من أعظم ما يهدد حياتنا التفلت من القيود وتجاوز الحدود، ومن المعلوم أن الإنسان لم يخلق سدى بل خلق مقيدا، ودع عنك ما لا يفيد من قول أو رأي يخالف نص الشارع، قال رب العزة تعاظم وارتفع: "أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى" فالقضية محسومة بنص قرآني ولا عبرة لكلام آخر هو في حقيقته محض آراء لأن مصادر معرفتنا محددة فلا مصادر للأحكام إلا للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وليس هناك مصادر أخرى. قال صلوات الله عليه وسلامه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) متفق عليه، لا يختلف العلماء الثقات أن سبب تخلف الأمة الإسلامية الكبيرة هو انفصالها عن شريعة ربها والجري وراء محض الآراء. ولا نزال نجري وراء محض الآراء منذ الغزو الفرنسي لمصر الذي اعتبره البعض فتحاً مبيناً وما هو إلا التدمير في أقسى صورة لكل ما يمت لعقيدة الأمة وخصائص حضارتها بلا أدنى مبالغة وليرجع من يشاء إلى كتاب الجبرتي (عجائب الآثار) ليقرأ عن الغزو الفرنسي لمصر وآثاره ويستبعد آراء رواد المقاهي الفرنسية ومدرسة الكوليدج دي فرانس !! إن المقاهي الفرنسية أو غير الفرنسية لا تشكل إلا الأفكار المزيفة والألوان الثقافية الباهتة !! إن تصاعد منحنى التفسخ وتخطي الحدود وكسر القيود يقود في النهاية إلى سقوط للمجتمع بالكلية كما ذكر ابن خلدون والشاطبي رحمهما الله. ليست هناك حرية مطلقة كما يتوهم الكثير. إنه وهم وضعه الغرب والآن يندم على ما آل إيه الوضع ويحاول البعض الآن الرجوع إلى منظومة الأخلاق كمنظومة حاكمة مسيطرة في كل نشاطات الحياة وهي المنظومة التي يقوم منهج الأمة الإسلامية على أساسها (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) إن الغرب الآن يدفع ثمن خروجه على الضوابط والقيود المتعارف عليها وأصبح لدى المفكر الأوربي قناعة شديدة للرجوع إلى منظومة القيم الإسلامية العليا حتى وأن لم يسلم وقد ينتهي إلى الإسلام كما انتهى كثير من كبار رجال الفكر الأوربي الحديث ومن أشهرهم (آنا ماري شميل)، (مراد هوفمان)، (روجيه جارودي)، (روجيه دي بوسكوية وزوجته)، (موريس بوكاي) وغيرهم كثير. نعم، لقد خلق الإنسان مقيدا وعليه الاختيار بين الالتزام بالضوابط أو رفضها والخروج عليها، إنه مسئول عن اختياره بلا شك. - اختيار سارتر للإلحاد. - اختيار مراد هوفمان للإسلام كل مسئول عن اختياره. إن منحنى الهم في تصاعد مستمر. متوالية هندسية لا نهائية. إننا نتراجع بشكل مخيف، نتراجع في التمسك بمنظومة القيم العليا بل ونسخر منها ومن كل منتم إليها ومتمسك بها وكل داع إليها، لقد بلغ بنا الاستخفاف بالأخلاق حدا مفزعاً والميل إلى الباطل والرجوع عن الحق ظاهرة مؤسفة تجتاح المجتمعات الإسلامية بشكل عام كنتيجة طبيعية لمحاربة منظومة القيم العليا والاستخفاف بمفرداتها والعمل ضدها ووضعها إعلامياً موضع السخرية والتنذر ! منحنى الهم في تصاعد. الأمم تسقط والحضارات تنتهي ولكن الأمة الإسلامية كلها مليار وأكثر من نصف مليار مسلم لا تسقط ولا تنتهي إنها فقط تذبل وهي الآن في ذبول إلا قليلاً لأنها الأمة الشاهدة على الأمم يوم القيامة إلا يعتبر هذا التميز للأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم وأفعالنا لنغير أفعالنا نحو الأفضل حتى نلقى الله وهو راض عنا، اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً والحمد لله على كل حال ولا حول ولا قوة إلا بالله.