توقفت طويلاً أمام الاحتفالية التى أعدتها الدولة للفلاح المصرى أمس الجمعة فى استاد القاهرة لم أستطع حتى الآن استساغة الحب المفاجىء للفلاح المصرى وإن كان فى جملته طبيعياً اعترافاً بدوره وتعويضاً له عن عقود الإهمال المباركية التى قلصت دوره فى الحياة الإنتاجية بصفة عامة وخربت حياته مع سبق الإصرار والترصد ، لهذا كان تكريمه ورد الاعتبار إليه طلباً ملحاً إضافة إلى تحسين أحواله والاهتمام بتجويد انتاجه ... كل هذا لا يختلف عليه اثنان ولكننى مع ذلك لم أستطع أن أستسيغ تنظيم احتفالية كبرى فى استاد القاهرة لجموع الفلاحين فى وقت تعانى فيه الدولة من انفلات أمنى غير خاف على أحد وصل إلى معدلات مخيفة من حيث الكم والكيف ، إضافة إلى غلاء فى الأسعار لم يكد بيت فى مصر ينجو منه ومن تداعياته السيئة ... هذه الظروف الصعبة تفرض تحديات على الحكومة والمجلس العسكرى يتجاوز فكرة الاحتفالية بالفلاح المصرى .. هذه الظنون لم تساورنى من فراغ ولكن الخبرة التاريخية المصرية أمدتنا بنموذج مشابه للاهتمام بالفلاح المصرى كان بداية لحكم سلطوى شمولى أغلق ملف الديمقراطية بالضبة والمفتاح والذى ضع بدوره ولم نعثر عليه إلا فى ثورة 25 يناير . فعقب قيام ثورة 23 يوليو كان حلم المصريين حينها كحلمنا نحن الآن سواء بسواء وهو إقامة حياة نيابية على أسس ديمقراطية سليمة تتخلص من مساوىء تجربة ما قبل 52 وتبنى على إيجابياتها ووضعت الثورة فى مبادئها الستة إقامة حياة نيابية سليمة ، واستعدت الجماهير لهذا العرس الديمقراطى الذى كان سيعقب وضع الدستور عبر لجنة المائة . ولكن العسكر حينها كانت لهم خطة أخرى كانت تستلزم بناء عمق شعبى لهم عبر الشريحة الأكبر من عمال وفلاحى مصر لذا سارع مجلس قيادة الثورة إلى إصدار قانون الإصلاح الزراعى والذى كان له دوى هائل فى المجتمع المصرى إذ تحول الفلاح من مجرد أجير لا يشعر بذاته ولا كيانه إلى مالك لأرضه متحكم فيها لا سطة عليه للباشا ولا للبيه . ومن هنا بدأت ثورة 52 فى بناء عمق شعبى لها من ذلك الفلاح المعدم الذى أصبح مالكاً متحكماً بفضل الثورة ورجالها فلا عجب أن يتحول شعوره وانتماءه لهذه الثورة ولرجالها وأن يقف مؤيداً لها حتى وهى تغتال حلم الديمقراطية .. بل وحقه فى الاختيار والمحاسبة ... هذه الخبرة التاريخية السيئة استولت على تفكيرى وأنا أتابع الاحتفالية بعيد الفلاح وتسليم عقود تمليك لمائة وخمسين منهم فى استنساخ لمشهد 52 فى الوقت الذى تسربت فيه معلومات عن نية المجلس العسكرى فى تأجيل الانتخابات وإن كانت كل التصريحات الصادرة حتى الآن من أعضاء المجلس ورئاسته تؤكد على إجراء الانتخابات فى موعدها ولكن دون تحديد موعد حتى كتابة هذه السطور لم أقصد أبداً إفساد فرحة أهلينا وذوينا من فلاحى مصر بيومهم الذى لم يسعدوا به منذ عقود طويلة ولكنه الخوف الطبيعى والقلق المشروع الذى ينبغى أن يتمكنا منا حتى نرى السلطة فعلياً فى يد حكومة منتخبة من الشعب المصرى فهذا هو التحدى الأعظم الذى أرى قوى كثيرة خارجية تتقاطر الآن على مصر من أجل الحيلولة دونه أو على الأقل إعادة ترتيبه بما يتماشى مع مصالح قوى سياسية معينة ... فانتبهوا أيها السادة .... قبل أن يتسع الخرق على الراقع