تحدثنا فى الحلقات السابقة عن نماذج من شهداء عصر الطغيان قتلوا على يد وزراء الداخلية المتعاقبين وتحت إشراف الرئيس السابق حسنى مبارك والآن نسوق قصه ما زال أطرافها أحياء بفضل الله ففى تاريخ 16/12/1998 تم إعتقال محمد مصطفى محمود وتم تعذيبه بالضرب والتعليق حتى فقد القدرة على الحركة .. ولم يتم توقيع الكشف الطبى عليه إلا فى 18/3/2003 بعدما أصبح عاجزاً تماماً عن الوقوف على قدميه .. أى بعد خمس سنوات تقريباً . وطبعاً وكالعادة أيها الساده لم يتم توجيه أى إتهام للمواطن المذكور وإنما ظل معتقلاً حتى تاريخ مايو 2007 .. ومن يملك قدرة على حساب السنوات فليحسبها حيث بلغت السنوات ما يقرب من عشر سنوات دون إتهام ودون تنفيذ قرارات وأحكام القضاء بالإفراج عنه .. وبالرجوع إلى وثائق هذه الحالة .. قد تتعجب أيها القارىء أن قطاع مصلحة السجون قد قام بتوقيع الكشف الطبى على الضحية فى 18/3/2003 فأكد فى تقرير رسمى إلى كافة الجهات المختصة أن المعتقل محمد مصطفى محمود يعانى من آلام بأسفل الظهر وتنحل بالساقين وعدم القدرة على الوقوف مطلقاً بالإضافة إلى إنزلاق غضروفى مع ضيق بالقناة النخاعية والتهابات بالعروق وأوصى التقرير بضرورة إجراء عمليات جراحية للمعتقل فوراً وإلا فإن حالته سوف تسوء ويصل إلى عجز كامل عن الحركة .. وطبعاً لم يمتثل أحد لتوصية طبيب السجن التابع لوزير الداخلية والذى أنهى مهمته بتلك التوصية .. بل على العكس فقد قررت إدارة السجون برئاسة من يذرف البعض عليهم الدموع أن ترسل الضحية إلى سجن الفيوم . وفى سجن الفيوم تم توقيع الكشف الطبى على المعتقل فى 18/10/2006 ليقرر أن المعتقل غير قادر على الحركة .. وأن الأمر يستلزم جراحة عاجلة لإنقاذ ما بقى من قدرته على الحركة حتى لا يصاب المعتقل بالشلل الكامل بل لقد إزداد الأمر خطورة حين أرسلت الإدارة الطبية بمصلحة السجون فى 17/يناير/2006 " فاكس " يفيد أن حالة المعتقل قد إزدادت سوءً وأنه يعانى من حصوات بالكليتين بالإضافة إلى إرتجاع بالمرىء وتقرحات بجدار المعدة وتقرحات بالإثنى عشر فضلاً عن تضخم بالكبد والطحال . ومن عجب أيها السادة أن كل هذه التقارير مرفقة بأوراق المعتقل بوزارة الداخلية كما أن المكاتبات الرسمية للأطباء التابعين لمصلحة السجون موثقة فى الملفات وطبعاً قد تم الإبلاغ إلى كافة الجهات بما فى ذلك النائب العام .. ولكن أحداً لم يتحرك رغم كل هذه البلاغات والاستغاثات وأخيراً فقد أدى إهمال الداخلية للمعتقل المذكور إلى إصابته بعجز كامل عن الحركة فى الجزء السفلى وشلل تام .. وظل على حالته هذه دون أن يعرف أحد سبباً لعدم تحرك النائب العام لإنقاذه أو سبباً لإصرار وزارة الداخلية بأن تحتفظ فى سجونها بالمواطن المصرى محمد مصطفى محمود .. العاجز عن الحركة . ولأن هذا البطل لم يذرف الدموع ولم يتأوه فقد أراد أن يسجل ما حدث له للتاريخ بشهادة من الطب الشرعى .. فلعله كان يعلم أنه سيأتى يوم على مصر تنجح فيها ثورتها وتخلع الطاغية . والآن فقد أثبت الطب الشرعى فى 31/3/2011 بعد توقيع الكشف الطبى على الضحية " أن المواطن المذكور به ضمور بعضلات الفخذ الأيسر وضمور شديد بعضلات الساق اليسرى والقدم وإعاقة فى منتصف ثنى الجذع وإعاقة فى بداية رفع الفخذ الأيسر ومنتصف رفع الفخذ الأيمن وإعاقة فى منتصف ثنى الركبتين وضيق فى المسافة بين الفقرات القطنية أرقام 3 ، 4 ، 5 ويعانى من انزلاق غضروفى شديد بالفقرات العجزية أدت إلى إعاقة وإصابة بعاهة مستديمة ولا يوجد ما يمنع وحدوث هذا الانزلاق من مثل التعرض للضرب بالعصى والتعليق حسبما ورد بالأوراق وأن هذه الحالة المرضية التى زاد العجز فيها عن نسبة 50% كانت تتطلب إفراجاً صحياً لإحتياج المريض إلى رعاية خاصة طبية وإنسانية وإحتياجه للعلاج والجراحة وأنه معرض لفشل تام فى الكبد وحينئذ تصبح نسبة العجز والإعاقة مائة فى المائة وأن المواطن المذكور يعانى من تضخم بالكبد والطحال وخلل بوظائف الكبد مع إصابته بفيروس " سى " ولم يعالج منه " . وهنا إنتهى أيها السادة تقرير الطب الشرعى رقم 243 لسنة 2011 ومن أراد أن يذرف الدموع على القتلة فليتفضل فإن الضحايا لم يحصلوا على حقهم بعد ولن يسمعهم أحد وهم يتأوهون ولن نراهم إلا وهم فى حلة الصبر والثقة فى عدل الله . والعجيب أن محمد مصطفى محمود يعيش الآن سعيداً حتى وهو قعيد الكرسى الطبى .. بينما يموت جلادوه فى اليوم مائة مرة . مختار نوح www.mokhtarnouh.com