منذ أسابيع أعلن متحدث رسمي باسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن نية المجلس في إصدار إعلان دستوري جديد يضع فيه أسس تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور الجديد بحيث تكون محل توافق بين التيارات السياسية المختلفة. وتلقفت القوى الليبرالية هذا الإعلان وصورته على أنه سيكون انتصاراً لفكرة المبادئ فوق الدستورية التي تبنتها وكما هو معلوم فإن ذلك يعتبر لياً لعنق ما صرح به المجلس الأعلى إذ أنه لم يشر إلى أي فرض لمبادئ أو أفكار معينة بصورة فوق دستورية والمجلس إلى الآن لا يزال يؤكد على عدم رغبته في لعب أي دور سياسي في مستقبل مصر. ولا يخفى علينا أن هناك تيارات داخل المجتمع تتمنى إستمرار الحكم العسكري خشية من وصول الإسلاميين إلى السلطة في حالة جرت الإنتخابات بنزاهة. وبدأت هذه التيارات في التعبير عن نفسها بصراحة ويعد أوضح نماذج هذه التيارات هو المستشار هشام البسطاويسي الذي أعلن نيته للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية إذ تقدم – طبقاً لما نشرته المصري اليوم في 3/7/2011 - بوثيقة تحدد في مادتها الأولى الدور السياسي للجيش كما يلي: "الدولة وحدها هى التى تنشئ القوات المسلحة، وهى ملك للشعب، ومهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، وضمان عدم الانقلاب على المبادئ فوقالدستورية الواردة فى وثيقة إعلان الدستور الدائم، ولا يجوز لأى هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية" ولا يخفى على أحد أنه في ظل الإدارة السياسية للمرحلة الإنتقالية بواسطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فإن هذا المجلس أصبح عرضة للظنون والوساوس التي تتهمه بالتآمر مع طرف ضد طرف تارة ومع الطرف الآخر ضد الطرف الأول تارة أخرى. ولكل طرف أدلته التي تؤيد طرحه ذلك ويأتي نقص الشفافية من قبل المجلس الأعلى ليلقي بعضاً من المصداقية على كلتا النظريتين المتناقضتين. لذلك فإن المجلس الأعلى بإعلانه عن نيته في وضع أسس تشكيل الجمعية التأسيسية يحاول – في نظري - أن يجلي حقيقة موقفه الحيادي بين الطرفين المتصارعين. إلا أن المجلس بعد أن وضع نفسه في هذا المأزق يجد أن الأمر ليس بالسهولة المتصورة فكيف له أن يضع تصوراً لأسس تشكيل هذه الجمعية لا يصادر حقاً من الحقوق المكتسبة بموجب استفتاء 19 مارس؟ وكيف له أن يصل إلى أسس تضمن وجود تمثيل حقيقي لكل الأطراف الفاعلة لا يغفل الوزن النسبي لكل طرف منها؟ وكيف يخرج المجلس الإعلان المرتقب دون تصادم مع الأغلبية الشعبية التي صوتت بنعم في الاستفتاء؟ فإذا لجأ المجلس لوضع كوتة للتيارات المختلفة فإن المؤكد هو أن حالة الرفض الشعبي لهذا الإعلان ستتزايد إلى حدود غير مسبوقة مما ينذر بإدخال البلاد في نفق مظلم هذا إلى جانب أن هذه الكوتة لن تكون معبرة عن الأوزان النسبية الحقيقية لكل التيارات ناهيك عن صعوبة توصيف شخص معين بالانتماء إلى تيار معين مما يفتح الباب على مصراعية للطعن في صحة تشكيل اللجنة دستورياً مما يضع البلاد مستقبلاً في أزمة دستورية مستمرة. ولأن هذا الإعلان المنتظر لا يقصد به إلا تهدئة الأوضاع وطمئنة جميع الأطراف إلى حياد المجلس الأعلى فإن هذا الإعلان لابد ألا يطرح مبادئ فوق دستورية يحظر على البرلمان تعديلها أو إلغائها كما أنه يجب أن يقدم حلاً لإزالة مخاوف الأطراف الضعيفة شعبياً من انفراد التيار الإسلامي بصياغة الدستور الجديد في حال حصوله على أغلبية النصف في البرلمان شريطة أن يكون هذا الحل المقترح سهل القبول شعبياً ولا يتصادم مع شرعية استفتاء 19 مارس. وبالنظر واقعياً إلى فرص التيارات الإسلامية في الإنتخابات المقبلة فإنه في ضوء إلتزام الإخوان بعدم المنافسة على أكثر من نصف المقاعد فإن عدد المقاعد المتوقع حصولهم عليها لن يتجاوز 40-45%. وبالنظر إلى حداثة عهد السلفيين بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية بالإضافة إلى امتناع رموزهم الدعوية ذات الشعبية الهائلة من خوض هذه الإنتخابات فإن فرصهم لن تتجاوز 5-10% من المقاعد. كما أنه بالنظر إلى الموقف المتوجس من الأغلبية الشعبية تجاه الجماعات الإسلامية التي تخلت عن العنف (الجماعة الإسلامية والجهاد) فإن فرص هذه الجماعات لن تزيد بأي حال من الأحوال عن 5% من المقاعد. لذلك فإن إجمالي حظوظ التيار الإسلامي ستتراوح في أقصى صورها بين 50 و60 % على أقصى تقدير. لما سبق فإن المنتظر من الإعلان الدستوري المنتظر هو وضع ضوابط لتشكيل الجمعية التأسيسية لا تأتي على ذكر كوتة أيديولوجية تعطي وزناً أكبر من اللازم لأطراف ضعيفة وهامشية ولذلك يفلح المجلس الأعلى إذا أقر في هذا الإعلان المنتظر أن يتم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان وأحسب أن ذلك هو أفضل ما يمكن قبوله شعبياً ومن التيارات المختلفة في الوقت ذاته. محمد مصري http://www.facebook.com/muhammad.masry