مليونية يوم أمس الأول كانت تعبيرا عن القوى الوطنية الجديدة، والمتجاوزة للأطر التقليدية التي تعتبر امتدادا للخلفية السياسية لنظام مبارك. أجمل ما في شباب اليوم أنهم نبت "بلا حسابات" تنظيمية.. ونجاح مليونية 30 سبتمبر، كانت ثرية بالمعاني والدلالات الرمزية الكبيرة، ولعل أبرزها أن الثورة لم تكن فقط على نظام الرئيس السابق، وإنما على كل تجلياته حيث تعتبر كل الأطر التنظيمية الحالية، سواء كانت "مع" أو "ضد" هي في واقع الحال نتاج البيئة السياسية التي استظلت بها مصر خلال الثلاثين عاما الأخيرة. نجاح "الميدان" يوم أمس، وبدون مشاركة التيارات الأثقل والأكثر تنظيما، كانت تعني أن في مصر خريطة سياسية جديدة، تتشكل في رحم هذا الحراك الثوري الرائع، وأن التقسيمة الموروثة منذ نظام يوليو وإلى سقوط مبارك، ستمسي جزءا من الماضي.. والتركيبة السياسية المصرية التي كانت لا ترى إلا قوى وحيدة قادرة على احتكار الشارع المصري، ربما تكون "وهما" أو "خرافة" ولعلها تكون كذلك فعلا.. لأن احتجاجات يوم أمس الأول، تشير إلى وجود قوى جديدة تتميز ب"النقاء السياسي" ولا تنتمي جيناتها الوراثية إلى أحزاب الحسابات والصفقات وتراث الانقلابات الداخلية.. وإنما ولاؤها فقط للوطن وأشواقه وأحلامه الكبيرة والمشروعة. مليونية يوم 30 سبتمبر.. لم يحركها منطق "السمع والطاعة" الحديدي داخل التنظيمات العقائدية، والجماعات السياسية الستالينية، أو الالتزام الحزبي بمفهومه "المدني" أو "الديني".. وإنما حركتها العفوية.. ولعل الأهم من ذلك الرغبة في الثورة ليس فقط على ما تبقى من نظام مبارك من أفكار وطرق عمل وأساليب إدارة الأزمات وفلول مستوطنة داخل مؤسسات سياسية وإعلامية وأمنية ومالية.. وإنما أيضا على أحزاب تعتبر جزءا من ثقافة نظام مبارك .. وتراثه السياسي بكل حمولته المثقلة بالتلاعب والاعتقاد في "إلهية السلطة" القابضة على مفاتيح مجلسي الشعب والشورى! تحية إجلال وإكبار لشباب من الحركات الإسلامية.. باتوا جزءا من هذا التيار الجديد الذي ثار على "سلطة مبارك" و"سلطة التنظيم".. وتعلق بأستار الوطن وتحلق في أفاقه الأوسع والأرحب والأقرب إلى التعبد إلى الله تعالى. شباب إسلامي رسم يوم أمس الأول اللوحة الأزكى والأطهر والأقرب رحما للجماعة الوطنية في حلتها المبهجة والراقية والمتسامحة.. حيث تماست الأكتاف وتراحمت القلوب وتوضأ الجميع بماء واحد.. واعرضوا عن حسابات التنظيمات والأحزاب والجماعات.. ويمموا وجوههم شطر وطن يعتقدون بأنه أكبر بكثير مما يحاول البعض اختزاله وتقزيمه والتعاطي معه باعتباره محض "صندوق انتخابي" وحسب. [email protected]