وزير الحرب الأمريكى: لا خطوط حمراء بملف فنزويلا    عاجل.. غلق هذه الطرق بسبب الضباب    هل تنجو «نورهان» من الإعدام؟.. تطور جديد بشأن قاتلة أمها ب «بورسعيد»    الصحة العالمية: اللاجئون والنساء أكثر عُرضة للإصابة ب«سرطان عنق الرحم»    أستاذ طب الأطفال: فيروس الورم الحليمي مسؤول عن 95% من حالات المرض    دراسة تكشف عن علاقة النوم العميق بعلاج مشكلة تؤثر في 15% من سكان العالم    أخبار فاتتك وأنت نايم | إغلاق الطريق الصحراوي بسبب الشبورة.. قائمة منتخب مصر في كأس العرب    زد يفاوض كهربا للعودة للدوري المصري عبر بوابته (خاص)    هو صريح وعلى الصحفيين تقدير ذلك، متحدثة البيت الأبيض تبرر وصف ترامب لمراسلة ب"خنزيرة"    فلسطين.. قوات الاحتلال تعتقل شابًا من طولكرم شمال الضفة الغربية    محمد منصور: عملت جرسونا وكنت أنتظر البقشيش لسداد ديوني.. واليوم أوظف 60 ألفا حول العالم    الأزهر ينظِّم مهرجانًا ثقافيًّا للطفل المبدِع والمبتكِر    البابا تواضروس: مصر واحة الإيمان التي حافظت على وديعة الكنيسة عبر العصور    أوقاف القاهرة تنظّم ندوة توعوية بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب    رئيس مياه البحيرة يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات «حياة كريمة»    محافظ البحيرة تلتقى أعضاء مجلس الشيوخ الجدد وتؤكد على التعاون المشترك    أبرز مواجهات اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025 في مختلف الدوريات العالمية    البث المباشر لمباراة الاتحاد ضد الرياض في دوري روشن السعودي    غلق الطريق الصحراوي بالإسكندرية بسبب شبورة كثيفة تعيق الرؤية    التحقيق 4 موظفين لاتهامهم بالتعدي على عدد من الأطفال داخل مدرسة دولية    المؤشر نيكي الياباني يتراجع بفعل هبوط أسهم التكنولوجيا    عمرو مصطفى بعد تكريمه من مهرجان ذا بيست: اللي جاي أحلى    نجوم «صديق صامت» يتألقون على السجادة الحمراء بمهرجان القاهرة    «المهن التمثيلية» تحذر من انتحال اسم مسلسل «كلهم بيحبوا مودي»    فضل سورة الكهف يوم الجمعة وأثر قراءتها على المسلم    دعاء يوم الجمعة.. ردد الآن هذا الدعاء المبارك    ما الأفضل للمرأة في يوم الجمعة: الصلاة في المسجد أم في البيت؟    أسعار العملات أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 21 نوفمبر 2025    خاص| عبد الله المغازي: تشدد تعليمات «الوطنية للانتخابات» يعزز الشفافية    عراقجي يؤكد جاهزية إيران لهجوم إسرائيلي جديد بصواريخ مطوّرة    سرب من 8 مقاتلات إسرائيلية يخترق الأجواء السورية    إحالة المتهم بقتل مهندس كرموز ب7 رصاصات في الإسكندرية للمحاكمة الجنائية    التنسيقية: فتح باب التصويت للمصريين بالخارج في أستراليا بالمرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    محمد رمضان يغنى يا حبيبى وأحمد السقا يشاركه الاحتفال.. فيديو وصور    لأسباب إنتاجية وفنية.. محمد التاجي يعتذر عن مشاركته في موسم رمضان المقبل    بعد 28 عاما على وفاتها، الأميرة ديانا تعود إلى "متحف جريفين" في باريس ب"فستان التمرد" (صور)    القرنفل.. طقس يومي صغير بفوائد كبيرة    بعد علاقة دامت 10 سنوات، إعلان موعد زواج النجمين شين مين آه وكيم وو    بنك مصر والمجلس القومي للمرأة يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الشمول المالي وتمكين المرأة    أسامة كمال: نتنياهو يتجول في جنوب سوريا.. وحكومتها لا هنا ولا هناك تكتفي ببيان «انتهاك خطير».. وبس كده!    