يقول الليبيون إن اعتراف مصر بالمجلس الانتقالي بعد سيطرة الثوار على طرابلس جاء متأخرا. إلى حد كبير أرى ذلك صحيحا. ففي حالة جارة عربية على حدودنا، بينها وبيننا أواصر كثيرة، كان يجب ألا يتأخر اهتمامنا بما يجري إلى ربع الساعة الأخير. ليس مبررا أبدا أن انكفاءنا ناتج عن ظروفنا الداخلية بعد الثورة حيث يسود الاضطراب والضبابية وعدم الاستقرار أمنيا واقتصاديا وسياسيا. الواقع أن قيادتنا السياسية المؤقتة تنقصها الرؤية ولا تكاد ترى أبعد من القاهرة، حتى كادت سيناء تخرج عنها وهي جزء عزيز وغال من أرضنا. منذ بداية ثورة 17 فبراير كان واضحا أن قوى دولية كثيرة بعضها عربية تقوم بدور إقليمي يسبقنا بمراحل مثل قطر، وتضطلع بدور مهم لانهاء حقبة القذافي. ويتردد على سبيل المثال أن قوات خاصة منها ومن الأردن تواجدت على الأرض الليبية لتقديم الدعم اللوجستي سيما أثناء دخول طرابلس وتحريرها من كتائب القذافي. لم يكن مطلوبا من مصر أن ترسل قواتها، وإنما كان يجب أن تتيقن من نهاية القذافي المبكرة، وأنها تعيش أجواء ثورة تحررت من طاغية ومن ثم فيجب أن تؤيد الثورات التي تهب ضد أمثاله من الطغاة. مقولة حساسية الوضع بسبب الأعداد الكبيرة للمصريين في ليبيا وخشية انتقام نظام القذافي منهم، ربما يمكن قبولها بعد شهر واحد من بداية ثورة الشعب الليبي، لكن استمرار ذلك حتى يوم سقوط طرابلس أمر مثير للسخرية، فالمصريون غادر معظمهم ومن بقي ظل في مناطق تحت سيطرة الثوار أو في سجن أبو سليم وبقية سجون القذافي. من اليوم الأول للثورة انتهج سيف الإسلام القذافي ووالده خطابا عدائيا ضد المصريين والتونسيين في ليبيا، فقد اتهمهم الأول بتضليل الشعب الليبي بحبوب الهلوسة بما يعني اتهام الثورتين المصرية والتونسية بأنها وراء ما يحدث، وتوازى ذلك مع التحريض ضدهم. انكفاؤنا على الذات أخرجنا تماما من أي معادلة في المنطقة العربية، فالقوى الإقليمية التي تتشاور معها الدول الكبرى بشأن سورية وليبيا واليمن ليس من بينها مصر للأسف الشديد. لا توجد دولة من المفترض أنها كبيرة مثل مصر تتخلى عن دور إقليمي ثم تظن أن هذا هو الأفضل لها، أو تؤجله لحين تنتهي من مشاغلها الداخلية. الأدوار الاقليمية الكبرى التي لعبتها بعد ثورة 23 يوليو 1952 جعلتها لفترة طويلة الدولة الأهم في الشرق الأوسط ومن أهم الدول التي تصنع الأحداث عالميا، مع أننا لم نكن بهذا الحجم الحالي سكانيا وعسكريا وسياسيا. لقد أسقطت الثورة إيدن والامبراطوية الانجليزية التي لم تكن تغرب عنها الشمس بقوة أداء سياسي وصوت عال غير مرتعش أو هياب، وهو ما نحتاجه اليوم. فمن العيب أن تكون دول عربية أو شرق أوسطية أقل منا بمراحل في مقاعد صانعي القرار، بينما نجلس في مقاعد المتفرجين..! [email protected]