من داخلي أتمنى فوز المناضل الوطني الشريف المنصف المرزوقي برئاسة تونس في جولة الإعادة الشهر القادم. وإذا فاز منافسه الباجي قايد السبسي فلن يزعجني ذلك ولن التفت لكون البعض يصنفه بأنه من رموز نظام "بن علي" وأن حزبه - نداء تونس - يضم "فلول" هذا النظام، وأنا صرت لا استسيغ كلمة "فلول" سواء في مصر أو في تونس أو في أي بلد شهد ربيعا عربيا لأن "الفلول" هم في النهاية مواطنون لهم كامل الحقوق ومنها الحقوق السياسية وعليهم كامل الواجبات أيضا. أفرق هنا بين رموز وبطانة كل نظام من الذين أفسدوا سياسيا وماليا وارتكبوا جرائم ومارسوا الاستبداد وزينوا كل السوءات للمستبد الأكبر وهو الحاكم وهؤلاء لابد من محاسبتهم وعدم التهاون معهم، وبين من عملوا مع الأنظمة من الدرجات القيادية والوظيفية الأقل والبعيدين عن التأثير في صنع القرار، وكذلك الأعضاء القاعديين في الأحزاب الحاكمة التي كانت تتفرد بالسلطة، فهؤلاء كانوا مجرد منفذين للتعليمات فقط. بعد ثورة 25 يناير راج في مصر وصف "فلول" الحزب الوطني المنحل وقد شمل الوصف الرؤوس والقادة الكبار، وامتد إلى القواعد والأعضاء العاديين والأنصار والمنتفعين، وتسببت في ألم نفسي ومعنوي وخجل اجتماعي لهم خصوصا في مجتمعات الريف في بحري والصعيد حيث تعرف العوائل بعضها بعضا وحيث العلاقات الاجتماعية متداخلة ومتشابكة وحيث يعتبر إهانة رأس عائلة أو شخص له مكانته وسط أهل قريته أو منطقته هو إهانة لكل المرتبطين به ولم يكن موفقا توسيع وصف "الفلول" على كل هؤلاء ونسبتهم إلى الحزب الحاكم وهم لم يكونوا حزبيين بالمعنى السياسي والعقائدي للكلمة إنما كانوا مع السلطة وطالما أن الطريق إليها عبر حزبها فإنهم ينضمون رضا أو لمجرد إثبات الولاء بل إن حزب السلطة كان يجبر بعضهم على الانضمام إليه عندما يفوز في انتخابات تشريعية وكان البعض ينضم شكليا أو يرتبط فقط بالحزب لتسيير أعماله ومصالحه والحفاظ عليها أو طلب خدمة له أو لغيره، هكذا كانت الدولة كلها تسير وتتحرك بتلك الكيفية ولم تكن هناك نزاهة وعدالة وشفافية ومساواة حتى لا نطالب هؤلاء من الطبقات الأدنى سياسيا ومجتمعيا بعدم سلوك هذا المسار الذي يمكن اعتباره انتهازيا لوكنا في مجتمع ديمقراطي حر. كذلك لم تكن هناك بيئة سياسية صحية تخلق تنافسا حزبيا وتداولا للسلطة حتى يتم محاسبة من ارتبطوا بحزب السلطة من دون الأحزاب الأخرى فالسلطة الشمولية مهيمنة ومتغولة تماما على الأوضاع السياسية والحكم منذ 1952 عبر تنظيمها السياسي الواحد ثم عبر حزبها الواحد بعد العودة الشكلية للديمقراطية، ولم تكن أحزاب المعارضة إلا ديكورا فقط لتتاجر بها السلطة في الخارج برفع شعار الديمقراطية. وبسبب الإسراف في إطلاق وصف "فلول" فإن هؤلاء "الفلول" كرهوا الثورة والثوار ونشأ لديهم حاجز نفسي تجاه 25 يناير، وكان الخروج الحماسي لجانب منهم في 30 يونيو هدفه تصفية حسابات نفسية ومعنوية من يناير واسترداد الهيبة الاجتماعية التي فقدوها بسبب التجريس. تونس أفضل حالا من مصر لأن "فلول" نظام "بن علي" وحزبه السلطوي هم أكثر وعيا وتسييسا من "فلول" مصر الذين كانوا أكثر مصلحية وأقل سياسة، وقد طور "فلول" تونس نهجهم واندمجوا سريعا في المجتمع ولم يخططوا للانتقام من الثورة أو الردة عليها بل أسسوا أحزاب وكيانات سياسية واندمجوا في المشهد السياسي وتبنوا أفكار الإصلاح أي صاروا جزء من المجتمع التونسي الجديد كما أن الطبقة السياسية في كانت أكثر وعيا وذكاء في التعامل مع بعضها البعض ومع رموز "بن علي" وقواعده فلم يعزلوهم أو ينبذوهم أو يقصوهم ولم يجرسوهم وبالتالي لم ينتشر فيروس الكراهية في المجتمع ولم يحدث انقساما حادا كما هو في مصر كما كانوا أكثر إدراكا بمخاطر اللحظة على ثورتهم فحافظوا عليها وقدموا تنازلات مشتركة حتى أنجزوا مرحلة انتقالية ناجحة بدأت بالدستور ثم انتخابات برلمانية فاز فيها حزب "نداء تونس" بزعامة السبسي الذي يحاول البعض الغمز فيه بالقول إنه يضم "فلول" النظام السابق، وكما قلنا فهم ليسوا فلول ماضويين، أي يريدون العودة للنظام الساقط أو الردة عن الثورة إنما هم متمسكون بأهدافها ومندمجون فيها ثم إن المجتمع التونسي الذكي لم يمنحهم أغلبية يحكمون بموجبها منفردين بل فرض عليهم التحالف مع شركاء مختلفين عنهم سياسيا. سواء فاز المرزوقي أو السبسي فإن الفائز الأهم سيكون هو الديمقراطية والانتقال السياسي الهادئ من غير إقصاء ولا دماء ولا سجون ولا تشريد ولا أزمات داخلية عنيفة ولا انقسامات مميتة. وبالانتهاء من الانتخابات الرئاسية سيكون ذلك هو الانتصار الثالث للديمقراطية بعد انتصارها الأول والثاني في الدستور وانتخابات البرلمان. وهنا نحيي حزب حركة النهضة الإسلامي لأن له دور وطني في إنجاح الثورة وتقديم تنازلات مؤلمة للشركاء للعبور بسفينة الثور والدولة إلى شاطئ الأمان. هو رشد "النهضة" بزعامة قائدها راشد الغنوشي. ذلك الرشد الذي افتقدناه في مصر فكانت النتيجة أزمة هي الأعقد والأخطر في تاريخ البلاد الحديث. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.