يشتكي أزواج من دعاء زوجاتهم عليهم بالموت والابتلاء في الصحة والرزق وعدم تقبل الله أعمالهم الصالحة أثناء أو عقب أي خلاف – غالبا ما يكون بسيطًا لا يستحق الغضب الشديد لدرجة الدعاء عليهم بكل مكروه!.. حيث يعميهن شدة الانفعال وقتها عن رؤية الحقيقة ومعرفة إذا ما كن مظلومات حقا أم ظالمات متجنيات.. فتبدأ الواحدة منهن وقتها في الدعاء على زوجها، مفوضة الأمر كله لله بقولها: "حسبي الله ونعم الوكيل"، رغبة منها في أن ينتقم ويقتص الله لها منه جزاءً على ما ارتكب وأجرم في حقها، متناسية كل فضل ومعروف قدمه لها وكل لحظة سعيدة عاشتها معه!.. الأمر الذي يُحزِن أزواجهن بشدة، ويوغر صدورهم، ويشعرهم باليأس وخيبة الأمل لتبدل مشاعرهن نحوهم لدرجة البغض والعداء والرغبة في الانتقام الإلهي منهم، فضلًا عن الخوف من أن يتقبل الله دعاءهن عليهم فيصيبهم أذى أو ابتلاء جراء ذلك..
الجدير بالذكر أن دعاء الزوجة على زوجها دون وجه حق لا قيمة له؛ لأن الله تعالى لا يحب المعتدين، فإنه يجوز للإنسان أن يدعو على من ظلمه، أما لو أن إنساناً تصور أنه مظلوم وظل يدعو على من ظلمه، هو لم يظلمه حقًا، فلا اعتبار لدعائه، فالكفار دعوا على النبي - عليه الصلاة والسلام.. والمشركون عبر التاريخ كانوا يدعون على الرسل والأنبياء ورغم ذلك لم يصبهم شيء، كل ذلك لأنهم لم يكونوا على الحق، وأي إنسان يدعو بغير وجه حق فإن الله لن يستجيب دعاءه؛ لأن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، وأنه سبحانه لا يحب الظالمين ولا يحب المعتدين..
فدعاء الزوجة على زوجها إن كان بغير وجه حق يعد من سوء الخلق وإساءة العشرة وشكلا من أشكال النشوز الذي ينبغي للزوج أن يعالجها منه بتوضيح واجباتها تجاهه وإلزامها بأدائها وتعليمها ما ينبغي فعله وما ينبغي تركه، فإن لم تدرك واجباتها جيدا، وظلت متمادية في إساءتها، فعلى الزوج أن يتبع وسائل إصلاحها التي أرشد إليها الله تعالى في كتابه العزيز: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليًّا كبيرا}، النساء: 34
فالواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف ويتقي الله فيه، ويحسن معاملته ويلين له الكلام، ويرفق به ويلتمس له الأعذار حال الغضب وأن يعفو ويصفح ولا ينسى أحدهما فضل الآخر ومعروفه، لأن العفو أقرب للتقوى وأحب إلى الله عز وجل..
قال تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى، ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير}، البقرة: 237 وقال أيضًا: {وجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين}، الشورى: 40 وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا"، رواه مسلم.
وإن كانت الزوجة محقة في الدعاء على زوجها لكونه ظلمها حقا، فيجوز لها أن تدعو عليه دون أن تعتدي في الدعاء، - وإن كان دعاؤها له بالصلاح والهداية أنفع لها وله..
أما إذا كانت الزوجة ظالمة معتدية في الدعاء، فإن بلغ زوجها هذا الدعاء أو سمعه فعليها الاعتذار له وطلب العفو والمسامحة، وإن لم يبلغه فعليها بالدعاء والاستغفار له. روى أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: "ارحموا تُرحَموا، واغفروا يغفر الله لكم"، صححه الألباني في صحيح الترغيب.