هاجمت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بشدة قرار مصر منع الباحثة ميشيل دن من دخول أراضيها. وفي افتتاحيتها في 16 ديسمبر, التي جاءت تحت عنوان "آخر الانتهاكات فى مصر", أضافت الصحيفة أن ميشيل دن كانت وصلت إلى القاهرة للمشاركة في مؤتمر ينظمه المجلس المصري للشئون الخارجية القريب من الحكومة المصرية, وأنه تم بالفعل ختم جواز سفرها في المطار والسماح لها بدخول البلاد, قبل أن تسمع النداء عليها لتعود مرة أخرى إلى دائرة الجوازات في المطار, وإبلاغها بضرورة مغادرة البلاد. وتابعت "لا يمكن النظر إلى الباحثة ميشيل دن, التي ظلت تنتقد غياب الديمقراطية في مصر منذ سنوات طويلة, باعتبارها خطرا على الأمن المصري, إلا من منظور نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي, الذي لا يتسامح أبدا مع المعارضة". وانتقدت الصحيفة أيضا استمرار واشنطن في غض النظر عن استمرار القاهرة في اتخاذ "إجراءات قمعية بحق مواطنيها والأجانب", واصفة "نظام السيسي بأنه أكثر استبدادية من عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك". وأشارت الصحيفة، إلى أنها ليست المرة الأولى التي تمنع فيها مصر علماء وباحثين غربين من دخول أراضيها، فقد سبق ومنعت مسئولي منظمة "هيومان رايتس ووتش", بسبب تقريرهم حول فض اعتصام رابعة العدوية. وميشيل دن، هي باحثة بمعهد كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن، ودبلوماسية أمريكية سابقة, وكانت لها آراء معارضة للنظام الحالي في مصر، حيث انتقدت ما سمته "القيود الصارمة" المفروضة على المنظمات غير حكومية, والمضايقات والاعتقال, الذي يتعرض له النشطاء السياسيون، فضلاً عن انتقادها ما سمته "حملة القمع العنيفة", ضد جماعة "الإخوان المسلمين". وكانت "نيويورك تايمز" نشرت أيضا في الأسابيع الأخيرة سلسلة من التقارير والمقالات, التي تهاجم نظام السيسي. وجاء في مقال نشرته الصحيفة للكاتبة المصرية منى الطحاوي في 23 أكتوبر الماضي أن مؤيدي السيسي يعيشون في وهم كبير سينال منهم في النهاية. وأضافت الصحيفة أن مؤيدي السيسي الذين يمقتون "الإخوان"، يجرون وراء الأوهام, معتقدين أن "القمع الاستبدادي" الحالي في مصر, لن ينال منهم, رغم اعتقال العديد من النشطاء, الذين أيدوا مظاهرات 30 يونيو, التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي. وتابعت الصحيفة أنه منذ بدء العام الدراسي الجديد في مصر في 11 أكتوبر, شنت قوات الأمن حملة قاسية ضد الجامعات، واعتقلت ما لا يقل عن 200 طالب في جميع أنحاء البلاد. وكانت "نيويورك تايمز" نشرت أيضا "افتتاحية نارية" في 8 أكتوبر هاجمت فيها السيسي ونظامه الجديد، ودعت واشنطن والبيت الأبيض إلى تغيير سياساتهما تجاه القاهرة، فيما كان العنصر الأكثر لفتاً في تلك الافتتاحية أنها تأتي بعد أيام على أول زيارة للسيسي الى نيويورك وأول خطاب يلقيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الخطاب الذي قالت وسائل إعلام عالمية إنه كان يهدف الى "إنشاء موطئ قدم له لدى المجتمع الدولي". وتعتبر "نيويورك تايمز", التي تحمل لقب "السيدة العجوز" واحدة من أهم المؤشرات على المزاج العام لدى النخبة في الولاياتالمتحدة، كما أن الصحيفة تؤثر في صناعة القرار الأمريكي وخاصة المتعلق بالسياسات الخارجية. ودعت "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها إلى ربط المساعدات السنوية الأمريكية التي تقدم للجيش المصري والتي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار بتحقيق تقدم على مستوى الحريات والديمقراطية، كما دعت إلى مراجعة شاملة لطبيعة العلاقة مع مصر في ظل ما سمته "الانقلاب العسكري". ووصفت الصحيفة ما حدث في مصر يوم الثالث من يوليو 2013 بأنه "انقلاب عسكري", كما قالت إن الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالسيسي كانت "مزورة" . وقالت الصحيفة إن جماعة الإخوان المسلمين التي تصدّرت المشهد السياسي بعد ثورة يناير، يقبع أعضاؤها في السجون حاليا، مع اعتبارها جماعة إرهابية، وهو أمر "غير عادل"، وهو ما قد يجعلهم "عرضة للتشدد"، في وقت تقوم فيه الولاياتالمتحدة بإنشاء تحالف لمحاربة تنظيم "داعش"المتطرف. وتابعت الصحيفة "حكومة السيسي أحكمت قبضتها على وسائل الإعلام التابعة للدولة، في حين ينتظر صدور قانون غامض يشدد العقوبات على الأفراد الذين يتلقون تمويلا أجنبياً، ويجعل ذلك جريمة يعاقب عليها بالحبس مدى الحياة، بحجة محاربة الإرهاب، وهي الحجة التي استخدمتها الدولة من أجل إعاقة الجمعيات التي تدعو للديمقراطية". واتهمت الصحيفة الرئيس المصري ب"استغلال تطلع الشعب المصري، وتمسكه بالاستقرار، في سبيل تحصين بقائه في منصب الرئيس"، حسب تعبيرها. وأضافت "السيسي يحظى بدعم قوي من حلفائه في الداخل، وترويج إعلامي لشخصيته بما يفوق الهالة التي كانت حول الرئيس المخلوع حسني مبارك", مشيرة إلى أن "احتكار السلطة", الذي تشهده مصر حاليًا، لم تشهده منذ عهد محمد على باشا، وأشد قمعا مما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وأثارت الافتتاحية السابقة ردود فعل واسعة في مصر، حيث تناوله العديد من الصحافيين والسياسيين، وأبدى بعضهم غضبه مما جاء فيها, واعتبروها حملة أمريكية تستهدف مصر، وتدعم جماعة الاخوان المسلمين، بينما رآى آخرون من المعارضين لنظام السيسي أن الولاياتالمتحدة بدأت تكتشف بأنها كانت على خطأ عندما دعمت "الانقلاب العسكري"، وأن "القمع الذي تواجهه جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الراهن قد يولد حالة من التطرف والعنف".