اكتشف نشاطا غير قانوني في وكالة الأمن القومي الأمريكية، وقم بتقديم تقرير بشأنه إلى رؤسائك، تتم مكافأتك بتخفيض رتبتك أو إلغاء تصريحك الأمني –وهو ما يساوي فقدانك لوظيفتك– بينما يتم ترقية هؤلاء الذين قدمت تقريرا بشأنهم. هذه هي الصورة التي جرى وصفها أمام إحدى لجان مجلس النواب في الأسبوع الماضي، وقد استمع أعضاؤها إلى خمسة جنود ومدنيين قالوا إن أسباب رزقهم وسمعتهم قد تعرضت للتدمير أو تعرضت لخطر شديد بسبب محاولاتهم كشف وتصحيح تبديد وتلاعب وسوء معاملة في أماكن عملهم. وهؤلاء يُعرفون باسم "كاشفي الفساد في الأمن القومي". ولكن على خلاف كاشفي الفساد في الوكالات المدنية في الحكومة الأمريكية لا يتمتع هؤلاء إلا بحماية قانونية ضعيفة ضد الانتقام منهم. ويرأس هذه اللجنة التابعة للكونجرس النائب كريستوفر شايس، وهو جمهوري عن ولاية كونيكتيكت. ولكن في حادثة نادرة في ظل المناخ السياسي الحالي المثير للجدل في واشنطن يتلقى شايس تأييدا مجمعا عليه بشكل فعلي من الحزبين بسبب جهوده لتطوير تشريع من أجل إصلاح هذه المشكلة. وقد استمع شايس وزملاؤه إلى قائمة طويلة من أعمال الانتقام التي تمت ضد أشخاص تحدثوا صراحة عن إساءة معاملة السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، وعن أعمال تنصت فيدرالية محظورة، وغيرها من أعمال تتعلق بسوء الإدارة. وقد جاءت هذه القائمة من موظفين حاليين وسابقين في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ووكالة الأمن القومي ووزارة الدفاع ووزارة الطاقة. وقد صرح هؤلاء أمام اللجنة أنه بعد أن تحدثوا صراحة ضد سوء إدارة الحكومة أو أنشطة جنائية "تم الانتقام منهم، وحدث ذلك في بعض الحالات من خلال إلغاء تصاريحهم الأمنية أو تدمير وظائفهم". حيث قال الخبير صمويل بروفانس إنه قد تم خفض رتبته وإهانته بعد تصريحه لجنرال يقوم بالتحقيق في فضيحة أبو غريب أن ضباطا كبارا قد قاموا بالتغطية على الانتهاكات بحق المعتقلين في سجن أبو غريب. وأضاف بروفانس أنه حاول أن يقول للجنرال "أشياء لم يكن يريد أن يسمعها"، مضيفا أنه "تمت التضحية بجنود صغار بينما قام الرؤساء بتحريف حقيقة ما حدث، كما حاولوا صرف الاهتمام بعيدا عن ما كان يجري بالفعل". وقد فقد بروفانس تصريحه الأمني، وتم وضعه تحت "أمر قضائي بمنع الحديث"، وهو الآن في ألمانيا حيث تتكون مسئولياته من "التقاط النفايات ونوبات الحراسة". كما كان الكولونيل أنتوني شافر بين أول من قام بالكشف عن برنامج التنقيب في البيانات المعروف باسم "الخطر القادر" التابع للبنتاجون. وقال شافر إنه يعتقد إن البرنامج تعرف على محمد عطا قبل أن يقود عملية اختطاف الهجمات الإرهابية عام 2001، رغم أن تقريرا للبنتاجون لم يجد دليلا يؤيد هذه النتائج. وقد تم سحب التصريح الأمني لشافر. كما قال رسل تايس، وهو ضابط مخابرات سابق في وكالة الأمن القومي، بوجود "مخالفات قانونية ونشاطات غير دستورية" في ما يسمى بالبرامج المتاحة للخاصة في الوكالة، لكنه نُصح بأنه لا يستطيع مناقشة هذه المخالفات والنشاطات حتى مع أعضاء في لجان المخابرات بمجلس الشيوخ والكونجرس وفي جلسات مغلقة. وقد قال تايس أمام اللجنة إن مضايقة وزارة الدفاع له شملت نشر شائعات بأنه يعاني من اضطراب عقلي. وقد استقال مايك جيرمان كعميل لإف بي آي بعد تقديمه تقريرا بأن عملاء ومديرين آخرين قد أساءوا التعامل مع إحدى القضايا الكبرى في مكافحة الإرهاب عام 2002؛ حيث قاموا بتزوير سجلات. وقد أكد المفتش العام في وزارة الدفاع ادعاءات جيرمان، وأنه تم الانتقام منه حيث جرى سحب تصريحه الأمني. أما وظيفة ريتشارد ليفيرنير كخبير رفيع في الأمن النووي بوزارة الطاقة فقد كانت اختبار مدى استعداد مواقع الأسلحة الأمريكية للدفاع عن الهجمات الإرهابية. وقد شهد ليفيرنير بأن الاختبارات التي أشرف عليها أظهرت فشلا بمعدل 50 بالمائة. وعندما قام بتقديم تقارير بشأن هذا إلى رؤسائه تم خفض رتبته وسحب تصريحه الأمني. وأضاف ليفيرنير بأنه تم إجباره على التقاعد المبكر. وقال جميع هؤلاء الشهود إنهم حاولوا تتبع سلسلة القيادة من أجل تقديم تقارير بشأن المخالفات، غير أنه جرى إعاقتهم. وقد بدأ البعض بالتوجه إلى مشرفيهم المباشرين، واتجه آخرون إلى المفتشين العموم في وكالاتهم، بينما قام آخرون في النهاية بتقديم تصريحات إلى أعضاء الكونجرس