وكيل «حقوق النواب» يطالب بسرعة تطبيق «الإجراءات الجنائية»: هناك محبوسون ينتظرون الفرج    تزامنًا مع قرب فتح باب الترشح لانتخابات النواب.. 14 عضوًا ب«الشيوخ» يتقدمون باستقالاتهم    "الإصلاح والنهضة": صراع النواب أكثر شراسة.. ونسعى لزيادة المشاركة إلى 90%    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    تنسيق لإنشاء نقطة شرطة مرافق ثابتة بسوق السيل في أسوان لمنع المخالفات والإشغالات    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    النقل: خط "الرورو" له دور بارز فى تصدير الحاصلات الزراعية لإيطاليا وأوروبا والعكس    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    السيولة المحلية بالقطاع المصرفي ترتفع إلى 13.4 تريليون جنيه بنهاية أغسطس    للحد من تسريب المعلومات.. وزارة الحرب الأمريكية تعتزم تنفيذ إجراء غير مسبوق (تفاصيل)    بعد القضاء على وحداتهم القتالية بالكامل.. القوات الروسية تأسر جنودا أوكرانيين    750 ألف وظيفة مهددة... أمريكا تواجه أسوأ إغلاق حكومي منذ عقود    قطر تستنكر فشل مجلس الأمن فى اعتماد قرار بشأن المعاناة الإنسانية فى غزة    الصحافة الإنجليزية تكشف موقف عمر مرموش من معسكر منتخب مصر    هالاند وجوارديولا ضمن قائمة الأفضل بالدوري الإنجليزي عن شهر سبتمبر    لقاء البرونزية.. موعد مباراة الأهلي وماجديبورج الألماني في بطولة العالم لكرة اليد للأندية 2025    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    شقيق عمرو زكى يكشف تفاصيل حالته الصحية وحقيقة تعرضه لأزمة قلبية    «الداخلية» تضبط شخصًا هدد جيرانه بأسطوانة بوتاجاز في الجيزة    تصالح طرفى واقعة تشاجر سيدتين بسبب الدجل بالشرقية    شيخ الأزهر يستقبل «محاربة السرطان والإعاقة» الطالبة آية مهني الأولى على الإعدادية مكفوفين بسوهاج ويكرمها    محافظ البحيرة تفتتح معرض دمنهور الثامن للكتاب    «غرقان في أحلامه» احذر هذه الصفات قبل الزواج من برج الحوت    لدعم ترشيح «العناني» مديرًا ل«اليونسكو».. وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    بين شوارع المدن المغربية وهاشتاجات التواصل.. جيل زد يرفع صوته: الصحة والتعليم قبل المونديال    حب وكوميديا وحنين للماضي.. لماذا يُعتبر فيلم فيها إيه يعني مناسب لأفراد الأسرة؟    أسرة عبد الناصر ل"اليوم السابع": سنواصل نشر خطابات الزعيم لإظهار الحقائق    بدء صرف جميع أدوية مرضى السكري لشهرين كاملين بمستشفيات الرعاية الصحية بالأقصر    رئيس وزراء بريطانيا يقطع زيارته للدنمارك ويعود لبريطانيا لمتابعة هجوم مانشستر    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    تموين القليوبية يضبط 10 أطنان سكر ومواد غذائية غير مطابقة ويحرر 12 محضرًا مخالفات    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    الحكومة تُحذر المتعدين على أراضى طرح النهر من غمرها بالمياه    الجريدة الرسمية تنشر 6 قرارات جديدة لوزارة الداخلية (التفاصيل)    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    تحذيرات مهمة من هيئة الدواء: 10 أدوية ومستلزمات مغشوشة (تعرف عليها)    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    الجريدة الرسمية تنشر قرارًا جديدًا للرئيس السيسي (التفاصيل)    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل مصر فى سيناء
نشر في المصريون يوم 22 - 08 - 2011

(1) تعرف إسرائيل أن مصر بعد الثورة ليست هى مصر مبارك التى كانت مطمئنة إليها غاية الاطمئنان.. فقد كان نظام مبارك يوفر لإسرائيل حماية حدودها من التسلل ومن تهريب السلاح والغذاء إلى المقاومة الفلسطينية.. لهذا الغرض أقام الجدار الفولاذى وأغلق معابر غزة.. لمساعدة إسرائيل فى حصار الفلسطينيين والقضاء على المقاومة.. ووضع نفسه فى خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.. لقد وُصف مبارك بحق بأنه "كنز استراتيجي لإسرائيل"؛ فبتأمينه لحدودها فى سيناء والتفانى فى تحقيق مصالحها، توفرت لإسرائيل طاقات عدوانية إضافية لم تكن لتحلم بها لولا وجود مبارك ونظامه.. من ذلك أنها استطاعت أن تتفرغ للتخطيط الهادئ والعمل المتواصل على تهويد القدس ومحو معالم الإسلام والعروبة فيها.. وترويع من بقى من سكانها لدفعهم خارج أرضهم إلى المنافى العالمية.. وأوشكت أن تكلّل جهودها للسيطرة المطلقة على فلسطين كدولة عنصرية قاصرة على اليهود..
