يبدو ان العلاقات بين الرئيس التونسي منصف المرزوقي وحركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم تشهد توترا شديدا، وذلك بعد ان اتهم المرزوقي "النهضة" بالسعي إلى السيطرة على مفاصل الدولة . منتقدا إصرارها على اعتماد نظام سياسي برلماني في تونس عوضا عن نظام معدل ، وهي تصريحات تهدد بإثارة أزمة جديدة داخل التحالف الحاكم.
وأثارت هذه التصريحات التي ألقيت في افتتاح المؤتمر العام الثاني لحزب "المؤتمر"، شريك حركة النهضة في الائتلاف الثلاثي الحاكم، استياء حركة النهضة التي غادر قياديون بارزون تابعون لها ، قاعة المؤتمر احتجاجا على خطاب المرزوقي، ومن هؤلاء علي العريض وزير الداخلية وسمير ديلو الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية وعبدالفتاح مورو عضو مجلس الشورى في حركة النهضة.
وقال المرزوقي في خطاب ألقاه نيابة عنه أحد مستشاريه ، ان "إخواننا في النهضة يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة الإدارية والسياسية عبر تسمية أنصارهم سواء توفرت فيهم الكفاءة أم لم تتوفر".
وأضاف "كلها ممارسات تذكر بالعهد البائد" في إشارة إلى فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، حيث اتهم الحركة بأنها تمارس نفس أساليب بن علي في عملية السيطرة على مؤسسات ودوائر الحكم في البلاد.
نظام برلماني
وانتقد المرزوقي، الذي أسس حزب المؤتمر عام 2001، "اصرارهم (حركة النهضة) على النظام البرلماني والحال أننا لدغنا من هذا الجحر مباشرة بعد الاستقلال، وعانينا نصف قرن من تبعات جمع حزب، وإن تحصل على الأغلبية بصفة ديمقراطية، للسلطتين التنفيذية والتشريعية في بلد هيأته القرون للدكتاتورية لا للديمقراطية".
ورفض حزبا "التكتل" و"المؤتمر"، شريكا حركة النهضة في الائتلاف الثلاثي الحاكم، وأحزاب معارضة مطلب النهضة اعتماد نظام برلماني صرف ودعوا إلى نظام رئاسي معدل تتوزع فيه السلطات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة.
مغالطات
ورغم أن المرزوقي حاول تخفيف حدة تصريحاته حين تحدث عن أمنيته بأن يواصل حزبه إنجاح "تجربة فريدة في التحالف بين العلمانيين والإسلاميين المعتدلين"، فإن العديد من قيادات ووزراء النهضة خرجوا من القاعة محتجين على خطابه، وبينهم وزير حقوق الإنسان سمير ديلو ووزير الداخلية علي العريضي.
وقال سمير ديلو :"إن الانسحابات احتجاج على "مغالطات" حملها خطاب المرزوقي".
وتتهم بعض منظمات المجتمع المدني التونسي الرئيس الانتقالي بعدم التصدي لما يعتبرونه نهجا تسلطيا تنهجه النهضة، التي انتُقدت بشكل خاص لتعيينها أنصارها في مناصب رفيعة في الإعلام الحكومي، ولسنها قانونا يعاقب بعامين حبسا من "يتعدى على القيم المقدسة"، إضافة إلى محاولتها تعديل مادة دستورية تنص على تساوي الجنسين، وهي محاولة نزل للاحتجاج عليها الأسبوع الماضي آلاف التونسيين.
اتهامات للحكومة
في سياق آخر اتهم منصف المرزوقي الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة ب"التأخير في بعث مشاريع التنمية في الجهات المحرومة والتردد في إطلاق عنان العدالة الانتقالية ومحاسبة الفاسدين وتسوية ملفات الجرحى وعائلات الشهداء (الذين سقطوا خلال الثورة التي أطاحت بنظام بن علي)".
وقال "في الحكومة لا يرون جدوى الدخول في معارك لا طائل منها بخصوص استقلالية الإعلام والقضاء والهيئة الوطنية لتنظيم الانتخابات، وكلها تؤلب علينا جزءا من الرأي العام يمكن أن يكون بجانبنا".
