بما ان سنة 1971 كانت التاريخ المحدد لانجاز تحرير معظم السلع بين الدول العربية المشاركة في السوق، ولم يتم ذلك وفق الاصول، فقد قام المجلس الاقتصادي العربي المشرف على اتفاقية السوق بتكليف لجنة اقتصادية لتقييم المرحلة التي حققتها السوق، وتقييم للمشروعات المشتركة المطروحة للمرحلة القادمة. وقد انجز هذا التقرير عام 1972 كتقييم اول للاتفاقية. وتناول هذا التقرير بالنقد اتفاقية السوق العربية المشتركة واعلن: - ان مجلس الوحدة الاقتصادية العربية كان متسرعاً باصدار قرار انشاء السوق العربية، ولم يراع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول الاعضاء التي تستطيع ان توجد تنسيقاً حقيقياً وجاداً بين خططها الاقتصادية، مع ما استلزم ذلك من عدم الفصل بين قرارات السوق وقرارات مجلس الوحدة الاقتصادية. - ظلت التشريعات التجارية والمالية والنقدية غير موحدة او منسقة ولم يتم تنفيذ قرار انشاء اتحاد المدفوعات العربي. - رغم الغاء القيود الادارية الكمية فأن هيمنة القطاع العام على التجارة الخارجية في ثلاث دول من دول السوق (مصر، سورياوالعراق) اوجدت سبيلاً لتطبيق سياسات تقييدية واستخدام ذلك القطاع اداة في اخضاع التبادل التجاري لاعتبارات سياسية. - محدودية القدرة التصديرية والتشابه السلعي في مكونات التجارة وتفضيل بعض الدول توجيه ما لديها من فوائض تصديرية للتسويق بالنقد الحر. - استمرار اجراءات الحملة بما يتعارض مع قرار السوق بسبب اختلاف هياكل التكلفة التي اسهم فيها تباين الرسوم الجمركية على المستلزمات المستوردة من الخارج. - قيام بعض دول السوق بتحديد اسعار محلية مرتفعة لبعض منتجات القطاع العام، بينما تصدرها لباقي الاعضاء باسعار متدنية. - اتباع بعض الدول في السوق مبدأ تخطيط التجارة الخارجية ووضع ميزانية نقدية وفقاً لأولويات تحددها، مما يؤدي الى منع الاستيراد من دول اعضاء لعدم ادراج قيم صادرات الاخيرة في تلك الميزانية، مع حظر استيراد بعض السلع من باقي الاعضاء لأنها تصنفها على انها سلع كمالية. - طلب بعض الدول استثناء عدد من المواد من التخفيض او الاعفاء بحجة شدة اعتماد ايراداتها العامة على الحصيلة الجمركية منها. كما امتنعت بعضها عن تنفيذ مراحل متقدمة من تحرير التبادل متذرعة بعدم التزام باقي الاعضاء بالتحرير سابقا. وبالرغم من كل الانتقادات الموجهة لآلية تنفيذ احكام السوق من قبل الدول الاعضاء، فقد اوصت اللجنة بضرورة التمسك بقرارات التحرير الكامل للتبادل التجاري، والعمل على اخراج اتحاد المدفوعات الى حيز الوجود، وتنسيق الخطط الخمسية لدول السوق والعمل على تجنب تكرار المشروعات وتضاربها في دول السوق، ودراسة الوسائل اللازمة للتوفيق بين احكام السيادة الوطنية وبين الزامية قرارات السوق، بالاضافة الى تجنيب التبادل التجاري مخاطر القرارات السياسية، والكف عن عقد الاتفاقيات الثنائية بين دول السوق. وفي ظل مراجعة ثانية لقرار السوق العربية المشتركة ظل المجلس الاقتصادي يتابع تنفيذ الأحكام الخاصة بتحرير التجارة بين الدول الاطراف والتشاور مع الدول الاخرى التي لم تنضم الى السوق للتعرف على الصعوبات التي تحول دون انضمامها. وتشكلت لذلك لجنة تطوير السوق التي انعقدت سنة 1983 ووضعت عدداً من المقترحات التي تؤدي الى تفعيل السوق وتطويرها. كما ابرزت بعض الصعوبات والمشاكل التي تؤثر على نمو دول السوق ومن ثم على نمو التبادل المتكافىء بينها. ومنها: تباين السياسات الاقتصادية، عدم توفر الجودة في المنتجات المتبادلة، عدم الالتزام بالمواصفات والمقاييس المتفق عليها، تنافس المنتجات المحلية لدول السوق بسبب تشابهها، منافسة السلع الاجنبية للسلع الوطنية المماثلة، ارتفاع اسعار التصدير بسبب ارتفاع التكاليف وتباين اسعار المواد الاولية واسعار الطاقة، عدم المعرفة بأساليب التسويق الحديثة وصعوبات النقل والنقص في تبادل المعلومات . وفي العام 1984 اوصى المجلس الاقتصادي بأن تقوم دول السوق العربية