(2) ولكن من سوء حظ إسرائيل.. أو قل: هكذا أراد الله أن يردّ بعض كيدها فى نحرها.. حيث تفجّرت الثورة المصرية .. وامتدت إشعاعاتها التحريرية إلى بقاع أخرى فى بلاد العرب بل ألقت بظلالها فى داخل الأرض المحتلة .. بحيث يمكن القول أن انطلاق الثورة المصرية (الذى ينذر بتغيير الأوضاع فى المنطقة بأسرها) يكتب مرحلة جديدة فى تاريخ الكيان الصهيوني.. مرحلة شديدة الغموض.. حافلة بالنذر والمخاطر غير المنظورة..
لقد أصبحت إسرائيل تشعر بالذعر من مستقبل مجهول خصوصا إذا استمرت الثورة فى تحقيق أهدافها وتمت الانتخابات البرلمانية فى موعدها وأصبح لمصر برلمان حر، وحكومة وطنية منتخبة ورئيس دولة منتخب ودستور جديد.. وأصبحت مصر مالكة لإرادتها الحرة، قادرة على تطوير إقتصادها وتنميته لصالح الشعب المصري كله .. لا لفئة اللصوص والعصابات الحاكمة التى احتكرت ثروة الأمة وبددتها فى شعاب الأرض، كما كان الشأن فى عهد الاستبداد ...
(3) ولا بد فى هذه الظروف الجديدة التى قلبت الأوضاع حول الكيان الصهيوني أن يرد هذا السؤال على الذهن: هل يمكن أن تجلس إسرائيل واضعة خدها على يدها فى انتظار ما تأتى به الأقدار من أحداث مزلزلة...؟ هل تقعد إسرائيل تستقبل الأحداث الجارية وهى التى اعتادت أن تسبق الأحداث وتصنع الصورة التى ترغب فى تحقيقها واقعا على الأرض...؟!
لقد حاولت إسرائيل فى بداية الثورة وتحركت معها الترسانة الأمريكية بكل ماتملكه من قوى الترهيب والترغيب لتحريف مسار الثورة، والقبول بنظام شبيه بنظام مبارك تحت شخصية عسكرية صديقة ومأمونة مثل "عمر سليمان" أو أحمد شفيق أو واحد آخر من المجلس العسكري.. وقد فشلت هذه المحاولات المبدئية تماما.. حيث أسقط الشعب فى ميدان التحرير عمر سليمان.. كما أسقط أحمد شفيق وحكومته.. ولم يستجب أحد من المجلس العسكري للإغراءات، ولا للتهيدات الأمريكية ..
(4) لم تتوقف المحاولات الأمريكية الصهيونية عند هذا الحد بل تواصلت وتمدّدت فى مجالات أخرى : فى مجال الاستخبارات والجاسوسية.. وقد علمنا أطرافا من قضية الجاسوسية الصهيونية وأهدافها وبقيت أطراف أخرى من القصة مازالت مجهولة لم ترشح إلى الإعلام بعد..