نائب رئيس الألومنيوم يعلن وفاة مدرب الحراس نور الزاكي ويكشف السبب    سبب غياب راشفورد عن تدريبات برشلونة    كاسبرسكي تُسجّل نموًا بنسبة 10% في المبيعات وتكشف عن تصاعد التهديدات السيبرانية في منطقة الشرق الأوسط    تجديد حبس سيدتين بسبب خلاف على أولوية المرور بالسلام    تجديد حبس المتهمين بسرقة طالب بأسلوب افتعال مشاجرة بمدينة نصر    ضياء السيد ل dmc: الرياضة المصرية بحاجة لمتابعة دقيقة من الدولة    ستارمر يستعد لزيارة الصين ولندن تقترب من الموافقة على السفارة الجديدة بدعم استخباراتي    وزير الرياضة يطمئن على وفد مصر في البرازيل بعد حريق بمقر مؤتمر المناخ    مستوطنون يشعلون النار فى مستودع للسيارات بحوارة جنوبى نابلس    دعما للمنتخبات الوطنية.. وزير الرياضة يلتقي هاني أبو ريدة في مقر اتحاد الكرة    "عائدون إلى البيت".. قميص خاص لمباراة برشلونة الأولى على كامب نو    غلق باب الطعون الانتخابية بعدد 251 طعنا على المرحلة الأولى بانتخابات النواب    تطعيم 352 ألف طفل خلال الأسبوع الأول لحملة ضد الحصبة بأسوان    هل عدم زيارة المدينة المنورة يؤثر على صحة العمرة؟.. أمين الفتوى يوضح    الجبهة الوطنية يكلف عبد الظاهر بتسيير أعمال أمانة الجيزة عقب استقالة الدالي    رئيس الوزراء: مشروع الضبعة النووي يوفر 3 مليارات دولار سنوياً    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وعدد المترشحين بها    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل مصر فى سيناء
نشر في المصريون يوم 22 - 08 - 2011

(1) تعرف إسرائيل أن مصر بعد الثورة ليست هى مصر مبارك التى كانت مطمئنة إليها غاية الاطمئنان.. فقد كان نظام مبارك يوفر لإسرائيل حماية حدودها من التسلل ومن تهريب السلاح والغذاء إلى المقاومة الفلسطينية.. لهذا الغرض أقام الجدار الفولاذى وأغلق معابر غزة.. لمساعدة إسرائيل فى حصار الفلسطينيين والقضاء على المقاومة.. ووضع نفسه فى خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.. لقد وُصف مبارك بحق بأنه "كنز استراتيجي لإسرائيل"؛ فبتأمينه لحدودها فى سيناء والتفانى فى تحقيق مصالحها، توفرت لإسرائيل طاقات عدوانية إضافية لم تكن لتحلم بها لولا وجود مبارك ونظامه.. من ذلك أنها استطاعت أن تتفرغ للتخطيط الهادئ والعمل المتواصل على تهويد القدس ومحو معالم الإسلام والعروبة فيها.. وترويع من بقى من سكانها لدفعهم خارج أرضهم إلى المنافى العالمية.. وأوشكت أن تكلّل جهودها للسيطرة المطلقة على فلسطين كدولة عنصرية قاصرة على اليهود..
(2) ولكن من سوء حظ إسرائيل.. أو قل: هكذا أراد الله أن يردّ بعض كيدها فى نحرها.. حيث تفجّرت الثورة المصرية .. وامتدت إشعاعاتها التحريرية إلى بقاع أخرى فى بلاد العرب بل ألقت بظلالها فى داخل الأرض المحتلة .. بحيث يمكن القول أن انطلاق الثورة المصرية (الذى ينذر بتغيير الأوضاع فى المنطقة بأسرها) يكتب مرحلة جديدة فى تاريخ الكيان الصهيوني.. مرحلة شديدة الغموض.. حافلة بالنذر والمخاطر غير المنظورة..
لقد أصبحت إسرائيل تشعر بالذعر من مستقبل مجهول خصوصا إذا استمرت الثورة فى تحقيق أهدافها وتمت الانتخابات البرلمانية فى موعدها وأصبح لمصر برلمان حر، وحكومة وطنية منتخبة ورئيس دولة منتخب ودستور جديد.. وأصبحت مصر مالكة لإرادتها الحرة، قادرة على تطوير إقتصادها وتنميته لصالح الشعب المصري كله .. لا لفئة اللصوص والعصابات الحاكمة التى احتكرت ثروة الأمة وبددتها فى شعاب الأرض، كما كان الشأن فى عهد الاستبداد ...
