تترقب بورصة مصر طروحات أولية لنحو 4 شركات عملاقة، بقيمة تزيد عن مليار دولار خلال عام 2015، في خطوة يراها المحللون والمسئولون في سوق المال أنها ستساهم في زيادة عمق السوق وجذب شرائح جديدة من المستثمرين، بما يضمن تدفق مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية. وقال شريف سامي، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر (حكومية)، إن الطروحات العديدة التي ستشهدها البورصة في الفترة القادمة ستزيد من جاذبيتها أمام المستثمرين الأجانب والعرب، بما يساعد على تدفق مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية خاصة مع استقرار الأوضاع في البلاد، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية. وتتوزع الطروحات الجديدة بواقع ملياري جنيه (265 مليون دولار) لشركة "إعمار مصر"، التابعة لإعمار العقارية الإماراتية، ونحو241 مليون دولار تقريبا لطرح شركة أوراسكوم للإنشاء بالأضافة إلي طرح شركة "إيديتا للصناعات الغذائية" والذى سيصل إلى حوالى 2 مليار جنيه (265 مليون دولار)، وطرح الشركة القابضة للصناعات الغذائية (حكومية)والذى سيتراوح بين 3 إلى 4 مليارات جنيه (531 مليون دولار)، وفقا لتوقعات مسؤولين في سوق المال المصرية. فضلا عن هذا أعلنت عدة شركات خاصة عاملة في مصر خلال الفترة الماضية أنها تنوى طرح أسهمها في البورصة لكنها لم تعلن توقيتا محددا لذلك ومن بينها شركة "النيل للسكر" و"اتصالات مصر" و"أرابتك" الإماراتية، فيما تدرس شركات مثل "كربون القابضة" و"دار المعمار" و"فوري" و"ترافكو" و"عربية للتطوير العقاري" إمكانية الطرح وكيفية قيد أسهمها. وأضاف سامي، في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول :"التوقعات ترجح إقبالا قويا على الأسهم الجديدة بعد أن عانت البورصة علي مدي فترات طويلة من شح في الطروحات". وكان آخر طرح عام أولي ضخم تشهده البورصة المصرية هو طرح أسهم شركة "العربية للإسمنت" بقيمة 700 مليون جنيه في مايو الماضي، وهو الأول منذ الاطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في مطلع عام 2011. ويتوقع وسطاء في سوق المال المصري أن يكون طرح أسهم "القابضة الغذائية"، و"إعمار" الأكبر في البورصة المصرية منذ عام 2007، عندما تم طرح أسهم "طلعت مصطفى القابضة" بأكثر من 3.5 مليار جنيه . وقال سامي: "المستثمرون في مصر باتوا في حاجة مستمرة إلى تنوع الخيارات المتاحة أمامهم، بدلا من التركيز على أسهم محددة خاصة بعد خروج عدة شركات كبيرة من السوق في وقت سابق". وخلال السنوات الماضية شهدت البورصة خروج شركات كبري كانت تجذب انتباه المستثمرين العرب والأجانب إثر عمليات استحواذ، وكان من بينها استحواذ الكترولوكس السويدية على "أوليمبيك جروب"، وفرانس تيليكوم على "موبينيل" وبنك قطر الوطني على "الأهلي سوستيه جنرال" و "او سى آي ان في" الهولندية على "أوراسكوم للإنشاء والصناعة". وسعيا من أجل تذليل العقبات أمام الشركات وتنشيط السوق في الوقت ذاته، قامت الهيئة العامة للرقابة المالية وبورصة مصر (حكوميتان) في فبراير 2014 بتعديل قواعد القيد في السوق لجذب شركات جديدة للقيد