وفى مجالات أخرى يتم تمويل شخصيات وكيانات صحفية وإعلامية، وأنشطة ما يسمى فى مصر بالمنظمات المدنية .. التى عرفنا جانبا من تمويلها الأمريكي الذى بلغ –كما صرحت السفيرة الأمريكية- أربعين مليون دولار تم توزيعها بالفعل على هذه الجهات من وراء السلطات المصرية.. بغرض تنفيذ أجندات أجنبية مخطّطة لتمزيق الصف المصريّ وتشويه الثورة وإحداث انشقاقات بين القوى السياسية.. وافتعال صدامات بين الشعب، وبين القوات المسلحة.. وذلك لإحداث مزيد من الفوضى والاضطرابات فى المجتمع المصري تحول بينه وبين الوصول إلى حالة الاستقرار والتعافى .. وتصرفه عن مساره الديمقراطي والانطلاق فى طريق التنمية الاقتصادية والإنتاج..
(4) من مظاهر هذه الجهود التخريبية شهدنا اعتصامات لمجموعات من الخلطاء المتظاهرين مع البلطجية فى ميدان التحرير.. تمولها جهات وشخصيات محلية مشبوهة (اعترفت فعلا بتمويلها).. كما شاهدنا حملات إعلامية تروّج لأفكار خلافية بين التيارات السياسية المختلفة لتعميق الصراعات والتمزّقات فى النسيج الوطني الواحد مثل:
الصراعات المفتعلة حول قضايا: الدولة المدنية.. أو الدولة العلمانية فى مقابل الدولة الدينية.. [وكلها مصطلحات ضبابية غير محدّدة المعالم]، ولكن المهم أن هناك محاولات لفرض أفكار الأقليات المأزومة على الإرادة الشعبية الغالبة.. بالحديث عن المواد فوق الدستورية أو تحت الدستورية ، أو المواد الحاكمة للدستور.. والغريب أن هذا التهريج الإعلامي يجد له صدًى فى أروقة الحكومة والمجلس الأعلى.. ويتحدث عنه نائب رئيس وزراء كان يبدو لى محترما فى أول الأمر ولكنى آسف له.. لأنه لم يتعظ بمصير سابقه فى الوظيفة الدكتور يحي الجمل..
ولا أنسى فى هذا السياق أن أنوّه بالتهريج الإعلامي الذى يروّج لقصص عن مواجهات وصراعات سرية جرت فى القصر الجمهوري بين جمال مبارك وعمر سليمان وأطراف أخرى حول التوريث .. وهي قصص مقصود بها تلميع صورة عمر سليمان ومحاولة التمهيد له كمرشح لرئاسة الجمهورية، بنسبة بطولات إليه لم يقم بها.. ولكن القصص السرية لها عشّاق يتمتعون بقدر كبير من السذاجة بحيث يبتلعون الطعم وهم يظنون أنهم قد وقعوا على كنوز نادرة من الأسرار الثمينة...
(6) لقد أشرت آنفا إلى الجهات التى تسعى وتغذّى كل هذا التهريج والتشويش والفوضى الفكرية التى تستهدف المجتمع المصري لتمزيق نسيجه الواحد باللعب على نقاط الخلاف السياسية والطائفية.. وشغله عن مصيره ومستقبله الحقيقي، بمعارك جانبيه تنهكه وتستنزف طاقاته.. وأضيف مؤكدا أن هذه الجهات لم تصل بعد إلى تحقيق ما تهدف إليه كما تريد وأن كل محاولاتها ستبوء بالفشل عاجلا أو آجلا.. ولذلك لجأت إسرائيل مؤخرا إلى التصعيد العسكري على الحدود المصرية.. مصحوبا بحملة إعلامية تهدد فيها بإعادة احتلال سيناء..
