في أعقاب نشر مقالي الأخير ( أيها المصري ما أجملك ) تلقيت اتصالات هاتفية من عدد لا بأس به من أصدقاء وإخوان لي متأثرين عاطفيا ونفسيا بما جاء في المقال ومشددين في نفس الوقت على أن ما يحدث في مصر يجب أن يدفع الجميع إلى البحث عن حلول وتقديم أطروحات حقيقية عملية قابلة للتنفيذ ... إلا أنني استوقفتني رسالة من قارئة ترى عكس ما رأيته وتعتقد أنني متفائل وايجابي زيادة عن اللزوم وتؤمن أن الشعب المصري بما فيه هي ( كما ذكرت ) جبان .. وإلا ما عانى ما يعانيه .. ويمكنني أن أجادل عن رأيي بأن شعب مصر ليس جبانا ولكنه إن أحب أحب بعمق ووله , وإن كره فلا شيء يمكن أن يعيد إلى جادة الحب .. لأنه لا يكره عن هوى بل عن بينة وفهم ووعي وبعد طول معاناة وصبر . وفي خضم موجات اليأس المتلاطمة والمتلاحقة لا يمكن للغريق أن يقرر شيئا ويصبح رهينة في يد من يغيثه أو يقدم له العون وعليه إتباع التعليمات حرفا بحرف ولا أقول شبرا بشبر . على أننا لم نغرق بعد ولم تستقر بلادنا في قاع النسيان فلا زالت مصر هي مصر ولا زال المصريون هم المصريون ... صحيح أن صوت شعبنا قد بح و أن صدى كلماتنا لم يعد يسمع حتى من هم في الأقطار القريبة إلا أننا شعب حي نابض مفعم بالحياة ومحب لها ... وهذا ما يجعلني أغير دفة أحاديثي وحواراتي وربما بوصلتي في هذه المرحلة وقد يكون لانتصار كرة القدم يد في ذلك ... وأعود إلى الرحلة البحث عن مصر أو ما الذي تحتاجه مصر ولن أكون فيلسوفا أو منظرا وأعود بالقارئ إلى ذاكرتي القريبة جدا فقبل ثلاثة أعوام وبينما أقضي أجازتي في القاهرة دار حديث بيني وبين سائق التاكسي وهو بالمناسبة من أحد ضواحي القاهرة التي عرفت فيما مضى بالإجرام والبلطجة , وكعادتي بادرته بالسؤال عن مصر وعن الناس والحكومة وبعد أن عرفني بنفسه وبالتطور الذي حدث في حياته والنقلة النوعية التي حدثت له من منادي سيارات إلى سائق ميكروباص إلى سائق تاكسي وبعد أن أخبرني عن زوجته التي ارتدت الحجاب وأولاده الذين يحفظون القرآن في المسجد وعن نفسه قائلا ( أنا لسه بدري على شويه أنا أصلي على سطر وأترك سطر ) ... وسألته السؤال عنوان المقال ( ما الذي تحتاجه مصر يا أخ محمد) والحق أقول لكم لقد فاجئني محمد سائق التاكسي الأمي بقوله ( مصر محتاجه رجاله يا باشا ) هنا توقفت عيناي عن الحركة وتسمرت على ملامح وجهه لأستبين هل هو جاد أم مازح ساخر كبقية خلق الله في مصر ... قلت يا محمد هل أنت جاد قال بلغته التي لا تخفى على أحد ( وأهرج ليه يا بيه مصر محتاجه رجاله ) جاريته في الحديث وأنا كلي شغف للاستماع ... وسألته كم ألف رجل يا محمد ضحك وقال المسألة أبسط من كده يا باشا ؟ ماذا يعني هذا سألت نفسي ؟ بادرني بالقول الحكاية كلها ثمانين رجل ! قاطعته بل تسع وسبعون ؟ لماذا ؟ سألني لأنك يا محمد الرجل الثمانين ضحك واستطرد في الشرح نحتاج ثلاثين وزيرا من الرجال ( لا يقصد الذكور ) ونحتاج ثلاثين أو خمسة وثلاثين محافظا من نفس النوع . إذن يتبقى عشرون أو خمس وعشرون رجلا أين نضعهم يا محمد ؟ قال وكلاء وزراء أو نواب محافظين ... أعجبتني القصة وطال بنا الطريق وللحق فالرجل لا يحمل عدادا ولا يتعمد اللف في الشوارع فقد عمل معي باليومية ... قلت له افترض أنني رئيس الوزراء وأنا اخترتك لتكون وزيرا فأي الوزارات تطلب ؟ بدون تردد ولا اعتذار ولا تواضع قال لي : وزارة الزراعة يا باشا , الزراعة في مصر حالها بقى حال قلت له اقترض أنها محجوزة .. قال لي إذن الري فالناس عطشانه والجو حر ونحتاج للري .. قلت له وماذا بعدها : قال الصحة فضحكت ولماذا لا تأخذ الداخلية قال لي يا باشا الله يبعدنا عن الداخلية قلت لها أنت ستكون وزيرا قال لي ولو ... هذا حوار حقيقي ليس فيه سوف بعض التصرف بالألفاظ.. حوار بين رجل يزعم أنه مثقف وآخر لا يزعم سوى أنه وطني يعرف طبيعة المرحلة وما الذي تحتاجه .. سألت نفسي هل خطر ببال الساسة والمثقفين والمفكرين ما خطر ببال محمد السائق البسيط , معظمنا حشر نفسه في زاوية نقد السلطة أو جلد الذات أو التفكير الاستراتيجي الهائل ونسينا أن الدول والأمم والحياة تحتاج الى رجال ... وقرار .. محمد السائق لخص القصة برجال في مواقع السلطة لهم حق اتخاذ القرار برجولة ... كيف نصنع أو ندعم أو نساهم في بناء مائة رجل في السلطة التنفيذية بشقيها المركزي والمحلي لكي يكونون قادرين على اتخاذ القرار الإصلاحي الذي ننتظره والسؤال المطروح هو هل لدينا في مصر رجال , والإجابة المنطقية نعم , والسؤال التالي : لماذا لا يظهرون على الساحة ونشكو ندرتهم وقلتهم ؟ هل توارى الرجال ؟ أم تم عزلهم واقصاؤهم لأن المرحلة لا تحتمل وجود رجال ! كيف يمكننا اكتشاف الرجال وتقديمهم لمصر الباحثة عن الرجال ! من هنا سنبدأ مشروعا جديدا مشروعا نبحث فيه عن مصر من جديد نعيد فيه الرجال إلى مصر ونعيد إلى مصر رجولتها وقدرتها على الفعل والتأثير ... فمن يبدأ معي الرحلة ومن يسعدنا برفقته . انتظروني على رصيف المصريون ! تحت السطور على ركاب سفينة البحث عن مصر التأكد من حزم أمتعتهم , وربط أحزمتهم والتوكل على ربهم .... [email protected] 15فبراير 2006