بتطبيق قواعد منطقة التجارة الحرة في مرحلتها الاخيرة، اي الاعفاء الكامل من الرسوم والضرائب في عملية التبادل التجاري. ولا ينطبق ذلك على الدول الاقل نموا في السوق اذ تتحدد صيغ مرنة لها. والجدير بالذكر انه بالرغم من ان المجلس الاقتصادي ظل دائما يصر على تفعيل التعاون بين دول السوق العربية، الا اننا كنا نرى توالي الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول العربية الثنائية منها والجماعية، والتي تصب جميعاً في خانة تطور المبادلات والتجارة البينية بين الدول العربية، والتي تعتبر مشابهة او مكملة في اطار شمولي اكبر لاهداف ومبادىء السوق العربية المشتركة. ففي العام 1984 كان يوجد عدد من الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية في مجال التبادل والتجارة بين الدول العربية بلغ حوالي 122 اتفاقية عدا عن ذلك وبناء على اقتراح مقدم من العراق والذي هو عضو في السوق العربية المشتركة، اقر المجلس الاقتصادي بتاريخ 1981/2/27 اتفاقية (تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية). وقد صادقت عليها حتى الآن 18 دولة عربية ، بينها دول من السوق العربية المشتركة. ومن الطبيعي ان تقرأ هذه الاتفاقية من عنوانها. فهي تصب في خانة تنشيط التجارة الخارجية بين الدول العربية، واهدافها لا تختلف كثيرا عن اهداف السوق، الا انها اكثر مرونة واخف إلزاما. ويأتي على رأس اهدافها: تحرير التبادل التجاري بين الدول العربية، مبدأ الحماية المتدرجة للسلع والمنتجات العربية، تسوية المدفوعات الناشئة عن التبادل التجاري، التوزيع العام للاعباء والمنافع المترتبة على تطبيق الاتفاقية، عدم اللجوء الى العقوبات الاقتصادية في المجال التجاري بين الدول الاطراف... وتختلف هذه الاتفاقية عن اتفاقية السوق العربية المشتركة بأنها تعتمد المدخل الانتقائي للسلع، اي انها تحدد السلع التي تخضع للتحرير او الحماية، بعكس اتفاقية السوق التي تنص على التحرير التدريجي لمعظم السلع من الرسوم والقيود. واخيراً وليس آخراً في هذا المجال، نجد ان اهتمام الدول العربية ينصبّ اليوم على اقامة (منطقة التجارة العربية الكبرى) والتي اقرها المجلس الاقتصادي الاجتماعي في شباط 1997 وبدأ العمل بها في اول سنة 1998، وهي تنص على تخفيض الرسوم الجمركية على السلع العربية المتبادلة بمعدل 10% سنويا، على ان يتم التوصل الى تحرير السلع العربية بالكامل في عام2007 وقد استندت هذه الاتفاقية في برنامجها التنفيذي بصورة اساسية على تفعيل اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري ما بين الدول العربية. وقد صادقت عليها حتى الآن ثماني عشرة دولة عربية. اما الدول غير المصادقة عليها فهي: الجزائر، موريتانيا، جيبوتي، وجزر القمر. ويعتبر الاساس في الانضمام الى هذه الاتفاقية الموافقة على الاتفاقية السابقة، وعلى البرنامج التنفيذي للاتفاقية الجديدة، الذي يعتمد مبدأ التحرير التدريجي لكافة السلع الزراعية والحيوانية والمصنعة ونصف المصنعة وبنسبة سنوية محددة، مع اعتماد هياكل الرسوم الجمركية المطبقة فعليا في 31/12/1997 في كل دولة من الدول العربية ليتم التخفيض على اساسها. كما تمت الموافقة على مبدأ اعتماد الروزنامة الزراعية، بحيث يحق بموجبها لكل دولة تحديد عدد من السلع الزراعية التي لا تتمتع بالتخفيض من الرسم الجمركي المطبق عليها في فترة معينة من العام وذلك بعد موافقة المجلس الاقتصادي على قائمة السلع الزراعية المقدمة من الدولة المعنية لا شك ان هذه الاتفاقيات الجديدة بين الدول العربية والتي تدفع جميعها باتجاه تنمية التبادل الاقتصادي العربي، تظهر الى اي مدى اصبحت اتفاقية السوق العربية المشتركة ضرورية، وتظهر في الوقت نفسه بأن المجلس الاقتصادي يحاول ان يوجد اتفاقيات تجارية اكثر مرونة من اتفاقية السوق، واقل الزاما وتجمع اكبر عدد من الدول العربية. وربما كان ذلك عاملاً لاستقطاب الدول الاكثر حذراً للدخول في اتفاقية ملزمة.