(3) ولا بد فى هذه الظروف الجديدة التى قلبت الأوضاع حول الكيان الصهيوني أن يرد هذا السؤال على الذهن: هل يمكن أن تجلس إسرائيل واضعة خدها على يدها فى انتظار ما تأتى به الأقدار من أحداث مزلزلة...؟ هل تقعد إسرائيل تستقبل الأحداث الجارية وهى التى اعتادت أن تسبق الأحداث وتصنع الصورة التى ترغب فى تحقيقها واقعا على الأرض...؟!
لقد حاولت إسرائيل فى بداية الثورة وتحركت معها الترسانة الأمريكية بكل ماتملكه من قوى الترهيب والترغيب لتحريف مسار الثورة، والقبول بنظام شبيه بنظام مبارك تحت شخصية عسكرية صديقة ومأمونة مثل "عمر سليمان" أو أحمد شفيق أو واحد آخر من المجلس العسكري.. وقد فشلت هذه المحاولات المبدئية تماما.. حيث أسقط الشعب فى ميدان التحرير عمر سليمان.. كما أسقط أحمد شفيق وحكومته.. ولم يستجب أحد من المجلس العسكري للإغراءات، ولا للتهيدات الأمريكية ..
(4) لم تتوقف المحاولات الأمريكية الصهيونية عند هذا الحد بل تواصلت وتمدّدت فى مجالات أخرى : فى مجال الاستخبارات والجاسوسية.. وقد علمنا أطرافا من قضية الجاسوسية الصهيونية وأهدافها وبقيت أطراف أخرى من القصة مازالت مجهولة لم ترشح إلى الإعلام بعد..
وفى مجالات أخرى يتم تمويل شخصيات وكيانات صحفية وإعلامية، وأنشطة ما يسمى فى مصر بالمنظمات المدنية .. التى عرفنا جانبا من تمويلها الأمريكي الذى بلغ –كما صرحت السفيرة الأمريكية- أربعين مليون دولار تم توزيعها بالفعل على هذه الجهات من وراء السلطات المصرية.. بغرض تنفيذ أجندات أجنبية مخطّطة لتمزيق الصف المصريّ وتشويه الثورة وإحداث انشقاقات بين القوى السياسية.. وافتعال صدامات بين الشعب، وبين القوات المسلحة.. وذلك لإحداث مزيد من الفوضى والاضطرابات فى المجتمع المصري تحول بينه وبين الوصول إلى حالة الاستقرار والتعافى .. وتصرفه عن مساره الديمقراطي والانطلاق فى طريق التنمية الاقتصادية والإنتاج..
(4) من مظاهر هذه الجهود التخريبية شهدنا اعتصامات لمجموعات من الخلطاء المتظاهرين مع البلطجية فى ميدان التحرير.. تمولها جهات وشخصيات محلية مشبوهة (اعترفت فعلا بتمويلها).. كما شاهدنا حملات إعلامية تروّج لأفكار خلافية بين التيارات السياسية المختلفة لتعميق الصراعات والتمزّقات فى النسيج الوطني الواحد مثل:
الصراعات المفتعلة حول قضايا: الدولة المدنية.. أو الدولة العلمانية فى مقابل الدولة الدينية.. [وكلها مصطلحات ضبابية غير محدّدة المعالم]، ولكن المهم أن هناك محاولات لفرض أفكار الأقليات المأزومة على الإرادة الشعبية الغالبة.. بالحديث عن المواد فوق الدستورية أو تحت الدستورية ، أو المواد الحاكمة للدستور.. والغريب أن هذا التهريج الإعلامي يجد له صدًى فى أروقة الحكومة والمجلس الأعلى.. ويتحدث عنه نائب رئيس وزراء كان يبدو لى محترما فى أول الأمر ولكنى آسف له.. لأنه لم يتعظ بمصير سابقه فى الوظيفة الدكتور يحي الجمل..
ولا أنسى فى هذا السياق أن أنوّه بالتهريج الإعلامي الذى يروّج لقصص عن مواجهات وصراعات سرية جرت فى القصر الجمهوري بين جمال مبارك وعمر سليمان وأطراف أخرى حول التوريث .. وهي قصص مقصود بها تلميع صورة عمر سليمان ومحاولة التمهيد له كمرشح لرئاسة الجمهورية، بنسبة بطولات إليه لم يقم بها.. ولكن القصص السرية لها عشّاق يتمتعون بقدر كبير من السذاجة بحيث يبتلعون الطعم وهم يظنون أنهم قد وقعوا على كنوز نادرة من الأسرار الثمينة...
