لن يكف المصريون عبر تاريخهم الحديث عن توجيه سؤال الخزي والندم الى رئيس حركة الضباط الأحرار المرحوم جمال عبد الناصر حسين..لماذا فصلت السودان عنا وذهبت للاتحاد مع سوريا المحجوبة عنا بعدو استراتيجي مؤقت ولماذا لم تملأ سيناء بالبشر والمدن والعمران وذهبت الى بناء السد العالى بلهفة لم يكن الاضطرار يدعو إليها .؟ فى حين ان الأمن القومى العميق كان يحتم أن تكون الأولوية للأثنين ؟ عمران سيناء حتى لاتكون مطمعا للعدو الاستراتيجي.. وإتمام وصل شمال الوادي بجنوبه الذى كان موصولا إلا قليلا ..الزمن التاريخى لتحقيق الإثنين كان مثاليا ..إذ كان المصريون بعد زوال الاحتلال وامتلاء وعيهم الوطنى بعهد جديد أكثر قبولا لمشروع وطنى عظيم بحجم عمران سيناء وما يترتب عليه من إعادة ترسيم الخريطة السكانية على النحو الذى يحقق أمنهم القومي فى عمقه الأمين .. وكان أهلنا فى السودان بعد زوال الاحتلال وامتلاء وعيهم القومى بآمال الوحدة التى لم يكن ينقصها إلا وضعها فى سياقها العروبى الحيوي . إنه التعري فى وضح النهار حتى يكتب الرجل لدى التاريخ مفضوحا .. فى عام 1956م وبعد هزيمة جيش المرحوم عبد الحكيم عامر..جمع العلامة الدكتور عبد الفتاح إسماعيل حولة ثلاثة ألاف عالما مصريا اهتدى إليهم من خلال المجلس الأعلى للعلوم الذى كان سكرتيرا عاما له ..هؤلاء العلماء كانوا متخصصين فى جميع مجالات التعمير وعكف الرجل وفريقه الضخم على مسح سيناء مسحا شاملا لجميع جوانب الحياة فيها الجغرافيا والتاريخ والسكان والجيولوجيا والمناخ والحالة المساحية ومصادر المياه والزراعة والبترول والتعدين والمواصلات . وانتهى هؤلاء العظام من مشروعهم فى أربع سنوات وأصدروا (موسوعة سيناء )التى كان أهم ما جاء بها ضرورة تعميرها بالبشر والمدن لصنع حاجز بشرى بين مصر وإسرائيل يمنع عربدة إسرائيل فى هذه المنطقة الخالية . ذلك أن إسرائيل كيان قائم على التوسع فى ابسط قواعد الفهم الاستراتيجي والوطني .. ناهيك عن ضيق شريط وادى النيل عن الزيادة النامية فيه والتي كان العلامة د/جمال حمدان لا يكف عن التحذير الصارخ من خطورة ما يحمله المستقبل على الرقعة الزراعية إذا ما استمر الأمر على ما هو عليه . حين قدم العالم الكبير الموسوعة لرئاسة الجمهورية لم يلتفت إليه ولا إلى الموسوعة ولا إلى التوصيات المرعبة التى ذكرها عن خطورة ترك سيناء فراغا. ولأن المرحوم جمال كان لا ينظر إلى الأمور إلا من زاوية ما هو( شخصي) .._وارجعوا الى مذكرات البغدادى وخالد محى الدين وقبلهم الرئيس محمد نجيب_ ..اكتفى بتعيين الرجل وكيلا دائما لوزارة التعليم العالى التى أنشئت عام 1961م ..وحتى بعد (هزيمة كل يوم) يونيو 1967م وعودة الرجل من الكويت عام 1972م والتى كان قد استدعى من حكومتها لإنشاء اول جامعة بها عام 1966م ...ذهب إلى المرحوم أنور فى نوفمبر 1973م بعد حرب أكتوبر مباشرة ورفع إليه مذكرة طالبا الاستفادة من المشروع ..لم يلتفت اليه بالطبع لأن المرحوم كان يرتب المنطقة (للسلام عليكم ) مع العدو الاستراتيجي . المدهش ان مبارك ونظامه بعد تسلم سيناء كاملة فى 26/4/1982م بدأ عهده بحملة تعمير(أرض الفيروز) وتم تدشين الحملة عبر جريدة الأهرام أيام إبراهيم نافع _لو تذكرون_ وعبر كمية هائلة من (الأغاني) الإذاعية مثل (اخضري يا سيناء) ..كأن سيناء ستخضر هكذا وحدها بلا بشر... كان بإمكان الرجل أن يقدم للمصريين اثمن وأروع إهداء..