وأكاد أرى الأصابع الإسرائيلية فى الإضطرابات الأمنية بالعريش والهجوم على قسم الشرطة بها .. بل أرى نفس الأصابع الإسرائيلية فى الهجوم الذى تم فى داخل الحود الفلسطينية على أتوبيس يحمل جنود إسرائيليين ومقتل عدد منهم.. والزعم بأن الجناة فلسطينيين جاءوا من غزة عبر سيناء ليخترقوا الحددو ويفعلوا ما فعلوا.. وليست هذه أول مرة ولا آخر مرة فى تاريخ إسرائيل تدبّر هجمات من هذا النوع على شعبها، ثم تنسبه إلى الآخرين، لتحقيق أهدافها .. ولا مانع أن يشترك فى هذا عملاء لها من فلسطين أو من سيناء أو حتى من الهند.. فهو فى النهاية صناعة إسرائيلية أصيلة تجيد حبكها أجهزة المخابرات الصهيونية...
وليس من العسير أن نفهم أن وراء تفجير الأوضاع فى سيناء وعلى الحدود المصرية أسباب وأهداف إسرائيلية.. من هذه الأسباب: أوضاع فى داخل إسرائيل نفسها تهدد حكومة نتنياهو المؤسسة على إئتلاف هش بين مجموعات سياسية متطرفة تورطت فى حماقات ومغامرات خارجية مثل الاعتداء العسكرى على قافلة المساعدات الإنسانية التى كانت فى طريقها إلى غزة .. وقد تم الاعتداء عليها فى المياه الدولية.. مما أثار الرأي العام العالمي عليها وتسبب فى خسرة إسرئيل لتركيا كحليف استراتيجي تقليدي فى المنطقة..
ومنها تصاعد المظاهرات ضد السياسيات الإقتصادية للحكومة الإسرائيلية واشتراك أعداد كبيرة غير مسبوقة من المتظاهرين على النمط المصري.. مما يهدد الائتلاف الحكومي الهش بالانهيار إذا استمرت هذه المظاهرات طويلا على الساحة.. وقد ظنت الحكومة الإسرائيل أنها بتصدير مشكلاتها الداخلية عبر الحدود المصرية قد يهدّئ الأوضاع المضطربة فى الجبهة الداخلية..
ومنها فشل حليفتها الاستراتيجية الكبرى (أمريكا) فى سياساتها الخارجية وفى حروبها بالعراق وأفغانستان.. واقتراب نهايتها الإمبريالية.. وأهم من كل هذا ضعف تأثير أمريكا فى ضبط إيقاع الحركة المصرية بعد الثورة.. وعدم استجابة مصر للضغوط الأمريكية.. سواء بالترغيب أو بالتهديد بتقليص أو منع المساعدات لمصر.. هذا العامل السحري الذى كان فاعلا بكفاءة فى عهد مبارك لم يعد فاعلا على نفس المستوى والقوة فى عهد الثورة.. إسرائيل تدرك هذا أكثر من غيرها.. لذلك لجأت مؤخرا لتفجير الأوضاع على الحدود وفى سيناء.. وهى نقطة الضعف الكبرى فى مصر.. لماذا...؟!
لأن اتفاقية كامب ديفيد فرضت على مصر إخلاء سيناء من القوات المسلحة فيما عدا أعداد محدودوة من الشرطة على الحدود .. وقوات عسكرية للحماية على شريط ضيق ممتدّ بحذاء الشاطئ الشرقي لقناة السويس .. كما فرضت عليها ألا تزيد عدد القوات فى هذا الشريط عن حدود معينة وكذا الآليات والمعدات العسكرية بحيث لا تستطيع مصر إضافة دبابة واحدة أو مدرّعة واحدة على هذه الأعداد المتفق عليها.. وهناك تفتيش ورقابة أمريكية دورية ترصد وتمنع أي تغيير فى هذا الشريط..
وعندما طُلب من مصر حماية الحدود المصرية من تهريب السلاح عبر الأنفاق إلى غزة طلبت مصر الإذن من إسرائيل بزيادة عدد قوات الأمن على الحدود المصرية.. وعندما اشتكت إسرائيل مؤخرا من الاضطرابات فى سيناء عادت مصر [تطلب السماح لها] بإضافة ألف جندى لمواجهة العصابات المسلحة هناك على الحدود..