أو وسائل الإعلام. ويأتي الدفاع عن كاشفي الفساد في وقت يقوم فيه مسئولون كبار في إدارة جورج بوش بزيادة الضغوط من أجل إيقاف تسريب المعلومات السرية. وفي الشهور القليلة الماضية تم إحالة تقريرين إخباريين إلى تحقيق جنائي، وهما مقال في نيويورك تايمز بشأن برنامج المراقبة بوكالة الأمن القومي، ومقال آخر في الواشنطن بوست حول مراكز الاعتقال السرية التابعة لسي آي إيه. وفي تصريح لآي بي إس قالت سيبيل إدموندز، مؤسسة ائتلاف كاشفي الفساد في الأمن القومي: "لا ينبغي على موظفي الأمن القومي التضحية بوظائفهم أو الأمن المالي لفعل ما هو صواب؛ حيث يجري الآن مطاردة الموظفين الصالحين حتى يتركوا وظائفهم كما يتم فصلهم، وذلك من قِبل أشخاص إما متورطين في سلوك غير قانوني أو لا يريدون أن يسمعوا شيئا بشأن هذا السلوك". وأضافت: "يتعين على الموظف في الأمن القومي إما أن يختار بين الوظيفة والضمير عندما تواجهه أعمال غير قانونية في الوكالات. ونحن في حاجة إلى تبني حماية للموظفين تسمح لهم أن يكونوا آمنين في وظائفهم، وتشجعهم على تقديم التقارير بشأن أعمال التبديد والتلاعب وسوء استعمال السلطة". وقد بدأت إدموندز سيبيل، والتي ربما تكون الأشهر بين آخر كاشفي الفساد في وكالات الأمن القومي، بدأت العمل لإف بي آي بعد وقت قصير من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث قامت بترجمة وثائق غاية في السرية تتعلق بإرهابيين مشتبه بهم. وتم فصلها في ربيع عام 2002 بعد تقديمها تقارير إلى رؤسائها تتعلق بأعمال تخريبية وترويع وفساد وعجز. وفي أكتوبر عام 2002 وبطلب من مدير الإف بي آي روبرت مولر فرض المدعي العام وقتئذ جون أشكروفت على إدموندز أمرا قضائي بمنع الحديث، مستشهدا بضرر محتمل في العلاقات الدبلوماسية أو الأمن القومي. وقد أقامت إدموندز دعوى قضائية وقامت باستئناف قضيتها إلى النهاية حتى وصلت إلى المحكمة العليا. لكن المحكمة العليا وافقت على ما قررته المحاكم الأدنى بأن النظر في قضيتها سوف يكشف "أسرار الدولة". وقد قام ائتلاف كاشفي الفساد في الأمن القومي بصياغة "نموذج تشريع لكاشفي الفساد"، والذي يُتوقع أن يقوم السيناتور فرانك لوتنبرج، وهو عضو ديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، بتقديمه إلى مجلس الشيوخ. وتعمل منظمة إدنموندز في الوقت الحالي على إعداد صيغة من هذا القانون ليتم تقديمها إلى الكونجرس. وفي جلسة الأسبوع الماضي في الكونجرس جذبت شهادة الخبير بروفانس اهتماما غير عادي من أعضاء اللجنة، حيث جاءت بعد أيام فقط من قيام محطة تليفزيون أسترالية ببث صور ولقطات فيديو جديدة تُظهر قيام الجيش الأمريكي بممارسة إساءات للسجناء في سجن أبو غريب بالعراق. وقد أيد التحقيق في برنامج التنقيب في البيانات المعروف باسم "الخطر القادر" التابع لوكالة الأمن القومي أحد أقوى النواب الجمهوريين وهو النائب كورت ويلدون، عن ولاية بنسلفانيا، والذي كتب كتابا بشأن هذه القضية. حيث يقول ويلدون إن الكولونيل شافر قد قدم تقريرا بشأن البرنامج إلى مدير العاملين في لجنة الحادي عشر من سبتمبر الدكتور فيليب زيليكو عندما قام بالسفر إلى أفغانستان بصحبة آخرين من العاملين في اللجنة. ومع هذا فقد أخبره العاملون في اللجنة فيما بعد أن لديهم جميع المعلومات التي طلبوها. ولم يرد ذكر البرنامج في تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر. وفي رده على سؤال من عضو الكونجرس ويلدون قال شافر إنه مقتنع بأن وزارة الدفاع تريد تفاصيل بشأن "الخطر القادر" المدفون، وذلك من أجل تجنب إيقاع مسئولي الدفاع في الحرج. كما اتهم شافر أيضا وزارة الدفاع بالقيام ب"حملة تشويه" ضده. وقد مُنع شافر من تقديم شهادة في جلسة سابقة بمجلس الشيوخ بشأن هذا البرنامج، لكن ستيفن كامبون، وكيل وزارة الدفاع لشئون المخابرات، أكد أمام هذه الجلسة أن وزارة الدفاع لم تعثر على أي دليل يتعلق بالحصول على شبيه لمحمد عطا من خلال البرنامج على الإطلاق. وقال النائب شايس: "إن هؤلاء الذين نستأمنهم على أسرار الدولة يعامَلون غالبا كمواطنين من الدرجة الثانية عندما يتعلق الأمر بتأكيد حقوقهم في قول الحقيقة أمام السلطة"، مشيرا إلى أن قوانين حماية كاشفي الفساد الحالية لا تشمل الموظفين العاملين في الوكالات المتعلقة بالأمن القومي. المصدر : (آي بي إس)