المخلوع، دون أن يدروا أن رأس النظام فقط هو من سقط، ولكن مازالت ذيوله، تنعم في مناصبها، في قيادة الوزارات والمؤسسات وهيئات القطاع العام، و تعيس في الأرض الفساد..! لم يتعامل أحد بجدية مع تهديدات فلولهم المنحلة بإشاعة الفوضى وقطع الطرق وشبكات الكهرباء والسكك الحديدية، ولم نر وقفة حاسمة من الحكومة أو حلول سلمية من القوى الوطني تجاه هذا التهديد الصريح للأمن الوطني المصري ..! يبقى ضروريًا التأكيد على أن مصر تشهد حالة تقاعس أمني؛ لإعادة العجلة إلى الوراء؛ وليس كما يحلو للبعض ترويجه، ووصفه بالانفلات الأمني..؛ فمازالت ذراع الشرطة طويلة، وتستخدمها حسب المزاج والهوى..! وهي فقط تحتاج إلى قيادة حاسمة وحازمة، لاستعادة الأمن والاستقرار ووضع الأمور في نصابها.. معضلة مصر ببساطة، أنها لا تحتاج إلى الحرية وحدها، دون تحقيق العدالة النزيهة، فحماية الحرية مسؤولية منوطة بالنظام القائم وإقامة العدل مهمة القضاء المصري النزيه والعادل، الذي يجب أن يطهّر نفسه من الدخلاء، الذين خصموا من رصيده، وأساءوا إليه كثيرًا.. فالحرية والعدالة، صنوان، وجناحا الوطن اللذين تحلّق بهما في سماوات التقدم والازدهار.. كسدين منيعين ضد قيم الطغيان، والفساد والرذيلة والخبث ! همسة: العدل: المقدمة الأولى والأساسية للحرية. والحرية: النتيجة التي تلازم تحقيق العدل..!