زادت عتمة الطريق، الأفق لا يحمل إلا غيومًا، الاستسلام بات الأقرب والخيار المتاح والآمن، فالمعتقلات مزدحمة، والاعتراض مرفوض، والأحزاب كيانات ديكورية لا تساهم سوى في إضفاء الجمال الوهمي على النظام، لا يبدو أن خلاصًا قريبًا سيحدث، فالتركة ستورث، ظهور ذلك الفتى الذي بدأ يجذب الأضواء كواجهة مدنية وفارس منتظر يحمل ريعونة الشباب وتشبع من حكمة الشيوخ ليس من فراغ، فمطبخ الرئيس لا يزال يحمل الكثير للحفاظ لهم على بلدهم، ووسط تلك الحالة الضبابية استجمعوا شجاعتهم وهتفوا بها "كفاية"، رددوها " كفاية فساد – كفاية استغلال- كفاية على النظام- لا للتوريث" تلك الكلمات التي وإن لم تسمع جيدًا في حينها إلا أنها بعد 7 سنوات زلزلت عرش النظام وأسقطت الجالسين عليه بمشروعهم التوريثي، إلا أن السؤال لا يزال مطروحًا "هل سقط النظام أم لا يزال قائمًا يورث؟؟". الإرهاصات والتأسيس تأسست حركة كفاية قبل عشرة أعوام، في 12 ديسمبر 2004 والتي مثلت أول مظاهرة لهم أمام دار القضاء العالي، شارك فيها مئات من النشطاء والمثقفين يعلنون عن ميلاد تلك الحركة، والتي كانت في مصر آنذاك بدعًا من الكيانات السياسية التي لا تعرف سوى الأحزاب الكرتونية، رافعين شعار الحركة "دائرة صفراء مكتوب عليها كفاية بالأحمر". وعلى الرغم من أن أول تظاهرة للحركة كانت في ديسمبر إلا أن إجراءات التشكيل الفعلي بدأت من يوليو، فبعد التغيير الوزاري المصري في يوليو 2004 والتي لم يزد الرافضين للوضع العام إلا سخطًا، تجمع 300 شخصية عامة وقيادة فكرية وثيقة تضم مختلف الأيديولوجيات السياسية من يساريين وإسلاميين وليبراليين، تطالب بتغيير سياسي حقيقي في مصر، وبإنهاء الظلم الاقتصادي والفساد في السياسة الخارجية، وقرر الموقعون ألا ينتهي الأمر ببيان يصاغ اليوم ويذاع غدًا وينسى بعد غد، قرروا تحويل تلك الوثيقة إلى حركة، وتكون تلك الوثيقة دستورها التأسيسي، وأن يكون رفضهم للرئيس المصري آنذاك حسني مبارك هو أساس حركتهم ومناهضة مشروع التوريث شغلهم الشاغل. المؤسسون: ضمت الحركة العديد من الشخصيات البارزة والقيادات من مختلف الأطياف، فمن اليساريين ضمت الحركة "جورج إسحاق – حمدين صباحي- عبد الحليم قنديل – أمين اسكندر- كمال خليل"، ومن الليبراليين "أحمد بهاء الدين شعبان- عبد الجليل مصطفى" ومن الإسلاميين "عبد الوهاب المسيري – مجدي حسين- أبو العلا ماضي". الفعاليات وأسلوب عملها:
اعتمدت حركة كفاية أسلوب التظاهر في أغلب محطاتها المعارضة للنظام المصري ووصلت إلى 22 محافظة من أصل 26 محافظة، وهو ما أقلق النظام وواجهتها بالعديد من الحملات الأمنية وصفتها منظمات حقوقية محلية وإقليمية وعالمية بأنها حملات وحشية. ولقد دعت الحركة إلى عدة تظاهرات في وقت لم يكن التظاهر فيه مألوفًا، في مشهد أقرب ما يكون مظاهرة لقوات الأمن المركزي وليس نشطاء، فإذا شارك