يدخل به التاريخ من أوسع واكبر أبوابه لو كان قد فعلها ودشن (مشروعا قوميا) بحجم عمران سيناء بالبشر والمدن ..لكنه لم يكن يحب التاريخ ولا الجغرافيا كما قال للمرحوم (محمد السيد السعيد) كان فقط يحب علاء وجمال . وبقيت سيناء فراغا عميقا ومرتعا سحيقا للمتطرفين وأجهزة المخابرات من كل لون .. يسرحون ويمرحون فيها كما نعيش هذه الايام .. ويستمر التعرى فى وضح النهار لتزداد الفضيحة وزنا وخيبة حتى الآن ..إذ لم يطرق احد من المسئولين الأمر من بابه الصحيح أبدا.. ولو حتى من باب النقاش والحوارعن مستقبل تلك القطعة العزيزة من ارض الوطن ليس فقط لأمنه القومي ..ولكن لما تحويه من ثروات هائلة على كل مستويات التنمية والعمران ..كما ذكر العلامة د.عبد الفتاح اسماعيل ...ويزداد التعرى ويستمر فى فى خيانات الثقات .. كان السودان دائما هو العقدة الكبرى فى اى مفاوضات مصرية انجليزيه حول الجلاء .. ويذكر الجميع كلمة النحاس باشا (تقطع يدى ولا تقطع السودان) ماماشيا مع الحس الشعبى والواجب الوطنى عن وحدة وادى النيل ..حتى اذا جاء ضباط يوليو ورأوا انهم .. لكى يعجلوا بجلاء الانجليز كى تستقر شرعيتهم فى الحكم.. فيجب يرضخوا لطلب الانجليز بالتخلى عن السودان ...وتم اتخاذ القرار بليل وبعيدا عن الأمة أو ممثلى الشعب. سنرى بعد ذلك ان فصل جنوب السودان عن شماله بدأ بفصل السودان عن مصر.. ذلك الفصل الذي شكل صدمة في حينه لكل القوى السياسية والشعبية في كلا البلدين ..وسيظل انفصال جنوب السودان عن الشمال من اكبر الخروقات فى نظرية الأمن القومى المصرى اتصالا بتأمين منابع النيل . واستمع لنجيب محفوظ وهو يقول لرجاء النقاش فى كتابه الشهير (نجيب محفوظ..صفحات من مذكراته وأضواء جديدة علي أدبه و حياته) لا يوجد أحد من جيلي إلا وشعر بصدمة شديدة بسبب انفصال السودان ذلك أننا عشنا كما عاشت أجيال سبقتنا ولدينا إيمان راسخ بأن السودان جزء من مصر ..وأنهما لا يتجزآن وطالما هتفنا لوحدة وادي النيل وضاعف من الصدمة معرفتنا برغبة الشعب السوداني في الوحدة إذا استمر محمد نجيب في الحكم ولكن عندما تمت إزاحة نجيب طلبوا الحصول على الاستقلال من مصر). كان الثمن المدفوع لتأييد أمريكا للضباط هو فصل السودان عن مصر_القصة بدأت من بدرى _ حيث استطاع امريكا تحقيق ما عجز الإنجليز عنه منذ أن دبروا لذلك .. بدءا باتفاقية السودان 1899م التي جعلت السودان تحت حكم ثنائي رسمي بين مصر وبريطانيا وحكم فعلى لبريطانيا على أرض الواقع. لم تجرؤ حكومة أيا كان انتماؤها قبل الثورة الموافقة على فصل السودان لما كانوا يدركون من خطر هذا الانفصال على مصالح مصر العليا... لنا أن نعلم أ، السودان يمتلك 250مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة و مراعي طبيعية تفوق مساحتها المائة مليون فدان و 1000 مليار متر مكعب من مياه الأمطار و60 مليار متر مكعب من الأنهار.. فهل من خطط ونفذ مشروع (الإصلاح الزراعى) الذى حرم الزراعة فى مصر من التطور التكنولوجى الذى كان ينتشر فى العالم كله وقتها ...وهو ما لا يمكن يتم تنفيذه إلا فى الملكيات الزراعية الشاسعة الكبيرة وليس فى الفدانين والثلاثة الذى وقف البكباشى يوزعهم على الفلاحين البسطاء كى يهتفوا له ويتصايحون باسمه ...