(6) لقد أشرت آنفا إلى الجهات التى تسعى وتغذّى كل هذا التهريج والتشويش والفوضى الفكرية التى تستهدف المجتمع المصري لتمزيق نسيجه الواحد باللعب على نقاط الخلاف السياسية والطائفية.. وشغله عن مصيره ومستقبله الحقيقي، بمعارك جانبيه تنهكه وتستنزف طاقاته.. وأضيف مؤكدا أن هذه الجهات لم تصل بعد إلى تحقيق ما تهدف إليه كما تريد وأن كل محاولاتها ستبوء بالفشل عاجلا أو آجلا.. ولذلك لجأت إسرائيل مؤخرا إلى التصعيد العسكري على الحدود المصرية.. مصحوبا بحملة إعلامية تهدد فيها بإعادة احتلال سيناء..
وأكاد أرى الأصابع الإسرائيلية فى الإضطرابات الأمنية بالعريش والهجوم على قسم الشرطة بها .. بل أرى نفس الأصابع الإسرائيلية فى الهجوم الذى تم فى داخل الحود الفلسطينية على أتوبيس يحمل جنود إسرائيليين ومقتل عدد منهم.. والزعم بأن الجناة فلسطينيين جاءوا من غزة عبر سيناء ليخترقوا الحددو ويفعلوا ما فعلوا.. وليست هذه أول مرة ولا آخر مرة فى تاريخ إسرائيل تدبّر هجمات من هذا النوع على شعبها، ثم تنسبه إلى الآخرين، لتحقيق أهدافها .. ولا مانع أن يشترك فى هذا عملاء لها من فلسطين أو من سيناء أو حتى من الهند.. فهو فى النهاية صناعة إسرائيلية أصيلة تجيد حبكها أجهزة المخابرات الصهيونية...
وليس من العسير أن نفهم أن وراء تفجير الأوضاع فى سيناء وعلى الحدود المصرية أسباب وأهداف إسرائيلية.. من هذه الأسباب: أوضاع فى داخل إسرائيل نفسها تهدد حكومة نتنياهو المؤسسة على إئتلاف هش بين مجموعات سياسية متطرفة تورطت فى حماقات ومغامرات خارجية مثل الاعتداء العسكرى على قافلة المساعدات الإنسانية التى كانت فى طريقها إلى غزة .. وقد تم الاعتداء عليها فى المياه الدولية.. مما أثار الرأي العام العالمي عليها وتسبب فى خسرة إسرئيل لتركيا كحليف استراتيجي تقليدي فى المنطقة..
ومنها تصاعد المظاهرات ضد السياسيات الإقتصادية للحكومة الإسرائيلية واشتراك أعداد كبيرة غير مسبوقة من المتظاهرين على النمط المصري.. مما يهدد الائتلاف الحكومي الهش بالانهيار إذا استمرت هذه المظاهرات طويلا على الساحة.. وقد ظنت الحكومة الإسرائيل أنها بتصدير مشكلاتها الداخلية عبر الحدود المصرية قد يهدّئ الأوضاع المضطربة فى الجبهة الداخلية..
ومنها فشل حليفتها الاستراتيجية الكبرى (أمريكا) فى سياساتها الخارجية وفى حروبها بالعراق وأفغانستان.. واقتراب نهايتها الإمبريالية.. وأهم من كل هذا ضعف تأثير أمريكا فى ضبط إيقاع الحركة المصرية بعد الثورة.. وعدم استجابة مصر للضغوط الأمريكية.. سواء بالترغيب أو بالتهديد بتقليص أو منع المساعدات لمصر.. هذا العامل السحري الذى كان فاعلا بكفاءة فى عهد مبارك لم يعد فاعلا على نفس المستوى والقوة فى عهد الثورة.. إسرائيل تدرك هذا أكثر من غيرها.. لذلك لجأت مؤخرا لتفجير الأوضاع على الحدود وفى سيناء.. وهى نقطة الضعف الكبرى فى مصر.. لماذا...؟!
لأن اتفاقية كامب ديفيد فرضت على مصر إخلاء سيناء من القوات المسلحة فيما عدا أعداد محدودوة من الشرطة على الحدود .. وقوات عسكرية للحماية على شريط ضيق ممتدّ بحذاء الشاطئ الشرقي لقناة السويس .. كما فرضت عليها ألا تزيد عدد القوات فى هذا الشريط عن حدود معينة وكذا الآليات والمعدات العسكرية بحيث لا تستطيع مصر إضافة دبابة واحدة أو مدرّعة واحدة على هذه الأعداد المتفق عليها.. وهناك تفتيش ورقابة أمريكية دورية ترصد وتمنع أي تغيير فى هذا الشريط..
