الاوضاع في سيناء تدعو فعلا للقلق ، فالهجمات على خط انابيب الغاز المتجه الى اسرائيل بلغت رقما قياسيا، خمس هجمات في ستة اشهر، منها ثلاث هجمات في شهر يوليو الماضي، الاخطر من ذلك الهجوم الذي وقع مؤخرا ضد مدينة العريش على يد مسلحين مجهولين فرضوا سيطرتهم على المدينة واشتبكوا بالاسلحة الثقيلة لمدة تسع ساعات مع قوات الشرطة والجيش ثم انسحبوا بكل بساطة واختفوا في مجاهل سيناء. السلطات المصرية اتهمت تنظيم جيش الاسلام الفلسطيني بتنفيذ الهجوم وقالت انها اعتقلت عشرة من اعضائه، أما اسرائيل فقد وجهت اصابع الاتهام نحو تنظيم القاعدة، ولم تستبعد جهات امنية اخرى أن يكون الهجوم من تدبير الموساد الاسرائيلي لتخريب العلاقة بين مصر وقطاع غزة، أما موقع ديبكا التابع للمخابرات الاسرائيلية، فقال ان مصر تفقد سيطرتها على شبه جزيرة سيناء! لا احد يعرف بالضبط مايدور في سيناء الان، ولكن من الواضح ان هناك أزمة متعددة الابعاد، ومن الواضح ان هذه الازمة تتماس مع المظالم التي تعرض لها بدو سيناء في عهد مبارك، ومع تصدير الغاز المصري لاسرائيل واتفاقية كامب ديفيد ومشكلات معبر رفح وظاهرة التهريب عبر الانفاق بين سيناء والقطاع. استمرار تصدير الغاز المصري لاسرائيل باقل من الاسعار العالمية يشكل مصدرا واضحا للتوتر ، فهناك معارضة شعبية واسعة لبيع الغاز لاسرائيل في الوقت الذي يتم استيراده باسعار اعلى من الخارج، وهناك قناعة راسخة لدي المصريين بان نظام مبارك فرط في غاز مصر من اجل عمولات تقاضاها مسئولين سابقين كبار، ولعل هذا ما يفسر استمرار الهجوم على خط الغاز لوقف تصديره الى اسرائيل. اتفاقية كامب ديفيد تشكل هي الاخرى عاملا اضافيا للتوتر، فالاتفاقية التي وقعت في عام 1979 لا تعطي لمصر السيادة الكاملة على شبه جزيرة سيناء، ولا تسمح لها بزيادة عدد قواتها في المنطقة الحدودية المتاخمة لاسرائيل، وهي منطقة مترامية الاطراف تقدر مساحتها بآلاف الكيلومترات، ومن الغريب ان مبارك لم يحاول استغلال علاقته الوثيقة بامريكا واسرائيل طوال ثلاثين عاما لتعديل هذه الاتفاقية بما يضمن امن مصر القومي! من الواضح ان هناك تعاملا غريبا مع الازمة بدليل التعاقد مع قبائل البدو لحماية خط انابيب الغاز المتجه الى اسرائيل، مقابل اتاوات مالية كبيرة، وهو تعاقد يهز هيبة الدولة و يثير علامة استفهام حول قدرتها على حفظ الامن في سيناء، كما انه لا يوفر اي ضمانة لمنع اي هجمات جديدة! قضية معبر رفح تشكل سببا آخر من اسباب التوتر في سيناء، فبعد اسابيع من فتح المعبر بشكل طبيعي بين مصر والقطاع تم التراجع عن هذا القرار استجابة لضغوط امريكية واسرائيلية مما دفع فلسطينيي القطاع (2 مليون نسمة)لمحاولة كسر الحصار باللجوء مرة اخرى الى الأنفاق لتهريب البشر والبضائع والسلاح ايضا! نحن نواجه تهديدات حقيقية لأمننا القومي في شبه جزيرة سيناء، ومالم يتم حل ملف المعتقلين من بدو سيناء في عهد مبارك، وتعديل او الغاء اتفاقية تصدير الغاز مع اسرائيل، وتعديل اتفاقية كامب ديفيد لتعزيز السيادة المصرية على كل اراضي سيناء، فعلينا ان نتوقع مزيدا من المشكلات الامنية في هذه الرقعة المهمة من ترابنا الوطني! والاهم من ذلك الا ننجرف بسذاجة وراء الادعاءات الاسرائيلية بان تنظيم القاعدة موجود في سيناء وهو المسئول عن الهجمات الاخيرة التي وقعت فيها، فهذا الادعاء هدفه اقناع العالم بوجود انفلات امني في منطقة استراتيجية مجاورة لاسرائيل والبحر الاحمر وقناة السويس تمهيدا للدعوة مستقبلا لوضع سيناء تحت الحماية الدولية!