كيف نفرق بين ثائر وبلطجى ، وبين مناضل ، ومأجور خائن ؟ وكيف نفرق بين ممانع حقيقى .. وممانع ( كده وكده ) ؟ هذا السؤال جرجرنى الى مقارنة لذيذة بين ممانعة بشار الأسد ومانعة شاعرنا الرصين أمل دنقل . انه الفارق بين العزة والشموخ والإباء ، وبين الذلة والهوان والانبطاح . فماذا يرفض الأسد ( المقاوم والممانع ) كما يصفه صديقه ( المقاوم والممانع ) حسن نصر الله ؟؟ يمانع بشار العرض الأسبانى للخروج من الأزمة وتجنيب سوريا الفوضى وإراقة الدماء ، والذى كشفت عنه صحيفة ( بايبس ) ليواصل تقديم عرضه الدموى البشع المقزز الذى لا يزال يثير سخط واستهجان العالم . الأسد يناور ويماطل ويعد الوفد التركى بالخروج من حماة ، ويخرج لتعيد قواته تمركزها وانتشارها وتواصل عملياتها الدموية فى مدن وقرى أخرى بطول الوطن وعرضه ، وبعد جولة دموية مطولة ، يعود مرة أخرى بقواته ودباباته الى حماة ، ليوغل فى القتل والتدمير . الأسد يمانع عروض أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربى مرة بعد مرة ، ويتعالى على مبادرات القادة العرب ، رغم أنها تبقيه رئيسا لسوريا الى عام 2014م ، برغم كل ما ارتكبه من جرائم وانتهاكات فى حق شعبه . الأسد يقاوم تذكر مشهد صدام حسين وهو خارج من حفرته الشهيرة ! ويقاوم النظر بعين العبرة والاتعاظ الى مبارك ذليلا فى قفصه ! ويقاوم الجلوس مع نفسه جلسة تأمل واستشراف لسيرته ومصيره فى المستقبل حيث ستصب عليه كتب التاريخ والشعوب الحرة والضحايا والثكالى والأرامل واليتامى اللعنات . ويقاوم انسياقه وراء التأثر بمصير ملهمه وقدوته ومثله الأعلى فى الاجرام وسفك الدماء معمر القذافى . ويقاوم ذكرى مصير أخيه باسل وأبيه حافظ ، وكأنى به لو كان يعقل ويستمع الى الحكماء يسمع من أبيه ما قاله المعرى المدفون هناك بمقربة من دمشق بمعرة النعمان : أترغب فى الصيت بين الأنام وكم حمل النابه الصيت وحسب الفتى أنه مائت وهل يعرف الشرف الميت ورغم كل النداءات والتوسلات ، لا يزال هو ممسكا بسلاحه ، ، ممتطيا دبابته ( المقاومة ) ومجنزرته ( الرافضة ) ومدرعته ( الممانعة ) ، يقتل ويدمر ويبيد شعبه ، ويدك المبانى التى يشتبه أن فيها معارضين ، ويعتقل الآلاف فى المدارس والمستشفيات والشوارع والميادين فى مدن وريف سوريا الأبية . تلك كانت مقاومة الأسد وممانعته التى تشبه تماما مقاومة وممانعة مبارك ( الذى كان جسورا متجبرا أمام شعبه ، ومنبطحا أمام اسرائيل ) . فماذا عن مقاومة أمل دنقل وممانعته ؟ اطلعت قبل يومين على هذا الحوار الموحى بين الشاعر المصرى المعروف أمل دنقل وبين طبيبه الدكتور محمود الشريف بعد إجراء الجراحة له فى المستشفى ، وكان أمل رحمه الله يصارع السرطان . تعالوا نتابع المشهد ونستمع الى الحوار : يطلب دنقل من الطبيب الاطمئنان على الجراحة ويسأله عن مشكلة التليف ويطلب منه حلا لها . ثم يسأله عن سرطان الدم ، وهل هو مصاب باللوكيميا ؟ فيطمئنه الدكتور الشريف مبتسما ، ويخبره بأن سرطان الدم مختلف تماما . ويشرح له بأن السرطان نسميه حسب خلية المنشأ ، وسرطان الدم ينشأ من نخاع العظم . أما السرطان الذى أصيب به شاعرنا الراحل فمنشأه فى الخصية ! ينظر دنقل الى الطبيب وعيناه تلمعان بالتألق رغم أنه على سرير المرض ويقول : ( يعنى لو كانت الخصية استئصلت من الأول ما كانش نشأت المشكلة دى كلها ) !! فيضحك الدكتور الشريف . فيقول دنقل بجدية دون أن تفارقه الابتسامة : صحيح .. لأنها كانت معلقة أصلا . فيجيب الطبيب مقرا بوجهة نظر مريضه : على كل حال فهذه نظرية هناك من يعترف بها ، وفى هذه الحالة ننصح باستئصالها . ولا تعليق عندى الا بأن أقر أمل دنقل وأوافقه على ما ذهب اليه ، وأقره عليه طبيبه . فلو استؤصل سبب المشكلة من البداية ما استفحل شرها . ولو استؤصل هؤلاء الحكام العرب منذ البداية يا أمل ، ما استفحل شرهم ؛ حتى وجهوا اليوم الى شعوبهم أسلحتهم ، فى حين يحمون أمن وحدود اسرائيل . كيف نفرق اذاً بين ثائر وبلطجى ، وبين مناضل ، ومأجور خائن ؟ وبماذا نصف بشار الأسد وبماذا نصف أمل دنقل ؟ الى العرب الأباة أهدى اليوم ممانعا ورافضا عربيا حقيقيا وليس ( كده وكده ) ، كان على استعداد أن يضحى بجزء حيوى من جسده ، ليبقى على قيد الحياة ، ليتأكدوا أن هؤلاء الحكام العرب لم يكونوا أعضاءا حيوية فى أجسادنا ، انما فقط مجرد زوائد دودية ، لم نتضرر ولم تضرر أوطاننا عندما أزلناهم ، بل صحت أجسادنا وشفيت من أمراضها وأورامها وزوائدها الدودية وصارت أقوى من ذى قبل . الى العرب المقاومين أهدى شاعر الرفض الشهير ( أمل دنقل ) ، وقد أبدع يراعه نشيد المناضلين والمقاومين والممانعين الحقيقيين : ( لا تصالح ) فى وجه المطبعين الخائنين المنبطحين ، الخادمين للعدو الصهيونى ، الحارسين لأمنه وحدوده . فيا طبيب العيون السورى ! يقول لك الممانع والمقاوم الحقيقى أمل دنقل رحمه الله : أترى حين أفقأ عينيك هل ترى ؟ هى أشياء لا تشترى . ويا أيها الشعب العربى المقاوم الرافض : يقول لك المقاوم والممانع الحقيقى أمل دنقل : لا تصالح فليس سوى أن تريد أنت فارس هذا الزمان الوحيد وسواك المسوخ نعم والله صدقت يا أمل ؛ فليس اليوم سوى أن يريد الشعب ، انها نبوءة أمل دنقل : ( الشعب يريد ) . صدقت والله يا أمل ؛ فالشعب هو فارس هذا الزمان الوحيد ، وما سواه ( مسوخ ) .