(7) هذه القوات فى مجموعها وبتسليحها البائس لا تصمد ساعة من نهار أمام الزحف الإسرائيلى .. فلو أرادت إسرائيل إعادة احتلال سيناء لاستطاعت الوصول إلى الشاطئ الشرقى لقناة السويس فى بضع ساعات دون عائق يذكر.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى ونتيجة للسياسات الغبية والحمقاء لمبارك ووزير داخليته العادلي.. تم تدمير التركيبة القبلية التى كانت سائدة فى سيناء والتى ضمنت لها فى الماضى استقرارها النسبي.. وحافظت على الحد الأدنى لولاء سكان سيناء للوطن الأم على مر العصور، رغم ما تعرّضت له سيناء من غزوات واعتداءات أجنبية.. واحتلال لفترات طويلة من الزمن..
استطاع الشيطان ووزير داخليته تدمير هذه التركيبة الاجتماعية القبلية.. وأحال سكانها بالقمع الأمني وإهدار كرامة الأسر، وتأليب القبائل بعضها على بعض، إلى مجتمات ممزقة كارهة للسياسة المصرية.. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا سلبيا على روح الإنتماء والشعور الوطني لأبناء سيناء؛ ففى هذا المناخ المتفسّخ يصبح من السهل إختراق مثل هذه المجتمعات.. وتجنيد عملاء لخدمة الأعداء .. وبسبب عوامل التفتيت وما أضيف إليها بعد الثورة من انهيار القبضة الأمنية انتشرت فى سيناء عصابات تجارة المخدرات والأسلحة والتهريب.. والجماعات المتمرّدة التى يحلو لبعض جهات إعلامية وصحفية أن تصفها (جهلا وبلا تحقيق ولا دراسة) بالجماعات الدينية السلفية تارة، وبأعضاء القاعدة تارة أخرى، وينسبون إليها السعي لإقامة دولة أو إمارة إسلامية مستقلة فى سيناء...
(8) هنا تلتقى الأهداف الأمريكية الصهيونية مع أهداف بعض القوى السياسية العلمانية، والعصابات الإعلامية والصحفية المموّلة من الخارج ومن الداخل أيضا [ من ساويرس وغيره]، فى نقاط أساسية ومحورية منها:
تحويل الاهتمام بعيدا عن العملية الديمقراطية وقطع الطريق على استحقاقاتها الوشيكة.. والانشغال بالخطر الداهم القادم من الحدود .. والاضطرابات المتصاعدة فى سيناء والتى لا تستطيع مصر بقواتها الأمنية الهزيلة أن تتصدّى لها ..
وتتعرض الحكومة والمجلس الأعلى لانتقادات شديدة من جانب الشعب المصري لتقصيرهما فى الرد على القصف الإسرائيلي للجنود المصريين.. وتقوم المظاهرات فى مصر تطالب بطرد السفير الإسرائيلي من مصر وقطع العلاقات مع إسرائيل.. وكلام كثير عن إلغاء أو تعديل اتفاقية كامب ديفيد، وضرورة انتشار القوات المسلحة فى أرض سيناء، وقطع إمدادات الغاز وإلغاء إتفاقية الكويز.. ويبدو أننا قد نسينا أن الأصل فى كل هذه المصائب والأوضاع التعيسة التى نمر بها كلها ميراث مُثقلٌ بالفساد من تركة النظام السابق ورئيسه المخلوع..
(9) يبدو الإعلام المصري فى تناوله للقضية مستفزا ومضللا حيث يعرض أخباره محمّلةً بإيحاءات، هى فى الحقيقة آراء سابقة التجهيز، تُعرض وكأنها حقائق مقرّرة.. لا يكتشف زيفها إلا المراقب المدقق.. مثلا أنظر إلى هذا الخبر الوارد على هيئة سؤال للقارئ فى بوابة الشروق: " تشهد شبه جزيرة سيناء، اضطرابات أمنية وصراعات بين القبائل، إضافةً إلى انفلات أمني حدودي، وتصاعد للتيار الإسلامي المسلح، مما ينذر بتكرار كوارث إقليمية... في رأيك.. ما هي أسباب هذه التوترات.. وكيف يمكن معالجتها؟
فى هذه الفقرة القصيرة وصف سريع لما يدور على الساحة الإعلامية من أخبار، ولكن أبرز مافيها عبارة "تصاعد التيار الإسلامي المسلح" وهي مسألة لم ينتهِ التحقيق الرسمي فيها بشيئ حتى الآن ولم يقم أحد ببحث الأمر والتحقيق فيه للوصول إلى أدلة تؤكده أو تكشف عن أبعاده الصحيحة.. فهى مجرد تكهّنات .. ومع ذلك تطرح فى الخبر كأنها حقائق مقررة..