وعندما طُلب من مصر حماية الحدود المصرية من تهريب السلاح عبر الأنفاق إلى غزة طلبت مصر الإذن من إسرائيل بزيادة عدد قوات الأمن على الحدود المصرية.. وعندما اشتكت إسرائيل مؤخرا من الاضطرابات فى سيناء عادت مصر [تطلب السماح لها] بإضافة ألف جندى لمواجهة العصابات المسلحة هناك على الحدود..
(7) هذه القوات فى مجموعها وبتسليحها البائس لا تصمد ساعة من نهار أمام الزحف الإسرائيلى .. فلو أرادت إسرائيل إعادة احتلال سيناء لاستطاعت الوصول إلى الشاطئ الشرقى لقناة السويس فى بضع ساعات دون عائق يذكر.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى ونتيجة للسياسات الغبية والحمقاء لمبارك ووزير داخليته العادلي.. تم تدمير التركيبة القبلية التى كانت سائدة فى سيناء والتى ضمنت لها فى الماضى استقرارها النسبي.. وحافظت على الحد الأدنى لولاء سكان سيناء للوطن الأم على مر العصور، رغم ما تعرّضت له سيناء من غزوات واعتداءات أجنبية.. واحتلال لفترات طويلة من الزمن..
استطاع الشيطان ووزير داخليته تدمير هذه التركيبة الاجتماعية القبلية.. وأحال سكانها بالقمع الأمني وإهدار كرامة الأسر، وتأليب القبائل بعضها على بعض، إلى مجتمات ممزقة كارهة للسياسة المصرية.. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا سلبيا على روح الإنتماء والشعور الوطني لأبناء سيناء؛ ففى هذا المناخ المتفسّخ يصبح من السهل إختراق مثل هذه المجتمعات.. وتجنيد عملاء لخدمة الأعداء .. وبسبب عوامل التفتيت وما أضيف إليها بعد الثورة من انهيار القبضة الأمنية انتشرت فى سيناء عصابات تجارة المخدرات والأسلحة والتهريب.. والجماعات المتمرّدة التى يحلو لبعض جهات إعلامية وصحفية أن تصفها (جهلا وبلا تحقيق ولا دراسة) بالجماعات الدينية السلفية تارة، وبأعضاء القاعدة تارة أخرى، وينسبون إليها السعي لإقامة دولة أو إمارة إسلامية مستقلة فى سيناء...
(8) هنا تلتقى الأهداف الأمريكية الصهيونية مع أهداف بعض القوى السياسية العلمانية، والعصابات الإعلامية والصحفية المموّلة من الخارج ومن الداخل أيضا [ من ساويرس وغيره]، فى نقاط أساسية ومحورية منها:
تحويل الاهتمام بعيدا عن العملية الديمقراطية وقطع الطريق على استحقاقاتها الوشيكة.. والانشغال بالخطر الداهم القادم من الحدود .. والاضطرابات المتصاعدة فى سيناء والتى لا تستطيع مصر بقواتها الأمنية الهزيلة أن تتصدّى لها ..
وتتعرض الحكومة والمجلس الأعلى لانتقادات شديدة من جانب الشعب المصري لتقصيرهما فى الرد على القصف الإسرائيلي للجنود المصريين.. وتقوم المظاهرات فى مصر تطالب بطرد السفير الإسرائيلي من مصر وقطع العلاقات مع إسرائيل.. وكلام كثير عن إلغاء أو تعديل اتفاقية كامب ديفيد، وضرورة انتشار القوات المسلحة فى أرض سيناء، وقطع إمدادات الغاز وإلغاء إتفاقية الكويز.. ويبدو أننا قد نسينا أن الأصل فى كل هذه المصائب والأوضاع التعيسة التى نمر بها كلها ميراث مُثقلٌ بالفساد من تركة النظام السابق ورئيسه المخلوع..
