شهد العالم العربي في الآونة الأخيرة حالة مد غير مسبوقة للتيار الإسلامي تمثلت في صعود الإخوان المسلمين في مصر ، وحصولهم على خُمس مقاعد البرلمان المصري ، ثم الفوز الكاسح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة ، وبروزها كأهم قوة سياسية على الساحة الفلسطينية ، الأمر الذي أدى إلى نشوء حالة من الذعر الشديد لدى العالم الغربي ، خاصة وأن التيار الإسلامي وصل إلى هذه المكانة السياسية المتميزة عن طريق صناديق الاقتراع، وفي انتخابات اتفق الجميع على نزاهتها . في هذا السياق .. وفي مسعى لجس نبض أهم قوة سياسية معارضة بمصر - ذكرت صحيفة (الجارديان) البريطانية في تقرير نشر الجمعة 16/2/2006أن لندن تسعى لإقامة علاقات وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر والتي تعتبر أقدم الحركات السياسية الإسلامية في العالم العربي ، مشيرة إلى أن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو وافق على مضمون التوصية المذكورة ، على أن تكون العلاقة مع الإخوان المسلمين حذرة بحيث لا تضر بالعلاقات الثنائية مع القاهرة . ومما يبرز الأزمة التي يعاني منها الغرب بعد صعود المد الإسلامي ، نشوء حالة من الجدل داخل أروقة الخارجية البريطانية والتي نبعت من المأزق الكبير الذي تعاني منه لندن إثر النجاح المتميز للإسلاميين ، مما جعلها ترفض قبول نتائج الفوز الذي حققته حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر ، والجماعات السنية التي لها صلة بدعم المقاومة في العراق ، هذا على الرغم من حرص واشنطن وغيرها من العواصمالغربية على ابتزاز دول المنطقة باسم الديمقراطية وتشجيع الحرية !! وحسب (الجارديان) فإن موقف الخارجية البريطانية شهد بعض التذبذب في العلاقة مع حماس بعد الانتخابات، فبينما عارضت السفارة البريطانية في تل أبيب أي اتصال مع حماس ، أوصت القنصلية البريطانية في القدسالشرقية بإجراء اتصالات مع ممثلي المجالس المنتخبة. كما أكدت الوثيقة التي طالبت الخارجية البريطانية بفتح تحقيق حول ملابسات تسريبها على أن الحكومة المصرية تعتبر جماعة الإخوان المسلمين الوجه السياسي لمنظمة "إرهابية" وتصفها بالجماعة المحظورة على الرغم من أنه لا توجد أدلة على ضلوع الجماعة الحالية في أية عمليات مسلحة . كما أوصت الوثيقة السرية بضرورة إجراء اتصالات مع ممثلي الإخوان في البرلمان إلى جانب اللقاءات الرسمية مع الدبلوماسيين في الزيارات التي يقوم بها مسؤولون بريطانيون من الدرجة الوسطى إلى مصر، مضيفة أنه سيكون من الصعب على الغرب الحفاظ على مصداقية مطالبه لمصر بإدخال الإصلاحات الديمقراطية ، في الوقت الذي نفشل فيه في إقامة روابط مع أكبر جماعات المعارضة وأكثرها فاعلية على الساحة المصرية . وتناولت صحيفة (الديلي تليجراف) نفس القضية في افتتاحية نشرت بعنوان "الخوف من الديمقراطية" مشيرة إلى تداعيات تنامي نفوذ التيار الإسلامي على موقف الحكومات الغربية من الديموقراطية في الشرق الأوسط ، حيث أشارت في افتتاحيتها إلى " أن انتخاب حكومة إسلامية ديموقراطية في الأراضي المحتلة كان أمرا مثيرا للغاية، مضيفة "تصوروا تأثير حدوث الشيء نفسه في مصر". وفي محاولة لتوضيح وضع الإسلاميين قالت الصحيفة إن الرئيس المصري حسني مبارك أقلقه فوز مرشحين مستقلين من حركة الإخوان المسلمين المحظورة بنحو خمس مقاعد البرلمان المصري، وتزايدت "مخاطر الديموقراطية" عندما تغلبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على حركة فتح في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي أجريت الشهر الماضي. وبهذه الأسباب تعلل (الديلي تلجراف) الإجراء الذي اتخذه الرئيس مبارك وتصفه بأنه "من غير المفاجئ أن يصدر مرسوما رئاسيا يقضي بتأجيل انتخابات المجالس المحلية لمدة عامين، وهو القرار الذي صادق عليه البرلمان المصري بالفعل ". وبالطبع فإن القرار كما تقول الصحيفة يوقف أي تقدم فوري لحركة الإخوان المسلمين، التي تتمتع بقاعدة شعبية عريضة ، مثلها مثل حركة حماس ، وذلك من خلال توفير خدمات اجتماعية للمواطنين، مضيفة أن رد فعل الحكومات الغربية على القرار المصري بتأجيل انتخابات المجالس المحلية سيكون أخف بعد فوز حماس الذي كشف عن رغبة حقيقية لدى الشعوب العربية في صعود الإسلاميين ، مما يدعو واشنطن وغيرها من دول الغرب إلى التراجع عن دعمها للديمقراطية بالمنطقة العربية . ولكن هذا الموقف الغربي المتمثل في الخوف من الخيار الديمقراطي - لأنه سيوصل الإسلاميين للسلطة - يعد بمثابة تشجيع على الفساد والقمع و الاستبداد .. وهو ما يتناقض كلية مع الشعارات المرفوعة في العواصمالغربية ! وتشير (الديلي تلجراف) إلى أنه على العكس من حماس وحزب الله "فإن الإخوان المسلمين في مصر ليس لديهم جناح عسكري، وبعد نبذهم للعنف كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية، فإنه يتعين أن تتاح لهم فرصة متساوية في السباق الرئاسي عقب انتهاء فترة ولاية مبارك الخامسة ". وعلى مستوى العالم العربي ، اهتمت الصحف أيضا بتغطية تعاطي الإسلاميين مع الحكومات ، حيث تحدثت مصادر إعلامية مصرية مؤخرا عن مخطط أمريكي صهيوني لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ، والذي يعيش على الأراضي السورية والممنوع من دخول أراضي فلسطينالمحتلة بقرار إسرائيلي ، مشيرة إلى أن دولا عربية اشتركت في هذه المؤامرة ، بل إنه تم التخطيط لتلك المؤامرة في عاصمة عربية لم تحددها ، وبمشاركة خبراء من رجال المخابرات الأمريكية ورؤساء أجهزة "الموساد" و"الشاباك" الإسرائيلية. وبحسب نفس المصادر فإن الخطوة الثانية التي وضعتها الخطة هي تجفيف منابع الدعم المادي والمعنوي لحماس ، والمطالبة بضرورة تكثيف الضغوط الأمريكيةوالغربية على كل من سوريا وإيران لوقف الدعم المالي والسياسي لقادة حماس الذين وفروا مظلة علاقات شعبية ورسمية قوية بالعالمين العربي والإسلامي ، ساهمت في كسر طوق الرفض الأمريكي الأوروبي. وعلى كل حال تظل رغبة الشعوب هي العامل الأساسي في صعود التيار الإسلامي ، في ظل ما تعانيه المنطقة من ضغوط خارجية ، واحتلال يمزق كل معاني الإنسانية ؛ لذا فمن المرجح أن يسجل التيار الإسلامي صعودا جديدا كل يوم في دول أخرى ، في مقابل حكومات طاغية وتيار ليبرالي يدعم التدخل في المنطقة ويؤيد الاحتلال المصدر الاسلام اليوم