أكثر من هذا أن يُنسب إليها أنها تنذر بتكرار كوارث إقليمية".. كأننا نجهل أن مصدر الكوارث الإقليمية كلها من صنع الكيان الصهيوني...! ولكن الرسالة تلتفّ على هذه الحقيقة بكلام غامض لم يتثبّت صاحبه منه، ولكنه يحمل رسالة واضحة وهو أن شيئا إسمه "التيار الإسلامي المسلح " قادم على الأبواب وهو ينذر بخطر داهم .. وهذا هو لب الرسالة الإعلامية المقصودة: إثارة القارئ ضد التيارات الإسلامية.. ليس فى ىسيناء بالذات ولكن على الساحة السياسية هنا.. وذلك خلال عملية (الاقتران والتشابه المبرمج) .. لقد اجتذب هذا الخبر 85 تعليقا من القراء.. تابعتها محلّلا ورأيت كيف بلغت الرسالة الإعلامية غايتها من تضليل القُرّاء وتشويش أفكارهم.. (فيما عدا تعليق واحد نجا صاحبه -فيما يبدو- لحسن فهمه وثقافته السابقة عن الموضوع.).. وقد تأكّد عندى أن هدف الرسالة الإعلامية الملغومة كان مقصودا لأنه تكرر فى سياقاتٍ صحفيةٍ وإعلاميةٍ إخرى...
والحقيقة التى لا يحب أن يعترف بها أصحاب الهوى والمصالح الشخصية فى الإعلام والسياسة أنه لا يوجد فى سيناء والعريش جماعات سلفية مسلّحة.. ولا عناصر قاعدة ولا نائمة ولا يحزنون .. وإنما (بالإضافة إلى الأصابع الصهيونية التى تلعب من وراء ستار) هناك أطراف معروفة خلف الاضطرابات فى سيناء: من أرباب السوابق والعملاء والخارجين على القانون، ثم أهالى الشهداء من أبناء سيناء الذين لقوا مصارعهم على يد رجال أمن العادلي وسيده المخلوع.. وقد بلغ عددهم 230 شهيدا سقطوا على مدى السنوات الماضية ..
هؤلاء الأهالي يتوقعون اعتذارا من وزارة الداخلية التى قتلت أبناءهم وامتهنت كرامتهم.. وأن تتعهد لهم قوات الأمن الجديدة بالتخلّى عن سياسات القمع والتخريب.. وضرب القبائل بعضها ببعض.. وأن تقتص لهم الدولة من قاتليهم.. وبعد كل هذا وأهم منه إعادة النظر إلى أبناء سيناء باعتبارهم جزءًا من النسيج الوطني المصري.. وإعادة النظر إلى سيناء نفسها .. ليس باعتبارها صحراء قاحلة.. فهى ليست كذلك، بل هى أرض مقدّسة عامرة بالخير والثروات.. وليست كما يُظن بها ملجاً للخونة وأنصاف المصريين..
(10) العقلاء المخلصون لوطنهم ينظرون إلى سيناء باعتبارها الدرع الواقى لمصر كلها من الخطر الإسرائيلى... فهذا هو قدر سيناء فى تاريخها الطويل.. وهذا هو مصيرها المستقبلي بعد أن يتم تعميرها بمشروعات صناعية وزراعية عملاقة.. وانتقال ملايين المصريين إليها من سكان الدلتا المكتظة.. للعيش فيها و تعمير هذا الجزء العزيز على قلوب المصريين جميعا .. مستقبل مصر الحقيقي وازدهارها وأمنها يقع فى سيناء.. وهذا ما يجب أن نلتفت إليه بشدة ونعنى به العناية الواجبة...!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.