على مدار الشهور الثمانية الماضية لم نشعر بأي ضيق من وجود العسكر بيننا في الشوارع والميادين، بل الصحيح أننا لم نكن نشعر بالآمان إلا في حضورهم، لم نجد مبررا للقلق من تكرار مأساة 1954 بعد تطمينات المجلس العسكري التي أعلنها منذ أيامه الأولى أنه غير راغب في السلطة، وأنه سيقوم بتسليمها لسلطة مدنية خلال ستة أشهر أو عقب انتخاب رئيس للجمهورية، كان البعض يشك في صدق هذا الكلام، وكنت ممن منحوا ثقتهم للمجلس العسكري وممن صدقوا كلامه مع بعض الحذر، دافعت عنه شفاهة وكتابة، وطلبت ممن ينتقدونه أن يمنحوه الفرصة لإثبات صدق نواياه، فقد كنت أرى أن التركة الثقيلة لنظام مبارك لاتشجع المجلس العسكري على التشبث بها، وأن الأوضاع المتفاقمة والإضرابات والإعتصامات المتصاعدة لاتحفز المجلس على البقاء في السلطة، وكنت أرى أن أعضاء المجلس ومعظمهم إن لم يكن جميعهم جاوزوا الستين أو السبعين من أعمارهم وليسوا راغبين في السلطة بعد هذا العمر. بعد انتهاء فترة الشهور الستة التي حددها المجلس العسكري لنقل الحكم إلى سلطة مدنية، لم نجد أثرا عمليا على ذلك، فلم يحدد المجلس موعدا للإنتخابات البرلمانية ( شعب وشورى) ولا الرئاسية، وظل يماطل في هذا رغم تصاعد المطالب بتحديد جداول زمنية، لم يقدم المجلس على تحديد موعد لانتخابات الشعب والشورى إلا بعد مظاهرة كبرى في ميدان التحرير، وبعد تهديد معظم الأحزاب الرئيسية بمقاطعة الإنتخابات، ما هذا الذي يحدث؟ هل نحن في ثورة شعبية حقيقية، أم أننا لانزال نعيش في ظل حكم مبارك نتفاوض مع رجاله على بعض حقوقنا؟!. ليس مطلوبا أبدا بعد الثورة ان تكون العلاقة بين المجلس العسكري والقوى السياسية الممثلة للشعب هي علاقة شد وجذب، وهات وخد، فالمفترض أننا جميعا ابناءوشركاء ثورة واحدة، والمفترض ان يقوم المجلس العسكري بصفته صاحب السلطة الفعلية بتنفيذ مطالب الشعب ورغباته لا أن يساوم عليها أو أن يماري فيها أو يتباطأ في تنفيذها بحجج واهية، فنحن ننظر إلى جيشنا الآن باعتباره جيش الثورة، وجيش الشعب وليس وصيا على الشعب. مضت الشهور الستة وبعدها شهران إضافيان، حتى تمكنا بالكاد من إلزام المجلس العسكري بتحديد موعد للانتخابات البرلمانية، ولا أدرى كم من الوقت سنستغرق حتى نلزمه بتحديد موعد للانتخابات الرئاسية ونقل السلطة تماما لحكومة مدنية؟! ولا أدري هل سينفذ المجلس فعلا تعهده بنقل السلطة للمدنيين بعد 60 عاما من الحكم العسكري، أم أن بعض مظاهر التقدير الشعبي التي يلقاها ستغريه بالبقاء في السلطة 60 عاما أخرى؟!. يخطيء القادة العظام إذا تصورا أن الشعب منحهم توكيلا( على بياض) ليتصرفوا كما يشاؤون، وليستمروا في السلطة كما يريدون، فالشعب منحهم حبه وتقديره لأنهم أولا وقفوا إلى جانب الثورة في ساعة العسرة، كما أنهم وفروا للشعب قدرا لابأس به من الآمان في غياب الشرطة، ولكن هذا لايعني أبدا تفويضا دائما للإستمرار في السلطة فالشعب الذي قدم مئات الشهداء وآلاف المصابين والسجناء من أجل حريته ومن أجل الانتقال من الحكم العسكري لن يقبل بأقل من تسليم السلطة لحكومة منتخبة بشكل ديمقراطي، ولن يقبل استمرار بقاء العسكر في الشوارع بل يرى أن مكانهم الطبيعي بعد اليوم هو في الثكنات وعلى الحدود، مع كل التقدير لما قاموا به. يتحمل المجلس العسكري قدرا كبيرا من المسئولية عن تأخير تسليم السلطة للمدنيين عبر جدول زمني واضح، كما تتحمل بعض القوى جزءا من المسئولية أيضا بسبب مطالبها بتأخير الانتخابات النيابية حتى تستعد بعض الأحزاب الجديدة وهو ما وفر فرصة للمجلس العسكري للتأجيل والتباطؤ، ونتحمل جميعا المسئولية إن لم ننتقل بمصر سريعا إلى حكم مدني رشيد يملأها عدلا بعد أن ملئت ظلما، وينشر في ربوعها الأمن والأمان بعد أن عانت من الخوف والترويع والفلتان. ننتظر موعدا سريعا للانتخابات الرئاسية يبدد كل الظنون، ويخرس كل الألسنة، ويبقي بل يزيد رصيد الحب للمجلس العسكري، ويعيد عجلة الانتاج للدوران، ويعيد البلطجية واللصوص إلى جحورهم، ساعتها سنعيد الهتاف بقوة الجيش والشعب ايد واحدة.