في غمرة الاهتمام بالأحداث الكبرى، تتوه بعض التفاصيل، ولم يكن في مصر بالأمس أكبر من مشهد محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك لتتوه الكثير من التفاصيل، التي ما إن تظهر لاحقا تثير الكثير من الحيرة وعلامات الاستفهام، لا لشيء إلا لأنها تبدو متناقضة. ويثير مشهد المحاكمة بالأمس 5 تناقضات قانونية وإعلامية رصدتها وكالة "الأناضول" وهي: 1-القاضي وجدي عبدالمنعم عضو اليسار في هيئة المحكمة التي برأت مبارك قال في تصريحات صحفية نقلتها صحيفة "التحرير" اليوم، إن هيئة المحكمة لم تبرئ مبارك إلا في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، وحمل النيابة العامة مسؤولية الخطأ عن براءة مبارك في قضية قتل المتظاهرين. وأضاف: "حكمت المحكمة بعدم جواز محاكمة مبارك عن جريمة قتل المتظاهرين، لسابقة الحكم فيها بوجود أمر ضمني بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضده، وذلك هو خطأ النيابة العامة التي أحالت وزير الداخلية حبيب العادلي ومساعديه للمحاكمة دون اتهام مبارك، وهو ما يعتبر أمرا ضمنيا بألا وجه لإقامة الدعوى، ومن ثم فإن صلة المحكمة بالقضية منقطعة منذ البداية بسبب ذلك الخطأ". ويثير هذا الخطأ الذي ارتكبته النيابة العامة باعتراف المستشار وجدي نفسه، تساؤل: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا حرص القاضي محمود الرشيدي رئيس هيئة المحكمة على تسليم النيابة العامة ما يسمى ب "وثيقة الثناء " على جهدها في القضية؟ ولم يعرف في تاريخ القضاء المصري ما يسمى ب "وثيقة الثناء"، هكذا قال نقيب المحامين سامح عاشور في تصريحات لصحيفة "الوطن" الخاصة الصادرة اليوم. أما القاضي رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، فقال في تصريحات لصحيفة "المصري اليوم" الخاصة اليوم إنه أمر معتاد، ولكنها لا تتلى في الجلسة ولا تعلن فيها. وسواء كانت سابقة جديدة أو معتادة، ولكن لا تعلن، فإن إعلانها يبدو متناقضا مع تصريحات عضو اليسار بأن النيابة العامة أخطأت؟ .. فهل ما حدث يمكن اعتباره ثناء على الخطأ؟ 2-تصريحات القاضي وجدي عبد المنعم بأن النيابة العامة أحالت وزير الداخلية حبيب العادلي ومساعديه للمحاكمة دون اتهام مبارك، يتناقض هو الآخر مع حكم القاضي أحمد رفعت في أول درجة على الرئيس مبارك بالسجن المؤبد في 2يونيو الماضي. والسؤال: إذا كانت النيابة العامة قد أحالت وزير الداخلية حبيب العادلي ومساعديه للمحاكمة دون اتهام مبارك، فلماذا حكم عليه القاضي أحمد رفعت؟ 3- إذا كانت صلة المحكمة بقضية اتهام مبارك في قتل المتظاهرين منقطعة منذ البداية بسبب خطأ النيابة العامة، كما قال القاضي وجدي عبد المنعم في تصريحاته، فلماذا تم استدعاء رموز حكم مبارك إلى المحكمة للشهادة في مسؤوليته عن قتل المتظاهرين؟ 4- المانشيت الذي تصدر اليوم صحيفة التحرير الخاصة يثير هو الآخر تساؤلا يكشف عن تناقض واضح. فبينما وصف المانشيت مبارك بفرعون ووزيره حبيب العادلي بهامان، كانت شهادة رئيس تحرير نفس الصحيفة إبراهيم عيسى في القضية إيجابية بحق مبارك، حيث وصفه ب "الرجل الوطني". وقال عيسى في شهادته أمام المحكمة إنه يعتقد أن "الرئيس الأسبق حسنى مبارك طلب مواجهة أمنية وليست عمليات قتل، لأنه مصري وطني مهما كانت درجة معارضته". ولفت عيسى إلى أن الاستبداد لا يعنى القتل، مشددا على أنه بطل من أبطال أكتوبر (حرب 1973 التي أفضت إلى استعادة مصر السيطرة على شبه جزيرة سيناء من إسرائيل) وليس خائنا للبلاد. وأوضح أن مبارك تدخل لوقف القتل بعد أن تخلى عن الحكم، ولكنه لم يتخل قبل ذلك حقنا للدماء. 5-رموز شاركت في ثورة 25 يناير ضد حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، استقبلت خبر براءته بترحاب شديد، وصل إلى حد تهنئته. ومن بين هؤلاء النائب السابق في مجلس الشعب محمد أبو حامد الذي كتب تغريده على حسابه الرسمي بموقع تويتر قال فيها : "الحكم عنوان الحقيقة .. تحية للمستشار الرشيدي.. وما كان يهمنا هو معرفة الحقيقة .. وتهنئة للرئيس الأسبق مبارك والآخرين".