الطيب: لسنا فوق النقد ولكن بعض الإعلاميين يهاجمون الأزهر بغير حق - الجهاد أعم وأشمل من القتال قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن دعوته الشباب إلى قراءة كتاب "دعاة لاقضاة" لحسن الهضيبي، المرشد الأسبق لجماعة "الإخوان المسلمين" في سياق حديثه عن مفهوم "الحاكمية"، لما يحمله من رد على بعض المنحرفين أو الذين انحرفوا بهذا المفهوم، في إشارة إلى المفكرين أبي الأعلى المودودي وسيد قطب الذي تحدث عن "وقوعهما في سقطات عجيبة مع ما لهما من عقول متفتحة ضربت في مجال الثقافة بسهم وافر". وأوضح الطيب أن "بعض الناس تريد أن تهاجم الأزهر بغير حق؛ فتحدثوا عن أن شيخ الأزهر ينصح الناس بقراءة كتب الإخوان، باعتبار الهضيبي كان مرشدًا للإخوان"، لكنه أكد أن "هذا كلام مردود عليه لأننا عندما نصحنا بهذا الكتاب لأن قيمته تتمثل في صاحب الرد؛ فهو واحد من الإخوان وهو يرد على الإخوان الذين تمسَّكوا بفكرة التكفير، فهو رد مفحم وعلى طريقة (وشهد شاهدٌ من أهلها). وأضاف شيخ الأزهر في حديثه الأسبوعي مع التليفزيون المصري الذي سيُذاع بعد ظهر غد الجمعة والذي حصلت "المصريون" على مقتطفات منه أن "هؤلاء المهاجمين أغفلوا كل ما قيل في اللقاء السابق لأن المقصود عندهم ليس بيان الحقائق للناس، وإنما التلبيس على خَلقِ الله، والإنسان والكاتب والمفكر سيُسأل أمامَ الله - سبحانه وتعالى - وهو أولاً مسؤول عن ضميره، فإذا كان ضميره هذا متواضعًا لسببٍ أو لآخَر فإنه يجب ألا يظن أنه سيفلت من حساب المولى - عز وجل". وتابع شيخ الأزهر: "إنني حينما نبهت إلى أن الهضيبي رد على مقولة "الحاكمية" لدى سيد قطب ولدى المودودي فذلك لأن كلاهما معاصران، والهضيبي أيضًا معاصر وردَّ عليهما وفند أفكارهما تفنيدًا قويًّا، والذين ينتقدون الأزهر، بغير حق، يعبثون بالاستقرار الاجتماعي في البلد من حيث يدرون أو لا يدرون، والأزهر الشريف تعرَّض لكثير جدًّا من هذه الفرقعات التي تحدث ثم تزول وتتلاشى". وأشار إلى أن "الأزهر الذي مضى عليه ألف و50 عامًا لن يهتزَّ من برنامج أو مقالة، ولكننا نريد أن تكون كلمة الحق هي الرائدة، نريد أن يحترم هؤلاء عقول المشاهدين والقراء، وهذا شيء أساسي، حتى أصدقك وأقرأ مقالك وأتابعك وأعلم أنك تقول شيئًا مفيدًا وحقيقيًّا، فإذا كنت أتابعك وأعلم أنك تزيف كل الحقائق، فما قيمة ما يبذل في هذا البرامج أو قيمة المداد الذي تكتب به تلك الكلمات". وأكد شيخ الأزهر أن "الأزهر الشريف وشيخه وعلماءه ومفكريه ليسوا فوق النقد، لكن يجب أن يكون النقد جادًّا، وأن يكون مسؤولاً، وأن يتعامل فعلاً مع قضية، لكن الزوبعات والمظاهرات، أي المظاهرات في المعلومة، فهي أمر غير مقبول، ونحن يجوز أن نُخطِئ، فما دمت أعمل فأنا أخطئ وليس في ذلك شك ونحتاج لمن يعرفنا تلك الأخطاء ويدلل على أنها فعلاً حصلت، وكما قال سيدنا عمر: "رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبًا". من جهة أخرى، تحدث شيخ الأزهر عن شرح مفهوم "الجهاد" قائلاً: إن هذا الأمر يحتاج إلى توضيح، وهناك مصطلحان قد يلتبسان: الأول القتال والثاني الجهاد، وقد ورد في القرآن "القتال" وورد في القرآن "الجهاد"، وقد وردت "الحرب" في القرآن الكريم أربعة مرات، بينما ورد "الجهاد" أكثر من ثلاثين مرة. وأوضح أن "هناك فرقًا بين مفهومي القتال والجهاد فهما غير متطابقيين، وأن هناك ما يُسميه علماء المنطق والأصول علاقة العموم والخصوص المطلق، بمعنى: أن أحد المفهومين