رحلة السيسي إلى دافوس لم تكن مقررة سلفا ، وتم الإعلان عنها بشكل مفاجئ عقب عودته من الإمارات ، أو في طريق عودته ، ومؤتمر "دافوس" السنوي هو مؤتمر اقتصادي بالأساس ، يعني دوائر الاستثمار ورجال الأعمال وما يدور في هذا الإطار ويتعلق به من مشكلات تشريعية أو أمنية أو سياسية ، وقد تكلم السيسي في رؤية اقتصادية فنية جيدة ومتكاملة ، هذا صحيح ، ولكنها تبقى رؤى نظرية يستطيع أي نظام سياسي أن يقدمها ، ولكن الجهات الدولية عادة تنظر إلى ما يتم تحقيقه وتأسيسه على الأرض وليس إلى الكلمات الطيبة أو المطمئنة من هذه الحكومة أو تلك ، كما أن المشكلة في ما قدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر "دافوس" أنه فصل الاقتصاد تماما عن السياسة ، رغم أن القلق الغربي كله تجاه أحوال مصر هو في المجال السياسي بعد ما جرى في 30 يونيو 2013 ، فالاستثمارات لا يمكن أن تكون فاعلة ومأمونة وناجعة في بيئة سياسية غير مستقرة أو راسخة وما يصحبها من أجواء أمنية هادئة ومطمئنة ، السيسي لم يقدم هنا ما يكفي أو يلائم ، هو أشار إشارة عابرة عن اقتراب تحقيق الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق وهو انتخابات البرلمان ، وقال أنها ستنجز في مارس ، وأن مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي منتظر في مارس أيضا ، ولذلك خاطب الحضور بقوله أنهم عندما يأتون إلى مصر سيجدون دولة مكتملة المؤسسات ، وهذا يعني أن إنجاز الانتخابات البرلمانية التي طال تسويفها وتأجيلها والتلاعب بموعدها ، لم يكن احتراما للدستور بقدر ما هو استجابة لشرط جوهري لاقناع العالم بأن مصر أصبحت دولة بكامل مؤسساتها قبل مؤتمر شرم الشيخ التاريخي والمفصلي ، كما أن الإشارة تعني أن السيسي مدرك ارتباط الاقتصاد بالسياسة ، ولكنه حاول القفز على هذا الارتباط في كلمته ، واستغرق في رؤيته "الفنية" من تطوير البنية الأساسية والخفض التدريجي للدعم على الطاقة وإصلاح المنظومة التشريعية المتعلقة بالاستثمار ونحو ذلك ، وبقي العالم أمام "فراغ" في الرؤية لم يوضحه الرئيس المصري ، فيما يتعلق بالانقسام السياسي والاضطرابات المستمرة منذ عام ونصف ومفتوحة على المجهول . سفر السيسي إلى دافوس بعد عودته من أبو ظبي يعطي الانطباع بأمرين ، الأول هو أن الزيارة للإمارات لم تكن مطمئنة أو مرضية فيما يتعلق بمستقبل الاستثمار الخليجي في مصر أو الدعم الإماراتي وهو الأهم في الخليج حاليا بالنسبة لمصر ، وبالتالي ذهب إلى دافوس من أجل إقناع "الآخرين" بضرورة الاستثمار في مصر وعدم ترك اقتصادها في هذا الحال ، مذكرا الجميع بأنهم يواجهون إرهابا خطيرا تواجهه مصر أيضا ، فهناك شراكة أمنية تقتضي شراكة اقتصادية . الأمر الثاني الذي تشير إليه زيارة السيسي لدافوس عقب عودته من أبو ظبي ثم الرياض ، إدراك السيسي الخطورة الكبيرة التي يمكن أن تترتب على فشل مؤتمر شرم الشيخ ، في مارس المقبل ، وأنه يفعل كل ما يمكنه فعله حاليا من أجل ضمان نجاح هذا المؤتمر ، لأن فشله لا يعني أن الاقتصاد المصري سيعاني أكثر ، بل يعني بوضوح أن مستقبل السيسي السياسي نفسه يكون في مهب الريح ، وقد أشار "العجوز" محمد حسنين هيكل لهذا المعنى من غير توضيح عندما قال له أن امتحانك الكبير في "مارس 2015" ، وكان يقصد شرم الشيخ تحديدا ، وإن لم يذكرها ، لأن معركة السيسي الأخطر الآن هي إنقاذ الاقتصاد ، والتحدي وصل الآن إلى مستوى لا تحتمل دولة بحجم مصر سكانيا أن تستمر فيه عاما واحدا ، فإما أن يكون الغوث في مارس والإنقاذ ، وإما أن ينتهي كل شيء ، وتدخل مصر مرحلة جديدة شديدة الغموض والارتباك ، سيكون فيها السيسي "وداعموه" مضطرا للرضوخ إلى خريطة سياسية "مدنية" جديدة ، أو أن ينفذ تهديده المتكرر بأن يترك الدفة لغيره .