هل كان البكباشى يفكر فى مستقبل الأجيال تلو الأجيال وهو يفعل ذلك فى الملكية الزراعية فى مصر أو وهو يوقع على قرار فصل السودان عن مصر والذى كان طلبا شديد الريبة لبريطانيا وقت مفاوضات الجلاء التى سارت بدورها بسرعة أكثر ريبة ورفضت نتائجها كل القوى الوطنية فى مصر . وحتى يكون التعرى فى وضح النهار وتكتمل مخازى ضباط يوليو لم يفكر البكباشى جمال وبعد استقراره فى سدة السلطة وحيدا ..لم يفكر فى مستقبل الوطن والأجيال المتعاقبة وتزايدها وتزايد احتياجات عيشها الكريم ..فيصحح خطأه هذا بالاتحاد مع السودان حيث حيث الأمن القومى فى عمقه الاستراتيجي ..لم يفعل ذلك وذهب الى سوريا مستكملا مسيرة التضييع التام للوطن والأمة .. اما احدث نموذج (للتعرى فى وضح النهار) فهو ذو(الوجه التتارى السميك) الذى قال فى مؤتمر( الليبراليون ودولة الرفاة) فى بيروت 15/11 (انضممت للعمل السياسى بسبب تخوفى من كيان منظم - جماعة الإخوان المسلمين- عمره 80 عامًا)..المدهش أن جريدة الشروق نشرت له هذه التصريح وغيره فى برواز يتوسط الصفحة الأولى_الداخلية_ ...بعدها بأيام نشرت له تصريح أخر أيضا على نفس الصفحة ..مقدما فيه نصائحة لأحد المراكزالبحثية فى الغرب عن كيفية مواجهة التطرف والمتطرفين .. أحد الأصدقاء ذكر لى أن صاحبنا يتوق شوقا ليصبح رئيسا للوزراء فى مصر وهو يرى نفسه فى مكانة لاتقل عن مكانة بطرس باشا غالى (1908-1910م) أو يوسف باشا وهبة (1919-1920م) الذين رأسا الوزارة في الفترات المشار إليها .. ولا يقل فى الحضور وسحر الشخصية عن مكرم باشا عبيد .. صحيح أن إمكانته(الذهنية) وثقافتة (الفكرية) لا ترقى لأصابع أقدامهم الصغيرة ..لكنه لديه ثروة طائلة ..وله علاقات بالإعلام يبدو فيها دائما شديد السخاء ..كما أنه يمثل ذلك الجيل من العائلات التى صنعها (غبطة البابا شنودة الثالث) والتى لم يكن لها أى شأن مالى أو اجتماعى قبلها ..وأضاف صديقنا ان احد كبار المقاولين فى مصر اخبره ان والد صاحبنا ذو الطموح الجموح .. حتى بداية السبعينيات لم يكن على هذا القدر من الثراء وانه فعل ما يمكن وما لا يمكن كى ترسو عليه عملية (تجديد ودهان واجهة مبنى الجامعة العربية من الخارج ) ..وان المسأله كلها لا تزيد عن تلك الحالة التى صاحبت دخول توكيلات غربية وأمريكية عبر مكتب (غبطة البابا )..لتكوين ميزان جديد فى علاقة المجلس المللى بالاكليروس ..وعلاقة الكنيسة بالدولة ..لكن صاحبنا كما يقول المصريون الطيبون (سرقته السكينة) وداهمته (خلسات الأمانى) على حين بغتة فرأى نفسه فى قامة الأسماء السابقة ..فأخذ ينثر( أفكاره السامقة) ذات الشمال وذات الشمال ...وهاكم هو الرجل يتحدث عن أحد أهم حركات الإصلاح الوطنى فى العصر الحديث ..بما قرأناه منسوبا له فى مؤتمر بيروت .. الرجل من سنوات قليلة قال لصديقه المذيع احمد منصور فى أحد الحوارات _فى التسعينيات _انه يعشق حسن نصر الله وحزب الله ..ومن سنوات قليلة أيضا كان يرى فى الرائد الكبير عبد المنعم ابو الفتوح النموذج المثالى لقيادة مصر فى هذه الفترة .. فيما إذن كل هذا (التعرى فى وضح النهار)..متحدثا عن تخوفه من كيان منظم عمره 80 عاما ..لدى الكثير مما أقوله حول هذا الموضوع ودوائره المتداخلة بين الداخل المريب والخارج الأكثر ريبه ..لكنى اكتفى الآن بأبيات عم نجم وغناها عن عم إمام رحمهما الله .. فى قصيدة (ع اللى حاصل فى الحواصل) : أنت شوف لك سهره حلوه بكام قزازه وجوز حمام وإحنا شايفين الخواجة واللي جايبين الخواجة وحنا كاشفين كل حاجه وأنت(تتنيل) تنام.