في مثل هذا اليوم ومنذ أربعة أعوام تحديدًا، تلقى المصريون خبر وفاة الفريق سعد الدين الشاذلي، مهندس حرب أكتوبر، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الذي توفى يوم 10 فبراير 2011، عن عُمر يناهز ال 88 عامًا قضاها في خدمة الوطن، بعد صراع طويل مع المرض وجاءت وفاته مواكبة للتقلبات السياسية التي شهدتها مصر، في أيام ثورة 2011، وشيّع في جنازة عسكرية كبيرة، في الوقت الذي أعلن اللواء عمر سليمان تنحى الرئيس الأسبق «مبارك» عن منصبه كرئيس للجمهورية. صاحب خطة «المآذن العالية» في حرب أكتوبر 1973 التي يظل كل من شارك فيها بطلاً خالدًا وراسخًا في كُتب التاريخ، خصوصًا دور الجنود وقيادات الجيش من بين الكثيرين الذين أسهموا في انتصار كان يبحث عنه المصريون منذ سنوات في ذلك الوقت. ولد «الشاذلي» في الأول من إبريل عام 1922، وشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 و 13 ديسمبر 1973، ويعتبر مؤسس وقائد أول فرقة قوات مظلات وأمين عام مساعد جامعة الدول العربية للشئون العسكرية وسفير سابق لدى إنجلتراوالبرتغال، وهو الرأس المدبر للهجوم المصري الناجح على خط الدفاع الإسرائيلي بارليف في حرب أكتوبر عام 1973. رغم بطولته «الشاذلي» الحي الميت في عهدى السادات ومبارك وعلى الرغم من ذلك فثمة تجاهل حدث ل«الشاذلي» بعد حرب أكتوبر وحتى في عهد الرئيس الأسبق «مبارك» كان هذا التجاهل لعدة أمور زعم أنها الأسباب التي أدت لنفيه وتجاهله. حيث قامت القيادة العسكرية السورية بإرسال مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل لزيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس، وتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس أنور السادات من أحمد إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا. عارض الشاذلي، الفكرة بشدة بسبب أن أي تطوير خارج نطاق ال 12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وأي تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي، كانت القوات الجوية الإسرائيلية قوية وتشكل تهديداً خطيراً لأية قوات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي, وقامت على إثرها الثغرة والتي سميت –آنذاك- ثغرة الدرافسوار، التي اكتشفتها طائرات الاستطلاع الأمريكية وأبلغت بها القوات الإسرئيلية. ومن هنا أمر الرئيس أنور السادات بالتخلص من جميع الصور التى يظهر فيها الفريق الشاذلي إلى جواره داخل غرفة العمليات، واستبدالها بصور يظهر فيها اللواء محمد عبدالغني الجمسى رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في ذلك الوقت، في محاولة منه بمحو أى دليل يشير إلى دور الفريق الشاذلي في معركة العبور. وفي عام 1978 أصدر الرئيس أنور السادات، مذكراته "البحث عن الذات"، واتهم فيها الفريق الشاذلي بالتخاذل وحمله مسئولية التسبب بالثغرة ووصفه بأنه عاد منهاراً من الجبهة يوم 19 أكتوبر وأوصى بسحب جميع القوات في الشرق، مما دفع الفريق الشاذلي لنشر مذكراته ردًا على السادات، واعتبر كتاب مذكراته عن الحرب من الكتب التي ورد فيها أدق التفاصيل عن حرب أكتوبر. حيث اتهم الشاذلي في كتابه، الرئيس أنور السادات، باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين به من العسكريين وتدخله المستمر للخطط العسكرية أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى التسبب في الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي. وانتقد الفريق «الشاذلي» بشدة معاهدة كامب ديفيد في عام 1978 وعارضها علانية وهاجم «السادات» واتهمه بالديكتاتورية، واتخذ القرار بترك منصبه سفيراً لدى البرتغال والذهاب إلى الجزائر كلاجئ سياسي. كما اتهم في تلك المذكرات الرئيس أنور السادات، بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك الأولى وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس أنور السادات بإساءة استعمال سلطاته. وعلى خلفية ما ورد في الكتاب، تمت محاكمته غيابيًا في عهد «مبارك» عام 1983 بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة ووضع أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية. وعاد «الشاذلي» لمصر سنة 1992 بعد 14 عاماً قضاها في الجزائر منفيًا وقبض عليه عندما وصول مطار القاهرة، وصادرت السلطات منه جميع الأوسمة والنياشين وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن لأن الأحكام العسكرية لا تستأنف ولا نقض ولا تسقط بالتقادم، ووجهت السلطات تهمتي نشر كتاب دون موافقة مسبقة عليه، واعترف بارتكابها، وإفشاء أسرار عسكرية في كتابه، وأنكر صحة هذه التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارًا حكومية وليست أسرارًا عسكرية. واستطاع المحامون المدافعون عنه إسقاط الحكم من أعلى محكمة مدنية ونص على أن المحاكمة العسكرية السابقة غير قانونية، وأنه حُكم يعتبر مخالفاً للدستور، وأمرت المحكمة بالإفراج الفوري عنه، ولكنه قضى ثلاث سنوات في السجن، ورفض تقديم أي التماس للعفو عنه، وبعد خروجه من السجن عاش منعزلاً بعيدًا عن العالم حتى توفي.