تناول بعض الكتاب، في ثورة عارمة، ما نسبوه إلى عضو بارز بمجلس الشعب في تصريح بأن الحكومة افتعلت أزمة أنفلونزا الطيور وضخمتها للتغطية على تداعيات حادث العبارة الأليم. والواقع أنه بدلا من الثورة والغضب والهجوم على النائب المستقل كان لابد لكتاب الصحف أن يوجهوا نقدهم إلى الإعلام الرسمي الذي تسبب بتوجهه الشمولي الدعائي الجديد في العديد من المواقف الحرجة للحكومة تفوق أي ضرر يكون سببه المزعوم هو تصريح النائب. بل إن تغطية هذا الإعلام تثبت للمفارقة ما قاله النائب لأن الإعلام أسقط تماما أية متابعات لحادث العبارة، لاسيما فيما يتعلق بما عثر عليه في الصندوق الأسود وما حدث بالنسبة للجنة التحقيق التي قرر مجلس الشعب تشكيلها.. إلخ. والإعلام الحكومي في تطوره الشمولي الدعائي أصبح تطبيقا خالدا لحكاية الدبة التي قتلت صاحبها. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك ما حدث في حكاية الشائعة التي أطلقت حول تلوث مياه الشرب بفيروس أنفلونزا الطيور. لقد تصرف الإعلام مع هذه الشائعة، الخطيرة بكل المقاييس والمريبة كذلك، كما يتصرف مع لعبة مسلية وعاملها على أنها مجرد فرصة لإثبات المصداقية والقدرة على معالجة الأحداث الطارئة بحيث تحول الأمر إلى ما يشبه التدريب العملي على التعامل مع حدث وليس تغطية أمينة وموضوعية وصادقة لواقعة خطيرة. بدا الإعلام الرسمي في تعامله مع هذه الشائعة، التي لم تستمر أكثر من يوم أو أقل، وكأنه مهموم فقط بإظهار قدراته في طمأنة الجماهير، ما يعلي من أسهم مصداقيته فيما بعد، لكنه لم يبحث مثلا خلفيات الشائعة ومن أطلقها ولأي هدف وكاد من يتابع الإعلام في ذلك اليوم يتصور كما قلت أن المسألة لا تعدو أن تكون تدريبا عسكريا أشبة بما يحدث عندما يرسل القادة العسكريين تحذيرا (وهميا بالطبع) إلى قواتهم بغزو للعدو لكي يختبروا مدى استعداد ومهارة تلك القوات في التصدي للهجوم. والحق أن الإعلام ليس المسئول وحده عن هذا الإهمال الغريب في فضح الجهات أو الأشخاص الذين أطلقوا وروجوا الشائعة بحيث شملت عدة محافظات في وقت واحد، بما يعني وقوف تنظيم مثلا وراءها. إن جهات الأمن، وهي عديدة ومنتشرة وقوية وتتفاخر بأنها تعرف كل ما يدور، كان يجب أن تنشط للبحث عن مصدر هذه الشائعة التي كادت ولمدة ساعات أن تحدث هزة اجتماعية خطيرة وتزعزع استقرار البلاد. لكن هذه الأجهزة صمتت وتركت الإعلام يعالج الحادثة بمنطق الأبله. وكان هذا الصمت مدعاة قلق للكثيرين ممن يعرفون أن أوضاع مصر الشعب والدولة مستهدف هذه الأيام وبطرق مختلفة من بينها بالطبع ترويج الشائعات لتحقيق شتى الأغراض. و على أية حال، فالموضوع برمته وطريقة معالجته إعلاميا وغموضه لا يترك المجال لأحد لكي يهنئ نفسه على مصداقية أو غيرها. [email protected]