وانتقد المرزوقي "خيارات حركة النهضة التي بيدها جل الوزارات وأهمها"، عازيا أسباب انشقاق عدد من قياديي حزب "المؤتمر" ونوابه بالمجلس الوطني التأسيسي المنبثق عن انتخابات 23 "تشرين الأول" أكتوبر 2011 إلى رفضهم لخيارات النهضة.
أزمة جديدة
وتأتي تصريحات المرزوقي بعد أزمة كادت تطيح بالتحالف الحاكم، سببها تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي إلى ليبيا دون علمه.
وشهد حزب المؤتمر تصدعا داخليا الأسابيع الأخيرة بسبب ما اعتُبر "تبعية" للنهضة، كان من مظاهره انشقاق 12 عضوا من كتلته في المجلس التأسيسي، واستقالة وزير مكلف اشتكى من محدودية صلاحياته.
مريض نفسي
وذهب أحد ممثلي الحزب في المجلس التأسيسي حد الدعوة لعرض الرئيس المرزوقي على طبيب نفسي للتأكد من صحة مداركه العقلية، وهو تصريح كلف هذا النائب الطرد من حزب المؤتمر.
حيث قال الطاهر هميلة النائب بالمجلس الوطني التأسيسي التونسي وعضو المكتب السياسي لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية في تصريحات له :"إن المرزوقي ليس أهلاً بأن يكون رئيس تونس، لأنه يعاني من إضطرابات نفسية عديدة".
وأضاف أنه شرع في جمع تواقيع نواب المجلس الوطني التأسيسي على مذكرة يعتزم عرضها على المجلس تتضمن طلباً بعرض الرئيس المؤقت منصف المرزوقي على فريق من الأطباء النفسيين للتأكد من سلامته وقدرته على إدراة شؤون البلاد.
وكان هميلة قد "صرّح في أكثر من مناسبة أن رئيس الجمهورية مريض نفسي، حاقد يعيش عقدة الإضطهاد".
وكان الإنشقاق الأول عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (29 مقعداً) في المجلس التأسيسي، قد نفّذه عبد الرؤوف العيادي الذي خرج عن الحزب بصحبة مجموعة كبيرة من أعضاء المكتب السياسي، ليؤسس حركة وفاء.
شفيق جديد
من جانبه قال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة خلال المؤتمر "ان التونسيين لن يسمحوا بوجود أحمد شفيق في تونس أثناء الانتخابات المقبلة"، وذلك في إشارة منه إلى" ضرورة التصدّي لقوى الردّة".
وأضاف "لا خلاف لنا مع المعارضة بل الديمقراطية تقوم على المعارضة، ولكن مشكلتنا مع من يراهنون اليوم على قوى الردّة وإعادة الديكتاتورية السابقة" .
ودعا زعيم حركة النهضة إلى مجابهة عودة رموز النظام السابق "الذين يحاولون العودة من الشباك بعد أن طردهم الشعب من الباب"، مضيفا "أن التونسيين لن يسمحوا بوجود أحمد شفيق". وأحمد شفيق هو أخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المصري السابق حسني ومبارك ويعتبره معارضوه أحد أقطاب النظام السابق وزعيم الفلول الذين يريدون العودة للسلطة من جديد، رغم أنه ينفي دائما انتمائه للحزب الوطني المنحل الحاكم سابقا في مصر.
وخطب راشد الغنوشي رئيس الحركة في الحاضرين قائلا "نحن نخالف (المنصف المرزوقي) في كثير من الآراء ونعتبر أنها لا تعبر عن رأي حزب المؤتمر".
وتأتي تصريحات راشد الغنوشي مع ظهور أحزاب سياسية جديدة محسوبة في نظر المراقبين على بقايا النظام السابق على غرار حرب "نداء تونس" بزعامة رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي والذي يعتبره المراقبون من أكبر الأحزاب القادرة على منافسة حركة النهضة في الانتخابات القادمة .
يشار إلى أن المرزوقي تخلى عن قيادة حزبه "المؤتمر من أجل الجمهورية" فور تسلمه منصب الرئاسة في كانون اول/ديسمبر الماضي"، علما بأن الأمين العام لهذا الحزب محمد عبو سبق له أن أعلن قبل بدء أعمال المؤتمر الثاني لحزبه أن المرزوقي سيكون مرشح حزبه إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويرى مراقبون أن حزب الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي قد تآكل من الداخل وفقد بريقه.