تشهد النمسا حالياً حالة من الجدل والخلاف حول استمرار مركز الملك عبد الله الدولي للحوار بين الأديان والثقافات. تزامن الجدل، الذي بدأ نهاية الأسبوع الماضي، مع الأجواء المتوترة والمخاوف التي تجتاح أوروبا بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها صحيفة "شارلي إبدو"، ومتجر يهودي بالعاصمة الفرنسية باريس الأسبوع الماضي. وحسب الحكومة النمساوية فإن الدعوة لإغلاق المركز جاءت عقب الحكم بجلد المدون السعودي رائف بدوي 1000 جلدة والسجن عشر سنوات لإدانته بارتكاب جرائم تتعلق بالإنترنت والإساءة للإسلام، مما أثار إدانات وانتقادات دولية لحكومة السعودية. الحكومة النمساوية من جانبها تريد خروج النمسا من عضوية المركز وإغلاقه لأنها لا ترى معنى من استمراره في ظل ما تعتبره انتهاك لحرية الإنسان. ومركز الملك عبد الله الدولي للحوار بين الأديان والثقافات تم تأسيسه عام 2011 بعضوية النمسا وإسبانيا والسعودية بمقتضى ما يسمى باتفاقية المقر التي تعطي المركز صفة المنظمات الدولية التي لا تخضع للقضاء المحلي. وقد تعهدت السعودية بتحمل تكلفة المركز بمبلغ 15 مليون يورو حتى نهاية العام الحالي. وكانت النمسا قد وافقت على عضوية المركز، وتم التصديق من جانب البرلمان الاتحادي على الاتفاقية، وبالتالي فإن الانسحاب من عضويته من جانب واحد ومن ثم إغلاقه سيتطلب إصدار قانون من البرلمان يصدق عليه رئيس الجمهورية، بعدها يغلق المركز خلال 3 أشهر ويمنع انتخاب قيادات المركز ومسؤوليه وكذلك إقرار ميزانيته. موقف الحكومة عبر عنه صراحة وزير الخارجية والاندماج، سابستيان كورتس، وكذلك وزير الثقافة جوزيف أوسترماير للإعلام النمساوي، بأنهما يريدان إنهاء عمل المركز في النمسا في أسرع وقت ممكن لأنه لامعنى من وجوده. وقال وزير الثقافة إنه "رغم مرور 3 سنوات على التأسيس إلا ان شيئاً في الحوار لم يتغير" المستشار (رئيس الحكومة) فيرنر فايمان يحاول الاقتراب باستحياء من غلق المركز، حيث طالب من وزارة الخارجية تقريراً حول إمكانية الانسحاب قبل الصيف المقبل لأن المركز لم ينأ بنفسه عن انتهاك حقوق الإنسان. رئيس الجمهورية هاينز فيشر ورئيس الكنيسة الكاثوليكية في فيينا الكاردينال شونبورن يقفان في صفوف المعارضين لإغلاق المركز. وشدد الرئيس على أنه لا يجب إجهاد جسور الحوار، منوهاً إلى أن هناك ضرورة ملحة لجسور الحوار وإبقاء المركز في هذا الوقت، أكثر من أي وقت مضى ، مشيراً بذلك إلى أحداث باريس. بيتر كايزر مدير الاتصالات بالمركز، أعرب في لقاء له مع التليفزيون الرسمي ( أو أر إف) عن خيبة الأمل، لأنه دعا ممثلي الحكومة إلى إجراء محادثات مباشرة حول ما يقوم به المركز، لكنه لم يتلق رداً. في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول، اعتبر مضر خوجه، الأمين العام لمبادرة مسلمي النمسا (مستقلة) أن استمرار عمل المركز الآن أمر ضروري، مشيراً أنه قام بعمل رائع في مجال الحوار بين الديانات وطرح الأفكار المختلفة وفهم الأديان على مستوى عالي خلال السنوات الماضية. وأوضح أن الجدل الثائر الآن حول المركز يرجع سببه إلى الجو العام في أوروبا عامة والنمسا خاصة بعد أحداث باريس الإرهابية. لكنه شدد على ضرورة أن يقوم مركز الملك عبد الله الدولي للحوار بأعمال سكون لها صداها على لمستوى المحلي في النمسا وليس الدولي فقط، مشيراً إلى أنه كان هناك ضعف في عمل المركز ومشاريع محلية تلقى قبولاً في النمسا. وانتقد خوجه أي مواقف تشير بأصابع الاتهام لدولة أخرى ذات سيادة فيما يخص أي شأن داخلي، مشيرا بذلك لقضية المدون رائف بدوي. واختتم الأمين العام لمبادرة مسلمي النمسا بأن الحوار لابديل عنه في تحقيق السلم الاجتماعي والتعايش المشترك خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم، داعياً إلى أن يكون الحوار أوسع من ذلك بكثير.