تعكس الأرقام التي أوردتها منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي لعام 2014 قلقا متزايدا بشأن المخاطر التي باتت تهدد حياة الصحافيين. يشير التقرير إلى مقتل 66 صحافياً خلال عام 2014 حيث شكلت سورية البلد الأخطر للصحافيين، تلتها الأراضي الفلسطينية، ثم شرق أوكرانيا والعراق وليبيا. يظهر التقرير تطور طبيعة العنف وأساليبه ضد الصحافيين بما في ذلك التهديد وقطع الرؤوس، لأغراض سياسية وعسكرية، وارتفاع عدد المختطفين بنسب عالية، إذ اختطف نحو 120 صحافياً لا يزال حوالى 40 منهم يحتجزون كرهائن، بينما يقبع نحو 178 صحفيا في السجون في مختلف دول العالم. هذه الأرقام التي تزداد مع ازدياد حدة التوترات والنزاعات في العالم، تهدد بنسف مهمة المراسل الميداني الذي بات يخشى على حياته، فلم تعد الحكومات والتيارات والجماعات المسلحة تكتفي بالتضييق على حرية الصحافي ومنعه من ممارسة وظيفته، بل تعتقله وتختطفه وتقتله على رؤوس الأشهاد كما شاهدنا في مقاطع فيديو كثيرة. وتبدو مناشدات المنظمات الحقوقية والصحافية في هذا السياق دون جدوى، فمن يستخدم الرصاص والسيف في مواجهة الكاميرا والقلم لا يمكن له أن يصغي إلى تلك الدعوات التي تطالبه بالكف عن خطف وقتل مراسلين هم، بطبيعة الحال، ليسوا طرفاً في الصراع، بل هم جنود مجهولون يسعون إلى نقل الحقيقة.
ولا شك أن نقل الحقائق هو الذي يدفع بهذا الطرف أو ذاك إلى خنق الصوت الإعلامي، بالاغتيال والخطف والاعتقال، وهو ما يعيد إلى الأذهان تلك المقولة التي تنسب للزعيم النازي أدولف هتلر الذي كان يقول: "كلما سمعت بكلمة مثقف، تحسست مسدسي". هذه المقولة اصبحت لسان حال الحكومات والجماعات المسلحة المستعدة للضغط على الزناد كلما وجدت كاميرا أو قلما في يد مصور تلفزيوني أو صحافي.
ويرى التقرير أن المناطق الخاضعة لداعش في سوريا والعراق تمثل جحيما للحافيين، إذ ينتهج هذا التنظيم سياسة إعلامية دموية، حيث يتلقى الصحفيون تهديدات شخصية كما يتعرضون للمطاردة والخطف والقتل، مما ترتب عنه ما يسمى بظاهرة “الثقوب السوداء على المستوى الإعلامي”، كما هو الحال مثلاً في محافظة الموصل (شمال غرب بغداد)، حيث فر معظم الصحفيين خوفاً من الاضطهاد والانتقام. وفي محافظة دير الزور السورية، حددت الدولةالإسلامية 11 قاعدة تحكم عمل الصحفيين الراغبين في تغطية أنشطتها، حيث تشمل قائمة القواعد تلك مبايعة الخليفة أبو بكر البغدادي. “سوف نقطع أصابعك إذا واصلت الكتابة“. هذه عينة من أشكال التهديدات التي تواجه الصحفيين في شرق ليبيا بانتظام. فبينما تغرق البلاد يوماً بعد يوم في مستنقع الفوضى، فإن الحرب الدائرة بين الميليشيات المتناحرة تحصد الأخضر واليابس في صفوف شهود العيان أمام إفلات تام من العقاب. ففي غضون خمسة أشهر فقط، قُتل ثلاثة صحفيين في الشارع أمام الملأ، علماً أن أصغرهم سناً كان في ربيعه الثامن عشر. وفي المقابل، اختُطف تسعة آخرون، بينما أصبح من المستحيل إحصاء أعداد المحتجزين أو الذين يواجهون التهديدات في بلد حيث بات مجرد حمل كاميرا أو بطاقة صحافة ضرباً من الشجاعة. ويلحظ تقرير منظمة "مراسلون" الزيادة الكبيرة في صفوف النساء الصحفيات اللاتي لقين مصرعهن، إذ تضاعف العدد من ثلاثة العام الماضي إلى ستة هذه السنة، حيث وقعت تلك الاغتيالات في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى والعراق ومصر وأفغانستان والفلبين والمكسيك.