من النشطاء مائة، واجههم آلاف من قوات الأمن. بدأت فعاليتهم بتظاهرة تدشين الحركة في 12 ديسمبر 2004، ثم أخرى في 2 فبراير 2005 بمعرض الكتاب، ثم في ميدان التحرير في 21 مارس 2005، وأخرى بالتزامن في ثلاث محافظات في 30 مارس 2005، وفي 27 إبريل من العام نفسه تظاهروا في15 محافظة، بالإضافة إلى التظاهر 25 مايو 2005 بالتزامن مع الاستفتاء على الدستور، وفي 1 يونيو 2005 أمام نقابة الصحفيين، وفي 8 يونيو أمام ضريح سعد زغلول، حاملين الشموع من الثامنة حتى العاشرة مساءً اعتراضًا على اعتداء أعضاء الحزب الوطني على المتظاهرين أمام أعين الأمن، وفي 6 إبريل 2008 ضمن دعوة الإضراب عن الطعام وتأسيس حركة 6 إبريل. حازت الحركة على دعم إعلامي مكثف من الصحف المعارضة، خاصة أن ضغوط كفاية قد ساهمت في رفع سقف التعبير النقدي، وبفضلها بدأت وسائل الإعلام تطرق لشخصيات وتتحدث في موضوعات كان الاقتراب منها خط أحمر كالحديث عن أسرة مبارك، وترشح جمال لخلافة والده. اتسمت حركة كفاية بقدر عالٍ من المرونة نبع من المراعاة في تنظيمها للمبادرة الفردية والعمل في مجموعات عمل صغيرة، وفي الوقت نفسه وصف قطاع من أعضائها تطور وضع الحركة، معتبرًا أنها فقدت السيطرة على علاقة أعضائها بتيار الأحداث، فتحولت من متابعة أحداث لصانعة أحداث في بعض المواقف. وقد أدى انتشار كفاية "الحركة المصرية من أجل التغيير" لظهور حركات نوعية وفئوية خاصة مثل "شباب من أجل التغيير"، "عمال من أجل التغيير", " صحفيون من أجل التغيير، "طلاب من أجل التغيير". موت "كفاية" سريريًا قال أحمد عبد الجواد، وكيل مؤسسي حزب البديل الحضارة - تحت التأسيس - وأحد أعضاء حركة كفاية منذ تأسيسها، إن حركة كفاية ولدت كحركة جامعة معبرة عن الضمير الوطني، وخاضت معارك عنيفة ضد المخلوع مبارك، إلى أن حدثت الخلافات ثم الانشقاقات ثم السيطرة عليها من خلال عدد من الناصريين، ثم توالت الانسحابات منها حتى أصبحت فى ذاكره التاريخ، ومع ذلك لا يستطيع أحد أن ينكر دورها في التمهيد للثورة في 25 يناير أو فضح سيناريو التوريث، ولكن الأهم والمحزن أن حركه كفاية ماتت سريريًا عقب ثوره يناير. وأضاف، في تصريحات خاصة ل"المصريون"، الموت السريرى حدث قبل 25 يناير تحديدًا بعد وفاة المفكر الإسلامي الراحل العظيم دكتور عبد الوهاب المسيري، لأن ما حدث بعد ذلك كان صراعًا داخليًا بين عدد من المؤسسين أمثال عبد الحليم قنديل الذى كون جبهة تناصره داخل الحركة وبين حمدين صباحي من جهة مما أدى لكتابة السطر الأخير لها، أما خلاف أيديولوجيات المكونين فقد حدث بعد تأسيسها بحوالي عامين بعد قيام الناصريين بتهميش وإقصاء الليبراليين والإسلاميين. وعن الوضع الحالي قال "عبدالجواد" إن النظام الذي قامت من أجل إسقاطه حركة كفاية لا يزال قائماً تورثه النظام الحالي وقياداته على الرغم من إسقاط مبارك وجمال.