أعمُّ مطلقًا من المفهوم الآخَر، وأنَّ هذا المفهوم الآخر أخص مطلقًا من المفهوم الأول، فكلمة "جهاد" تعني القتال، لكنها تعني أمورًا أخرى كثيرة إلى جوار القتال؛ بحيث يكون القتال المسلح هو واحدٌ من مفاهيم عديدة يطلق عليها "الجهاد". ودلَّل على الأمر قائلاً: إذا قلت مثلاً كلمة نبات، معروف أن تلك الكلمة تُطلق على الورود والزهور والأشجار والمحاصيل وكل تلك النباتات، كما يمكن أن نقول: إن الغلال نباتات، فإذا جاءني أحد وقال: إن كلمة نبات مقصود بها الورود أو الزهور فقط، فهل هذا إنسان عاقل؟! بل أقول له: إنَّ النبات كمصطلح هو أعمُّ من كلمة الورود؛ لأنَّه يُطلَق على الورود وغيرها، وكلمة الورود أخصُّ من النبات لأنه يُمثِّل جزءًا صغيرًا من النبات، وهكذا فالجهاد دائرة واسعة، وحلقةٌ من حلقاته هي القتال في سبيل الله، ومن هنا فالجهاد هو بذلُ المجهود في مقاومة العدوِّ، أيًّا كان هذا العدو، بمعنى: أنَّ القتال في سبيل الله أُسميه جهادًا لأنه يُمثِّل بذلَ مجهودٍ في مقاومة العدو المسلح، وأيضًا الجهاد يُطلَق على جهاد النفس. وأكد الطيب أن "مفهوم جهاد النفس هو أن الشخص لديه نفسًا تأمره بالسوء ليلَ نهارَ، فمن ثَمَّ جهاده: بذل المجهود في مقاومة النفس وإغراءات الشيطان وفتن الشيطان ووساوسه، هذا أيضًا من الجهاد، وأيضًا هناك جهاد الرغبات وهو يُعَدُّ جهادًا في الإسلام، وكذلك هناك أحاديث كثيرة جدًّا تُبين أنَّ الجهاد الأكبر هو جهاد النفس والأهواء، فأفضل الجهاد حسَب الحديث أن يُجاهد الرجلُ نفسَه وهواه". وأضاف أن "هناك قُصورًا في معرفة مفهوم الجهاد؛ حيث يتم قصره على القتال المسلح، وأنَّ الجهاد في الإسلام هو أن يحمل المسلمُ السيف ويخرج لساحةِ الجهاد ويقتُل الأعداء، وهذا حق، ولكن وقع الكثير في تضييق مفهوم الجهاد، فالجهاد في الإسلام معناه أعم بكثير جدًّا من القتال المسلح، والقتال المسلح هو وجهٌ من وجوه كثيرة جدًّا للجهاد، بل يُقال: أنه هو الجهاد الأصغر، والجهاد الأكبر هو جهاد الشيطان والنفس والهوى". وأشار إلى أن "بعض الناس يتعجَّب من أن القتال يُعَدُّ جهادًا أصغر بينما جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، وتلك الدهشة والاستغراب يزولان عندما نعلم أنَّ الجهاد الأصغر وهو القتال محدود المدَّة، فهو مثلاً لا يزيد عن شهر أو حتى سنة، فمدته محدودة وهو ينتهي دائمًا بمكاسب، فالمجاهد في سبيل الله إذا قُتِل فهو شهيد في الجنة، وإذا عاش فهو يستمتع بالنصر والغنائم أيضًا". وعد الطيب القتال "نوعًا من أنواع الجهاد وليس كل الجهاد فهو محدود، وأيضًا فيه مكاسب، أما الجهاد الحقيقي وهو الجهاد الأكبر، والذي يكون بالمال أو بالنفس أو باللسان وهو الحجة والبرهان بالدعوة إلى الله، وقد يكون جهادًا بالقُرآن أيضًا". واستشهد بقوله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، وأوضح أنه - سبحانه وتعالى - لم يقل: "جهادًا" فقط، و لكنه أكَّده بصفة "كبيرًا". وأضاف: "من المعروف أنَّ المسلمين لم يؤذن لهم بالقتال طول الفترة المكية، فإذًا هذا يدلُّ أن عندي جهادًا كبيرًا ولا يتعلق بالإمساك بالسلاح لا من قريب ولا من بعيد، وهذا دليلٌ على أنَّ كلمة "جهاد" في القرآن ليس المراد بها القتال المسلَّح، فعندما يقولون للشباب: إنَّ الجهاد كذا والجهاد كذا، أقول لهم: إن هذا النوع الذي تدعون إليه هو نوع مُعيَّن من الجهاد له أحكامٌ وضوابطُ وشروط وقوانين، أمَّا الجهاد في الإسلام فهو النوع الأعمُّ".