فيما يُواصل الرئيس أوباما مشاوراته مع الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، بعد اتفاقهم على النظر في مزيد من الإجراءات لدعم الشعب السوري من خلال تكثيف الضغوط على نظام الأسد مع نهاية الأسبوع الذي حدّده مجلس الأمن في بيانه الرئاسي، لتلقي تقرير من الأمين العام للأمم المتحدة عن تطوّرات الوضع في سوريا.. .. طالب بان كي مون، الرئيس الأسد بالوقف الفوري لاستخدام القوة العسكرية ضد المتظاهرين المدنيين ووقف الاعتقالات الجماعية للمعارضين. ولكن ما الذي بوسْع إدارة أوباما عمله لوقف تردّي ممارسات الأسد إلى مستوىً فاق ما فعله القذافي بشعبه؟ swissinfo.ch طرحت هذا السؤال المحيِّر على البروفيسور دانيال سيروار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز وخبير حلّ الصِّراعات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، فقال: "يبدو أن أفضل خِيار أمام إدارة أوباما، هو حشْد تأييد دولي لفَرض عقوبات مُوجعة على بشار الأسد، من خلال حظر استيراد البترول السوري، حيث سيكون لمثل ذلك الحظر، تأثير هائِل على مصادر تمويل النظام السوري لعمليات قمْع الشعب، والتي تتصاعد تكلفتها اليومية مع زيادة استِخدام الجيش والدبّابات ضدّ المدنيين العُزَّل." ولام الخبير الأمريكي إدارة أوباما على سَذاجتها السياسية، حينما ظلّت لشهور تدعو الرئيس الأسد لتطبيق الإصلاحات التي تعهَّد بها لشعبه، بينما يزداد تلطُّخ يديْه بدماء أبناء شعبه يوما بعد يوم، ولكنه التَمَس لها بعض العُذر، في أنه لم يكن بوسعها استخدام لغة صارمة وتحذيرات قوية وحازمة، فيما هي عاجزة على أن تقرن تلك المواقف القوية بإجراءات عملية وملموسة، فتصبح الولاياتالمتحدة بذلك نمرا ورقيا. صعوبة التدخل العسكري ويرى البروفيسور سيروار، أن موقف الجامعة العربية المتردِّد بسبب انقسام الآراء بين الدول الأعضاء إزاء مذابح بشار الأسد ضد شعبه، لم يوفّر أرضية مماثلة لتلك التي أمكَن لأوباما استخدامها لتمرير قرار من مجلس الأمن يسمَح بتدخُّل عسكري دولي لحماية المدنيين الليبيين. وفيما أقَر الخبير الأمريكي بصعوبة اللجوء إلى التدخُّل العسكري الدولي في سوريا، خاصة مع عجز حملة "الناتو" الجوية على حسْم الموقف في ليبيا، ومواصلة الاعتراض الروسي على أي إجراء مماثل في سوريا، فإنه يرى إمكانية متزايِدة للتنسيق بين الولاياتالمتحدةوروسيا فيما يتعلق بتدهْوُر الأوضاع في سوريا: "لقد بدأت روسيا تتعاون شيئا فشيئا مع الولاياتالمتحدة تحت وطْأة تردِّي الوضع في سوريا، كما اتضح في البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن. وأعتقد أن تصريحات الرئيس الروسي الأخيرة تُوحي بإمكانية زيادة مستوى التنسيق، حينما لوَّح باحتمال النظر في اتِّخاذ إجراءات جديدة ضدّ النظام السوري، إذا ما أخفق بشار الأسد في استِبدال العنف بتطبيق الإصلاحات". وأعرب البروفيسور سيروار عن قلقه من الصِّين، التي قد يؤدِّي نهمها المتزايد في استيراد البترول من أي دولة تبيعه، بما في ذلك سوريا، إلى أن تصبح الصين وليست روسيا العقَبة أمام استصدار قرار من مجلس الأمن بحظْر دولي على استيراد البترول السوري. فزاعة الإسلاميين وعدم الاستقرار وردّا على سؤال ل swissinfo.ch عمّا إذا كانت التصريحات الأمريكية الأخيرة، بأن سوريا