أرسل المصور الصحفي محمد زيادة المعتقل في السجون المصرية منذ عدة أشهر برسالة مع شقيقه محمد زيادة تفيد بالانتهاكات التي يتعرض لها زيادة داخل محبسه قائلا: "الأمس اقتحم أشخاص طوال الجسم وصغار العقل ملثمون ويرتدون السواد أصواتهم غليظة وفي أيديهم أسلحة وعصا فض اشتباكات، الزنزانة. وأشارت الرسالة "أمرونا أن نجلس على الأرض وأن نضع وجوهنا في وجه الجدران ونضع أيدينا فوق رؤوسنا كما الأسرى في الحروب ثم ضربونا ضربًا مبرحًا دون سبب، ضربونا وكأننا مثلا قتلنا أولادهم أو خربنا ديارهم، ضربونا بانتقام لم أر مثله من قبل! اعترضنا فازداد الضرب عنفًا ووحشية. وتابع زيادة خلال رسالته "جميعهم ملثمون ربما ملثمون لأنهم خائفون ولأنهم يعلمون أن المظلومين لا ينسون وجه جلادهم مهما مضى من الأيام والسنين. وربما ملثمون ليبثون الرعب في نفوسنا. ونادوا على أسماء بعينها منهم الرفيق "أحمد مصطفى" وقيدوا أياديهم وأرجلهم من خلاف وأخذوهم إلى مكان غير معلوم كنت أعلم أنى ضمن المطلوبين وبالفعل نادى الكلب على اسمى وكان يعلم عنى كل شيء. وقال انت بقى أحمد جمال زيادة. انت بقى اللى مضرب يا ابن ال.... وكان يعلم أننى من رسمت صورة الشهيد "جابر جيكا" على جدران الزنزانة. فسألنى: من هذا؟" فقلت: واحد من ضمن اللى قتلتوهم. فضربنى بعصاه وسخر الجميع مع أنى كنت أسخر من عيونهم التي تشع كراهية وتدل على أنهم مرضى نفسيون لم يتركوا أخضرا ولا يابسا، فقد سرقوا كل شىء (الملابس الشتوية. سخانات المياه. كراسى يجلس عليها كبار السن. سجائر. ساعات. بطاطين ). أما الأشياء التي لن يستفيدوا منها فدمروها. وقطعوا كل أوراقى وكتبى. وأضاف "أن الضابط تعمد تحطيم الراديو الخاص بي أمام عينى وداسه ببيادته التي تشبه وجهه ظنا منه أنى سأنكسر كما انكسر الراديو ولكنى ضحكت فازداد غيظا على غيظه وضربنى ورفاقى الذين قدر لهم أن يكونوا بجوارى فنالوا ما نالوه في الحقيقة لم أحزن على شيء قدر ما حزنت على فراق "الرفيق أحمد مصطفى" وقدر حزنى على يومياتى التي مزقوها. وأوضح "بالصدفة كانت زيارة أخى وابن عمى في نفس اليوم. وفي طريقى للزيارة رأيت أحمد مصطفى وهو مقيد و26 آخرون منهم شيوخًا في العمر نظرت إلى رفيقى دون أن أتحدث فابتسم كأنما يطمئنني. ولم تفارقنى صورته وأنا ذاهب إلى الزيارة فلم أتمالك دموعى التي ذرفتها دون تعمد على فراق رفيقى و ليس على الضرب والسرقة والتحطيم الذي خلفه الاحتلال الصهيونى في زنازين السجن. وبعد انتهاء الزيارة رأيت أحمد ورفاقه في سيارة الترحيلات فنادانى وقال: "لا تحزن. واكتب ما حدث ولا تمل الكتابة _ولهذا أكتب_ "فقلت له والحزن يملؤني: سترحل كما رحل ياسين صبرى من قبل فأمرني ألا أدعهم يرون دموعي حتى لا يظنون أنني منكسر.. أمرنى بذلك رغم الدموع الواضحة في عيناه حزنًا على الفراق. ثم رحل الرفيق كما رحل الرفاق من قبله. هكذا هي السجون جدرانها بنيت على الفراق والدموع والضحك المجروح.. ثم صعدت إلى زنزانتى حيث أربعة جدران وبلاط كالجليد دون أي شيء آخر يمكن استخدامه في المعيشة وجلسنا ورفاقى نغنى حتى لا ننكسر: وأطلق كلابك في الشوارع.