هناك بعض الأمور يسمح فيها بالإعتذار، وأمور أخرى لايجوز فيها أي اعتذار، وإذا كان الإعتذار حلاً للمشكلات؟ فما الداعي من تشريع العقاب؟ قد يسبق الاعتذار العقاب ولكن هذا لايمنع من توقيع العقاب. والاعتذار هو صورة صريحة للتعبير عن الاعتراف بالخطأ أو بالإثم، ويمكن ان يقبل الاعتذار أو يرفض، وليس بالضرورة قبول الإعتذار بمجرد أن يتقدم به المخطئ. كما أن من شروط التوبة، الاعتراف بالذنب، والندم على الفعل والتعهد بعدم تكراره مرة أخرى، ومع كل ذلك، قد يقبل الله التوبة من العبد أو لايقبلها، فهل ستعترف الدانمارك بالخطأ؟ هل ستندم على ما صدر من أحد أو بعض رعاياها؟ هل ستتعهد بعدم تكرار مثل هذا العمل المشين ثانية؟ أشك في هذا. نحن في طلبنا للاعتذار من الحكومة الدنماركية، إنما نقبل مقدماً ذلك الاعتذار قبولاً مباشراً حتى بدون إبداء الأسباب التي دفعت إلى ارتكاب ذلك الفحش الجارح، بمعنى أن الحكومة الدنماركية إذا تقدمت باعتذار رسمي؟ لباتت النار رماداً، ولانطفأت الحرارة التي تسري في قلوب مسلمي العالم، ولتبدل الكره والغل والحقد عليهم الى حب وتسامح وتقرب منهم، ونعود مرة أخرى الى المساهمة في تنمية الاقتصاد الدنماركي من جديد، ونعدل عن المقاطعة، وتعود المياة لمجاريها، ونحاول تعويض الدنمارك عن أيام المقاطعة، وربما نعتذر لها عن اتخاذنا موقف المقاطعة. إن كبار علماء الأزهر يصرون على الاعتذارالرسمي من الحكومة الدنماركية، وقد أرسلت وفود الى كوبنهاجن لاستجلاب الاعتذارأو محاولة الحصول عليه بأي شكل دبلوماسي، فكيف نفسر ذلك؟ ألهذا الحد وصل بنا مستوى الضعف والمهانة لدرجة أن نقبل الاعتذار الشكلي الذي نستجلبه أو نستجديه؟ ونزداد مذلة ومهانة برفضهم حتى الاعتذار البيروقراطي الشكلي، بل يطلبون هم الاعتذار منا نحن المسلمين لعدم فهمنا للمسألة الدنماركية، أو فهمنا لحرية التعبير وحرية الصحافة. أننا لا نلقي المسؤولية على الأزهر الشريف ولا على الإمام الأكبر شيخ الأزهر الذي يحاول حل المشكلة بشكل سياسي أكثر منه ديني، كما لا ألقي التبعة على أي مؤسسة دينية مهما كبر شأنها أو صغر، وإنما ألقي المسؤولية على الوازع الديني المدفون في أعماق نفوسنا، إنه وازع حيّ، ولكنه نائم كسول خامل، لم يفق من سباته ولا يتحرك لدى البعض على الرغم من وقوعنا في هذه المأساة وتعرضنا لهذه الصدمة الجارحة. يجب أن نفكر في آلية جديدة، وروح مبدعة في كيفية التعريف بالاسلام وبرسوله الكريم من خلال ايفاد بعثات اسلامية على أن تكون على وعي كاف، وعلم عميق، لتكون مرافقة للجاليات العربية المنتشرة في جميع ارجاء العالم، لتعليم العرب المسلمين اولاً باصول الدين الاسلامي، ثم الانتشار بين غير المسلمين من خلالهم انفسهم أو من خلال من تعلموا، ولكن بعد تهيئة هؤلاء المبعوثين وتدريبهم على كيفية الحوار مع الآخر، وعلى كيفية تقبل الآخر، لا مجرد خطب يتشدق بها البعض من دون فهم لمحتواها، ومن دون علم بأحكام ما ورد فيها، يجب الإكثار من معاهد تدريب الدعاة، ولا بد أيضاً من التركيز على ترجمة السيرة النبوية الشريفة، وترجمة كتب الفقه والشريعة وقصص الأنبياء من المنظور الاسلامي، والفلسفة الاسلامية؛ لنضع الكرة في ملعب المقارنة، ولننتظر النتيجة. في الوقت الذي يتوفر لدينا زخم في برامجنا التلفزيونية (الاجتماعية والترفيهية والوطنية والعاطفية )، يوجد في المقابل ندرة في عرض البرامج الدينية، وبعض المعروض من ذلك النادر القليل يسيئ الى الإسلام أكثر مما يفيد، يحط من شأن المسلم أكثر مما يرفعه. لذا فإنه من الضرورة بمكان اهتمام وزارات التربية والتعليم بكل الدول العربية والاسلامية، الاهتمام بتدريس مادة التربية الاسلامية التي تكاد تكون مهملة ومهمشة في بلاد اسلامية كثيرة بكل أسف، الأمر الذي ينتج عنه تخرج ابناءنا من الجامعات، وقد يكونوا علماء ولكن لا يفقهون من أمر دينهم شيئاً. بيدو أن الرد على هذا الجانح وغيره ممن يشبهونه إنما لايكون إلا بتعريفهم بمن هو محمد صلى الله عليه وسلم، وما هو الاسلام؛ عندئذ، لا يجرؤ هو أو غيره إلا بإعلان إسلامه، ذلك الدين الذي حفظه الله وسيحفظه إلى أن تقوم الساعة، ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وختاما لمقالي، فنحن جميعاً دعاة الاسلام وحماته، فلا ينبغي لنا أن نفرط فيه، وواجب علينا الدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة، تتمثل في العلم والمعرفة ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ونحن لسنا في حاجة الى الاعتذار، بقدر ما نحن في حاجة الى تعريف الآخر بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم. أكاديمي متخصص في فلسفة الأديان الامارات – دبي E-mail: [email protected]