والتداول، وكذلك فتح الباب أمام المشروعات القومية الكبرى لطرح أسهمها في السوق. وتوقع سامي توافر السيولة لدي المستثمرين الأفراد في البورصة للدخول في هذه الطروحات الجديدة، خاصة أن العديد من المستثمرين الحاليين قاموا ببيع أسهمهم في عدد من الشركات التي تلقت عروض لشراء أسهمها في الفترة الماضية مثل "بسكو مصر" و"القاهرة للاستثمار" وغيرها، لافتا إلى أن موسم توزيعات الأرباح والذي عادة ما يكون في شهر أبريل من كل عام سيساهم في توفير سيولة إضافية لدي المستثمرين. وفي منتصف يناير الماضي، أتمت شركة "كيلوج الأمريكية" الاستحواذ علي 86% من أسهم شركة "بسكو مصر" مقابل 888 مليون جنيه بعد أن خاضت منافسة شرسة مع شركة "أبراج كابيتال" الإماراتية للفوز بالشركة المصرية. واستبعد رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية في مصر ضعف السيولة المتاحة لدي المستثمرين للدخول في الطروحات الجديدة، بسبب عمليات الشراء الضخمة التي شهدتها شهادات استثمار "قناة السويس الجديدة" التي طرحتها الحكومة في وقت سابق من العام الماضي، قائلا :"مستثمرو البنوك يختلفون اختلافا كليا عن مستثمري البورصة". وأضاف سامي :"مع انخفاض معدلات العائد على أذون الخزانة والسندات الحكومية، وأيضا شهادات الاستثمار وعوائد صناديق الاستثمار النقدية، ستكون الأسهم خاصة الجديدة ، أكثر جاذبية وبعوائد أكبر". وخفض البنك المركزي في منتصف يناير الماضي الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 50 نقطة أساس إلى 8.75 بالمئة و9.75 بالمئة على التوالي، وعادة ما تتبع البنوك المحلية المركزي في خفض الفائدة خاصة على عدد من شهادات الاستثمار والأوعية الادخارية ذات الأجل المتوسط. وقال إيهاب رشاد، الرئيس التنفيذي لشركة مباشر للوساطة في الأوراق المالية :"الطروحات في أي سوق بشكل عام، تزيد من عمقه بإضافة قطاعات جديدة، خاصة وأن بورصة مصر مازالت تحتاج إلى المزيد من التنوع، كما أنها ليست مؤشرا حقيقيا يعبر عن الاقتصاد المصري، هذا فضلا عن أن الطروحات تجعل السيولة لا تتركز في أسهم بعينها مما يقلل من احتمال تضخم الأسعار". وأضاف رشاد، في اتصال هاتفي مع مراسل الأناضول :" هناك بعض المخاوف من تأثيرات الاكتتابات الجديدة على السيولة في سوق الأسهم، ففي العادة يبيع المكتتب الفرد السهم بعد طرحه مباشرة للتداول، وهو ما يعنى خروج السيولة بشكل سريع، فيما تقوم صناديق الاستثمار والمحافظ الكبيرة بتخصيص نسبة من سيولتها استعداداً للطروحات الجديدة". وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة مباشر للوساطة في الأوراق المالية، أن المخاوف من تأثيرات سحب السيولة ضئيل، لسببين الأول هو أن الاكتتابات ستكون متنوعة لشركات تعمل في قطاعات مختلفة، وبالتالي فمن الممكن أن يقوم المستثمر بالخروج من اكتتاب ليدخل في آخر مما سيسمح بتوظيف السيولة، أما السبب الثاني فهو أن بعض تلك الاكتتابات ستتأتى خلال الربع الثاني من العام الحالي، وهو توقيت مناسب جدا وسيسمح بضخ السيولة الناتجة عن توزيعات الأرباح السنوية والتي تتجاوز سنوياً نحو 12 مليار جنيه. وتظهر حسابات أجراها مراسل