المتجه إلي شارع الصحافة من الجيزة لابد وأن يمر بشارع بولاق أبو العلا أو 26 يوليو في منطقة بولاق أبو العلا . وهناك تقبع أعمدة ضخمة تحمل فوق رأسها جسر السيارات أحال الشارع تحته إلي ظلمة يتحملها الأهالي الطيبون، بل ويتجاوبون معها ويستغلونها أحيانا . وهناك أيضا يسكن أبو هدي الذي اختار أن يكون هذا الشارع مسرح الأفكار هو اختار تلك الأعمدة الضخمة تحديدا ساحة مفتوحة لنشر هذه الأفكار. تسكن داخله روح تحررت وقررت المشاركة بفاعلية في هموم هذا البلد الطيب . أبو هدي-لو كان حقا أبو هدي –شخص بسيط عرض أفكاره السياسية بلا ضجة،وقرر أن يراها كل الناس فوضعها علي ارتفاع شاهق من تلك الأعمدة .تحمل الصعود إلي هذا الارتفاع الشاهق- ولا أعرف كيف – وحمل أقلامه وقرر أن يعبر عن ما يختلج في نفسه ،فأبوه هدي سياسي مصري من طراز رفيع لم يطلب شيئا لنفسه ولم يلق تصريحاً لا قيمة له لكي تقوم الفضائيات والصحف بتلقفه ونشره على الملأ ساعات الإرسال الطويلة،وتنشره صفحات الأخبار العاجلة عبر مواقعها الإليكترونية . علي العكس قرر أبو هدي أن يكتب مطالبه صريحة واضحة علي الجدران، لا ينافس بها هذا ولا يزايد علي ذاك، ولسان حاله يقول أنا مصري فقط. كتب أبو هدي يقول: " يسقط الكيان الصهيوني .غزة لن تسقط ، القدس عربية" ،معبرا عن دخيلة قلب كل مصري وعربي ومسلم. ثم يضيف " مسلم+ قبطي = مصر،ومسلم ومسيحي إيد واحدة"، وهي عقيدة عند كل مصري مخلص لوطنه ومحب لدينه. ثم يقول " سبحان المعز المذل . لمن الملك اليوم لله الواحد القهار"،وهي عبرة رآها كإنسان متجسدة أمام عينيه عندما وضع الرئيس السابق وابناه وحاشيته وهامانه في أقفاص الاتهام واحدا تلو الآخر،لحظات رأي فيها الكثيرون آيات الله متجسدة أمام أعينهم.لحظات الحساب أمام البشر فما بالك بالحساب أمام مالك الملك . ويستكمل أبوهدي آماله ومطالبه ليتحدث عن الجوانب الحياتية اليومية والتي جعل علي رأسها مطلبا بمنع نزول التوكتوك إلي العاصمة.بل وصاغ مطلبه أيضا باللغة الإنجليزية.وفوق عمود آخر كتب يقول " شعب بولاق مش للبيع " وكأنه يقول لهؤلاء المتمترسين خلف ما يطلقون عليه معونتهم : شعب مصر ليس للبيع ، إياكم أن تساوموه علي شرفه وكرامته بنقود ومتاع .وعلي عمود ثالث كتب أيضا يقول : لا لبيع مستشفي المجموعة :ونقولها معك لا لبيع ذرة من ترابك يا بلادي. لكن أبو هدي قام في بعض الأحيان بصياغة عباراته علي سور إحدي المدارس التي تم طلاؤها حديثا وعلي سور متحف المركبات الملكية – الذي لا أذكر متي لم يكن تحت التجديد- ورغم ضيقي من هذا التشويه الذي قام به أبو هدي. إلا أني التمست له العذر فهو في النهاية لم يشوه سوي مبنيين أو أكثر بينما شوه الكثيرون ملايين الحوائط والجدران في هذا الوطن بظلم فادح يكابده من بداخلها وآنات فقير وتأوهات جائع. نعود إلي أبو هدي الذي لم يعلن توجهه وانتماءه،غير أننا نفهم من مطالبه أنه مصري عادي بسيط . يطلب ما يطلبه كل المصريين،لم يتلق تمويلا من هنا أوهناك,بل ربما دفع من مال عياله ثمنا لمداد الذي يكتبه . لم يحرض علي أحد ولم يخن أحداً، جمع ولم يفرق . مطالبه البسيطة تلقي القبول لدي الجميع . أدعو أبا هدي علي بساطته -وكل أبي هدي - لأخذ زمام المبادرة من كل من يعمل علي شرذمة شعبي ومواطنيي. ومن كل من يثقبون الثقوب في سفينة مصر الحبيبة . فالأخذ علي أيدي هؤلاء الآن ينجي الوطن كله وينجينا معه. بالمناسبة : . أتعجب في هذه اللحظات العصيبة اقتصاديا علي الوطن كله،من حركة إعادة طلاء واسعة للمباني الحكومية وكثير من الوزارات والمدارس والهيئات بدأت مع نهاية حكم الرئيس المخلوع . مما يدفعنا للتساؤل : من أين جاءت أموال الطلاء والسنة المالية كانت تقترب وقتها من الانتهاء؟ هل هناك أموال أعدت لأغراض أخري وخرجت من الميزانيات لتستقر في بعض الجيوب،فلما قامت الثورة كان الحل الوحيد لإخفائها هو إعادة بعضها واستخدامه في إعادة طلاء المباني؟ أم أن الطلاء كان الحل لنهب أموال أخري، بعد أن ظهر للبعض أن الفترة الانتقالية لم تكن بالحسم الذي تصوروه . ملحوظة أخيرة:إذا كان المحافظون الجدد والوزراء الجدد جدد حقا ولم يستلهموا خبرات الوزراء القدامي . ولا حيلهم . فلماذا الأداء هو نفسه لم يتغير. لماذا لم نلحظ اختلافا ولو يسيرا بينهم وبين سابقيهم . هل علموا بأن الأفضل هو بقاء الحال علي ما كان عليه . أين همتهم ورغبتهم في التغيير. هل الجسد الثقيل يعيق الرأس عن العمل مهما بلغ مبلغ الإخلاص والنشاط . وكأن هناك من يفرغ جهود المخلصين من طاقتها . من يغرق الوزير والمحافظ بتفاصيل تعوقه عن الأداء الجدي . بعضهم كان يملأ الدنيا كلاما عن الإصلاح ،فلما ولي الأمر وجدناه لا يرواح مكان سابقيه ولا يختلف عنهم قدر أنملة . لا تحدثوني عن أنها وزارة تسيير أعمال . فما نراه ركودا وليس تسييرا . كما أن التسيير لا يعني التغاضي عن التجويد. صحفية بالأهرام