مما يؤسف له أن اغلب الكتاب وشيوخ ومفكري السنة حين ما يتناولون إيران يزعمون أن مشروعها قومي وذلك بهدف إقناع العرب وأهل السنة بالخطر الإيراني. وهذا باعتقادي خطا فادحا في الخطاب العربي الإسلامي وبذات الوقت يدل على عدم معرفة مفكرينا ومشايخنا وكتابنا بإيران، وما دور الدين في تكوين الأمة والدولة الإيرانية، وإذا ما كانت إيران دولة دينية أم دولة قومية. إيران منذ نشأتها كإمبراطورية نشأت على أساس ديني (مجوسي) وكان الدين المجوسي عنصرا هاما في تكوينها. وبعد الفتح الإسلامي لعب الدين دورا أساسيا في نشوء الحركة الشعوبية التي كونت مجمل الحركات الباطنية. وعندما جاء الصفويون، وهم ليسوا من الفرس، كونوا دولتهم الجديدة على أساس ديني وأرادوها أن تكون إمبراطورية دينية وليست فارسية كما يعتقد كتابنا ومشايخنا الضائعون في فهم ايران. وفي عاما 1925 عندما أنهى رضا خان بهلوي عصر الإمبراطورية وانتقل إلى تكوين الأمة والدولة الإيرانية، اتخذ من التشيع الذي هو دين الأغلبية (أذريين وعرب وقشاقيين ولرومازنية و جيلانية) عقيدة للأمة الإيرانية، و جعل من الفارسية للغة لهذه الدولة. و أوكل إلى مراجع الدين الشيعة بناء حوزات ومعاهد دينية إيرانية لتخريج رجل دين شيعي جديد مستوعبا لمفهوم الأمة والدولة الإيرانية. فقد كان رجال الدين الإيرانيين قبل ذلك يتعلمون في حوزات الدين الشيعية في العراق التي أسس لها نصير الدين الطوسي في القرن السابع الهجري وكانت هذه الحوزات تربي رجل الدين على مفهوم التشيع التقليدي البعيد عن مفهوم الأمة والدولة الإيرانية. واستمر هذا البناء مدة تزيد على الخمسة عقود فلما جاء الخميني أراد لإيران الانتقال مجددا إلى مرحلة الإمبراطورية ولكن على أساس ديني وليس قومي ولهذا رفع شعار تصدير الثورة الإسلامية. فالخميني أدرك أسباب فشل الأنظمة القومية والوطنية العربية واستخدم الخطاب الديني مدخلا على العرب والمسلمين. ومن هنا بات من الصعب على أي كاتب أو سياسي اتهام إيران بالعنصرية القومية أو الوطنية. لقد وقع صدام حسين في خطأ كبير حين أراد مواجهة المشروع الديني الإيراني بالخطاب القومي العربي. ونفس الخطأ يكرره اليوم الكثير من المفكرين والدعاة والكتاب العرب وأهل السنة عندما يصفون المشروع الإيراني بالقومي الفارسي. فكيف يمكن إقناع إخوان مصر المتعاطفون مع إيران، وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، والشيعة العرب بالعراق والخليج العربي والشام، والشيعة في السودان وأفريقيا وآسيا، أن المشروع الإيراني مشروعا فارسيا عنصري وهم لا يسمعون منها سوى الخطاب الديني؟. يجب على كل مهتم بموضوع المشروع الإيراني إعادة قراءته لإيران والمشروع الإيراني ومعرفة الأسس التي قامت عليها إيران وما هو العنصر الأساسي الذي يرتكز عليه مشروعها الذي نريد مواجهته. وللحديث بقية