(9) يبدو الإعلام المصري فى تناوله للقضية مستفزا ومضللا حيث يعرض أخباره محمّلةً بإيحاءات، هى فى الحقيقة آراء سابقة التجهيز، تُعرض وكأنها حقائق مقرّرة.. لا يكتشف زيفها إلا المراقب المدقق.. مثلا أنظر إلى هذا الخبر الوارد على هيئة سؤال للقارئ فى بوابة الشروق: " تشهد شبه جزيرة سيناء، اضطرابات أمنية وصراعات بين القبائل، إضافةً إلى انفلات أمني حدودي، وتصاعد للتيار الإسلامي المسلح، مما ينذر بتكرار كوارث إقليمية... في رأيك.. ما هي أسباب هذه التوترات.. وكيف يمكن معالجتها؟
فى هذه الفقرة القصيرة وصف سريع لما يدور على الساحة الإعلامية من أخبار، ولكن أبرز مافيها عبارة "تصاعد التيار الإسلامي المسلح" وهي مسألة لم ينتهِ التحقيق الرسمي فيها بشيئ حتى الآن ولم يقم أحد ببحث الأمر والتحقيق فيه للوصول إلى أدلة تؤكده أو تكشف عن أبعاده الصحيحة.. فهى مجرد تكهّنات .. ومع ذلك تطرح فى الخبر كأنها حقائق مقررة..
أكثر من هذا أن يُنسب إليها أنها تنذر بتكرار كوارث إقليمية".. كأننا نجهل أن مصدر الكوارث الإقليمية كلها من صنع الكيان الصهيوني...! ولكن الرسالة تلتفّ على هذه الحقيقة بكلام غامض لم يتثبّت صاحبه منه، ولكنه يحمل رسالة واضحة وهو أن شيئا إسمه "التيار الإسلامي المسلح " قادم على الأبواب وهو ينذر بخطر داهم .. وهذا هو لب الرسالة الإعلامية المقصودة: إثارة القارئ ضد التيارات الإسلامية.. ليس فى ىسيناء بالذات ولكن على الساحة السياسية هنا.. وذلك خلال عملية (الاقتران والتشابه المبرمج) .. لقد اجتذب هذا الخبر 85 تعليقا من القراء.. تابعتها محلّلا ورأيت كيف بلغت الرسالة الإعلامية غايتها من تضليل القُرّاء وتشويش أفكارهم.. (فيما عدا تعليق واحد نجا صاحبه -فيما يبدو- لحسن فهمه وثقافته السابقة عن الموضوع.).. وقد تأكّد عندى أن هدف الرسالة الإعلامية الملغومة كان مقصودا لأنه تكرر فى سياقاتٍ صحفيةٍ وإعلاميةٍ إخرى...
والحقيقة التى لا يحب أن يعترف بها أصحاب الهوى والمصالح الشخصية فى الإعلام والسياسة أنه لا يوجد فى سيناء والعريش جماعات سلفية مسلّحة.. ولا عناصر قاعدة ولا نائمة ولا يحزنون .. وإنما (بالإضافة إلى الأصابع الصهيونية التى تلعب من وراء ستار) هناك أطراف معروفة خلف الاضطرابات فى سيناء: من أرباب السوابق والعملاء والخارجين على القانون، ثم أهالى الشهداء من أبناء سيناء الذين لقوا مصارعهم على يد رجال أمن العادلي وسيده المخلوع.. وقد بلغ عددهم 230 شهيدا سقطوا على مدى السنوات الماضية ..
هؤلاء الأهالي يتوقعون اعتذارا من وزارة الداخلية التى قتلت أبناءهم وامتهنت كرامتهم.. وأن تتعهد لهم قوات الأمن الجديدة بالتخلّى عن سياسات القمع والتخريب.. وضرب القبائل بعضها ببعض.. وأن تقتص لهم الدولة من قاتليهم.. وبعد كل هذا وأهم منه إعادة النظر إلى أبناء سيناء باعتبارهم جزءًا من النسيج الوطني المصري.. وإعادة النظر إلى سيناء نفسها .. ليس باعتبارها صحراء قاحلة.. فهى ليست كذلك، بل هى أرض مقدّسة عامرة بالخير والثروات.. وليست كما يُظن بها ملجاً للخونة وأنصاف المصريين..
(10) العقلاء المخلصون لوطنهم ينظرون إلى سيناء باعتبارها الدرع الواقى لمصر كلها من الخطر الإسرائيلى... فهذا هو قدر سيناء فى تاريخها الطويل.. وهذا هو مصيرها المستقبلي بعد أن يتم تعميرها بمشروعات صناعية وزراعية عملاقة.. وانتقال ملايين المصريين إليها من سكان الدلتا المكتظة.. للعيش فيها و تعمير هذا الجزء العزيز على قلوب المصريين جميعا .. مستقبل مصر الحقيقي وازدهارها وأمنها يقع فى سيناء.. وهذا ما يجب أن نلتفت إليه بشدة ونعنى به العناية الواجبة...!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.