يفسد المسؤول في مصر مع أول مرتب يتقاضاه! ذلك أنه وحين يدخل عليه مدير مكتبه طالباً منه التكرم والتعطف بالتوقيع على إيصال إستلام راتبه تكون الفكرة الأولية لدي المسؤول (الذي لا يزال نزيها) أنه سيحصل على عدة آلاف من الجنيهات نظير وظيفته الهامة الجديدة ثم يفاجئ المسؤول بأن راتبه الإجمالي قد قفز إلى عشرات الألوف إن لم تكن مئات الألوف! فيسأل منبهراً (أو منزعجاً) من أين أتت هذه الأموال - فيسهب مدير مكتبه (أو هامانه) في تعديد أوجه البدلات والحوافز وكيف أن سيادته عضو بعشرات المجالس وأنه ممثل بالكثير من اللجان والهيئات وأن سيادته يعمل الكثير بدون أن يشعر أو حتى يعرف! هنا نحن أمام حالين - إما أن المسؤول لم يكن يعرف شيئاً بالكلية عن البدلات والحوافز المصاحبة للمنصب وكان كل أمله أن يحصل على راتبه ويذهب إلى بيته سريعاً ليسعد زوجته وأطفاله براتيه الجديد أو أنه لديه فكرة مسبقة عن البدلات والحوافز ولكن لم يتخيلها بهذا القدر وفي الحالين فإنه إن كان ممن نعرف فسيصبح أكثر طمعاً وجشعاً وسيوحي إليه مدير مكتبه (أو هامانه) بالكثير مما يمكن أن يفعله ليُعظم من دخله - بالقانون والحلال! وإما أن يكون ممن يتقي الله في نفسه ودينه ويعرف أنها إنما هي أموال إقتطعها من سبقوه لأنفسهم بعد أن ظنوا أنهم قد ملكوا مناصبهم للأبد وبالتأكيد نحن نعلم أن مدير المكتب أو السكرتير هو أول من يفرح بسكوت رئيسه إذ انه هو نفسه سيضع نفسه في الكثير من كشوف البركة الحكومية - وأعني بها كشوف الحوافز والبدلات - كيف لا وقد سكت رئيسه وإنكسرت عينه!؟ الحل يكون بحين إختيار أطقم السكرتارية ومديري المكاتب فيتقون الله في أنفسهم وفي رؤسائهم غير أننا لا يجب أن ننتظر هذا الحل - والحل الأسهل لا يكون إلا بإقرار قوانين جديدة تحرم هذا العبث الذي يقوم به المسؤول من حيث تمثيل نفسه في أكثر من لجنه وهيئة وإدارة وأن تضع القوانين الرادعة التي تحمي أموال الدولة من الضياع بسفه من قد لا يراعي الله فيها. قوانين جديدة تحدد السقف الأقصى لما "يتسلمه" المسؤول أخر الشهر من دخل (وليس فقط تحديد الحد الأقصى للراتب الأساس) بحيث يتم التحكم في الأموال التي تدفعها الدولة لموظفيها أياً كانت وظائفهم مع الأخذ بالإعتبار طبيعة الوظائف زطبيعة مخاطرها - بما يحمي عائلاتهم إن حدث لهم مكروه - وبما يضمن لهم معاشات محترمة عقب تركهم الخدمة. أما أن تترك الدولة الأمر كما هو مما نسمعه الأن عن موظفين يتقاضون الملايين وبالقانون وبالحلال بينما غيرهم في هيئات أخرى - وقد تكون نفس هيئات الكبار- وهم يتقاضون المئات القليلة من الجنيهات هو أمر هزل لا يمكن معه أن نحقق أي تكافؤ في الدخول والفرص ولن يمكن معه بحال تحقيق عدالة إجتماعية يمكن بها إقامة سد منيع لحماية الجبهة الداخلية. الخلاصة أنه بهذه الطريقة يمكن توفير الملايين التي كان يحصل عليها فرد واحد لزيادة مداخيل أفراد وموظفين يقاتلون حتى ينهوا شهرهم دون إغضاب ربهم وليتنا نصدر قانوناً سريعاً وعادلاً للتحكم في الحدود القصوى والدنيا لمداخيل العاملين بالدولة وأرباب المعاشات - وخصوصاً أرباب المعاشات هؤلاء الذين يحتاجون في شيخوختهم إلى طعام خاص وعلاج وما أدراك ما أسعار الدواء الأن في مصر. حاتم حجاب شيكاغو - الولاياتالمتحدة الأمريكية