الأناضول، أن إجمالي توزيعات الشركات المقيدة في بورصة مصر التي تم الإعلان عنها خلال ال 10 أشهر الأولي من العام الماضي، بلغت نحو 9 مليارات جنيه، فيما لايزال عدد من الشركات لم تعلن عن نتائجها المالية وتوزيعاتها لعام 2014. وأضاف رشاد :"لدينا سيولة متزايدة في السوق، وقدرة استيعابية لاستقبال اكتتابات جديدة لشركات حكومية أو حتي عائلية، فعلى سبيل المثال هناك 64 مليار ظهرت في 8 أيام فقط في شراء شهادات استثمار قناة السويس، مع الفارق بالطبع في الحالتين". ودفع المصريون 64 مليار جنيه (8.5 مليار دولار) في 8 أيام لشراء شهادات استثمار مخصصة لتمويل مشروع "قناة السويس الجديدة”, وهو ما عده خبراء أكبر تمويل شعبي في تاريخ مصر، خصوصا أنه فاق ال 60 مليار جنيه (7.96 مليار دولار) التي تحتاجها الحكومة لتمويل المشروع. وقالت وزارة التموين المصرية في الشهر الماضي إنها تعتزم طرح حصة من أسهم الشركة القابضة للصناعات الغذائية الذى سيكون الطرح الأول لشركات حكومية، منذ طرح شركات "المصرية للاتصالات" و"أموك" و"سيدي كرير للبتروكيماويات" خلال عام 2005. كما قالت وزارة البترول المصرية إنها تدرس أيضا طرح حصص في بعض شركاتها التابعة في سوق المال للاستفادة من التمويل، ولكنها لم تأخذ خطوات فعلية بعد في عملية الطرح. وقال مصطفي نمرة، رئيس شركة نمرة للتدريب والاستشارات المالية، إن الطروحات التي ستنفذ خلال الشهور القادمة ستؤثر إيجابا على أداء السوق بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، إذ أن إدراج شركة جديدة يعني تمويل وتوسع لأنشطة الشركة وبالتالي مزيد من التوظيف والضرائب للدولة. وأضاف نمرة، في اتصال هاتفي مع مراسل الأناضول :"أتوقع أن تجتذب الطروحات الجديدة عملاء جدد وسيولة من داخل البنوك وخارجها، فضلا عن جذب شريحة لا بأس بها من المستثمرين الأجانب، وهو ما سيؤدي بالضرورة لزيادة الاستثمارات الأجنبية وتوفير العملة الصعبة التي نعاني من شحها الآن". وأوضح الخبير المالي المصري، أن إدراج شركات جديدة ومتنوعه، سيسهل عملية دخول استثمارات محلية وأجنبية وخروجها من السوق عبر آليات حديثة وسريعة، لافتا إلى أن المشكلة فقط تكمن في توقيت هذه الطروحات، التي سيتركز أغلبها خلال الربع الثاني من العام الجاري، وهو ما قد يخلق أزمة سيولة مهما كان حجم السيولة المتوفرة لدي المستثمرين. وأضاف: "ليس من الطبيعي أن ننتظر عدة سنوات بلا طروحات، ثم تنفذ 4 طروحات ضخمة في نفس التوقيت، أعتقد أننا في حاجة إلى تنفيذ هذه الطروحات على فترات متباعدة، ومن هنا سيكون دور إدارة البورصة في التنسيق والتنظيم". وحول مدي توفر سيولة لدي المستثمرين لتغطية هذه الطروحات الجديدة، قال نمرة :"المستثمرين في مصر لديهم سيولة مرتفعة أكبر مما نتصور، حجم ودائع المصريين في البنوك يبلغ 1.4 تريليون جنيه تقريبا رغم أن حجم المصريين المودعين في البنوك لا يتجاوز 10% من عدد السكان فقط مقارنة بدول أخري تزيد نسبتها عن 60% مثل استراليا والسويد". ولدى البنوك المصرية ودائع تقدر بنحو 1.456 تريليون جنيه (193 مليار دولار) بنهاية يوليو / تموز الماضي, وفق بيانات البنك المركزي.