ستصبح أفضل بدون بشار الأسد، الذي يزعْزِع استقرار بلاده، بل والمنطقة، تتعارض مع الموقف الأمريكي السابق الذي كان يرى في رحيل الأسد خطرا على إسرائيل، قال الخبير الأمريكي: "لم يعُد بوسع الولاياتالمتحدة النظر إلى بشار الأسد ونظامه على أنه مصدَر استقرار للأوضاع، حتى مع إسرائيل. فقد أصبح رئيسا مرفوضا من شعبه الذي يواصِل التظاهر لإسقاطه، رغم آلة القمع المُخيفة والقوة العسكرية المُفرِطة المُستخدَمة ضدّ المدنيين. كما أنني لاحظت من مناقشاتي مع المسؤولين الأمريكيين أنهم لا يخشوْن من البديل الذي يمكن أن يحلّ محلّ الأسد، لأنهم لا يرون أن الإخوان المسلمين في سوريا قُوةٌ سياسيةٌ راديكالية." وخلص البروفيسور سيروار إلى أن التغيير في سوريا، لن يأتي إلا من الداخل عن طريق مواصلة الثورة الشعبية، مع الحفاظ على وِحدة المتظاهرين ومواصلة التِزامهم بعدم اللُّجوء إلى العنف، الأمر الذي سيُجبر قطاعات أخرى من الشعب السوري على الانضمام لصفوف الثورة الشعبية وتشجيع المزيد من أفراد الجيش على الانضمام لها. وأضاف الخبير الأمريكي، أن هناك إشارات مشجِّعة على تزايُد رفض بعض الجنود السوريين إطلاق النار على المتظاهرين، بل وفسَّر ظاهِرة انشقاق أعداد صغيرة من الجنود السوريين، على أنه بداية النهاية لنظام بشار الأسد. كلمة الشعب السوري هي المحك وقبل أن يعود روبرت فورد، السفير الأمريكي لدى سوريا إلى دمشق، بعد مشاورات مع الرئيس أوباما وغيره من كِبار المسؤولين الأمريكيين، وبعد الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس عن الأوضاع في سوريا، قال إنه لن يتخلّى عن التَّواصل الشخصي مع الشعب السوري وكشف النِّقاب عن حملة أمريكية جديدة لزيادة التواصل الاجتماعي مع المجتمع السوري من خلال موقع الفيس بوك، للردِّ على أكاذيب الإعلام السوري، الذي يحاوِل تصوير الموقِف على أنه حملة عسكرية لقمْع عصابات مسلَّحة تشيع الفوضى في المدن السورية، بينما لم يشاهِد في جولاته الميدانية، التي أزعجت نظام الأسد، أي مظاهِر مسلحة بين المتظاهرين السوريين السِّلميين. وقال السفير فورد: "صحيح أن الولاياتالمتحدة قالت مِرارا وتِكرارا إن الرئيس بشار الأسد قد فقد شرعيته، ولكن ليس المهِم ما تقوله الولاياتالمتحدة أو يفعله المجتمع الدولي، ولكن المهِمّ هو ما يقوله الشعب السوري وما يفعله." وأوضح السفير الأمريكي لدى سوريا الفارق الأساسي بين الحالتيْن، الليبية والسورية، فقال: "مع تشابُه أسلوب بشار الأسد مع نهْج معمر القذافي في استخدام القوات المسلحة لقمع المتظاهرين السِّلميين، فإن الفارق الأساسي هو أن الثوار الليبيين طالبوا بالتدخُّل الخارجي لحماية المدنيين، بينما أكَّد لي كل مَن قابلتهم من السوريين، حتى في حماه التي تشهد أفظَع الأعمال الوحشية على أيدي النظام السوري، أنهم لا يريدون تدخُّلا خارجيا في سوريا". وخلص السفير الأمريكي إلى أن ما يُمكن للولايات المتحدة أن تعمله لمساعدة الشعب السوري، هو إحكام الضغوط على نظام الأسد بسلْسلة من العقوبات الأمريكية والعقوبات المُشتركة مع شركائها الدوليين، لإجبار نظام الأسد على وقف العُنف المسلَّح ضد المدنيين السوريين وإطلاق سراح السجناء السياسيين ووقف حملات الاعتقال الجماعي، التي يقوم بها النظام في أنحاء البلاد. المصدر: سويس انفو