طريقة تعامل السلطات المصرية مع اتهامات الاتحاد الاوروبي لواردات الحلبة المصرية بانها سبب انتشار بكتيريا الإي كولاي المعوية السامة التي أدت لوفاة عشرات الاشخاص وإصابة الآلاف في أوروبا ، تعد استمرارا للفشل في سياسة إدارة الأزمات وهو أحد العيوب الرئيسية للنظام السابق على مختلف المستويات وفي مقدمتها المستوى السياسي ،خاصة بعد تحول هذه الاتهامات إلى قرار رسمي بفرض حظر على استيراد البذور والفاصوليا من مصر حتى 31 أكتوبر . وحتى نفهم تسلسل الموضوع نعود إلى الوراء قليلا حيث بدأت الأزمة نهاية شهر مايو الماضي في أوروبا وبالتحديد ألمانيا عندما ظهرت البكتيريا الغامضة وأدت لوفاة عدد من الأشخاص وإصابة المئات ،وبدأ الجميع في البحث عن مصدرها ووجهت الاتهامات للخيار الاسباني مما دفع روسيا وعدد من الدول إلى فرض حظر على واردات الخضروات الأوروبية . وهنا جاء رد الفعل الاسباني عنيفا سواء على مستوى المزارعين أو المستوى الرسمي حتى وصل الى مستوى رئيس الوزراء خوسيه أثنار الذي قال إن بلاده ستطالب بتعويضات مادية كبيرة نظرا لما لحق بها من خسائر اقتصادية . كما انتفضت المفوضية الأوروبية في مواجهة الحظر الروسي ووصفت الحظر بانه غير لائق ولا يستند على أسس علمية وصعدت احتجاجاتها العنيفة حتى وصلت إلى ديمتري ميدفيديف الرئيس الروسي بنفسه . بداية الزج بمصر في الموضوع كانت في 30 يونيو الماضي عندما بدأت بعض وسائل الاعلام العالمية في تسريب اخبار مفادها ان "تحقيقات أولية قام بها علماء اوروبيون أشارت الى احتمال أن تكون بذور حلبة مستوردة من مصر في 2009 أو 2010 هي مصدر اصابات بكتيريا /ايكولاي/ في ألمانيا وفرنسا" رويترز .وبالطبع تثير هذه الاتهامات المزعومة الشك ، فيكف تم التحقق من أن البذور المستوردة منذ سنتين أو أكثر ومن مصر بالذات هي السبب في انتشار البكتيريا ، أم أن الأوروبيين وجهوا الاتهام للجهة التي يعلمون أن ردود فعلها ستكون ضعيفة (الحيطة المايلة ) ،ولكن الرد عن هذا التساؤل ليس مجالنا ونترك البحث في حقيقة هذا الاتهام للعلماء والخبراء الزراعيين ،فهم أهل الخبرة ،ولكن نركز هنا على متابعة رد الفعل الرسمي على هذه الاتهامات . جاء أول رد فعل على لسان الدكتور علي سليمان رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي بوزارة الزراعة في الاول من يوليو وقال" إن مصر ليست مصدرا لمرض بيكتريا "إي كولاي" .. مشيرا إلى أن هذه البكتريا لم يثبت وجودها في مصر على الإطلاق ولم تسجل حتى الآن .. مؤكدا أن كل الادعاءات على الحلبة المصرية بأنها سبب في نقل المرض غير صحيح إطلاقا "أش أ ولم توضح لنا هذه التصريحات ما هو الأسلوب الذي سيتم به الرد على الاتهامات لدى سلطات الاتحاد الأوروبي المعنية أم أن التصريحات للإستهلاك المحلي فقط . ثم جاء رد الفعل التالي الغريب بتاريخ الثالث من يوليو حيث "صرح الدكتور علي سليمان بأن مفوضية الاتحاد الاوروبى نشرت خطابا على موقعها الرسمي تؤكد فيه خلو الحلبة المصرية من ميكروب "اى كولاى" وتم توزيع هذا الخطاب على جميع دول الاتحاد الاوروبى" أ ش أ كما اتبعه في نفس اليوم تصريح من الدكتور أيمن أبوحديد وزير الزرعة وإستصلاح الأراضى قال فيه "أنه تلقى خطابا من المفوضية الأوروبية تنفى ماأشيع حول أن الحلبة المصرية هى مصدر بكتريا الإيكولاى التى ظهرت فى أوروبا ، كما أكدت المفوضية ثقتها فى جودة المنتجات الزراعية المصرية وسلامتها " أش أ . أي وفقا للمسؤولين المصريين فأن كله تمام ياريس ولا يوجد ما يدعو للقلق ، سحابة صيف ومرت ، دي المشكلة من عندهم . ولكن فوجئنا جميعا بالقرار الصادر من الاتحاد الاوروبي يوم 5 يوليو والذي جاء بعد يوم واحد من التصريحات المصرية المتفائلة ويقول " صوت الاتحاد الاوروبي لصالح حظر استيراد بعض البذور والفاصولياء من مصر حتى 31 اكتوبر بعد أن أشير الى واردات من بذور الحلبة المصرية على انها السبب الارجح لتفشي بكتيريا ايكولاي في أوروبا في الآونة الأخيرة" رويترز وبداية من ذلك التاريخ بدأت السلطات المصرية في التعامل لأول مرة بجدية مع القضية حيث قدمت الحكومة المصرية شكوى رسمية ضد الاتحاد الأوروبي إلى منظمة التجارة الدولية. وقال مجلس الوزراء انه تقدم بهذه الشكوى لحفظ حق مصر ورفض محاولات الإضرار بها تجاريا. وبتحليل هذا التسلسل الزمني ، نجد أنه استمرار للسياسات العشوائية للنظام السابق في عدم وجود استراتيجية واضحة للتعامل مع أي أزمة حتى على المستوى الاقتصادي ، وإخفاق الاجهزة المختلفة في التنبؤ بحجم المشكلة وانعدام التنسيق بين أفرع الجهاز الواحد وأجهزة تمثيل الدولة في الخارج وعدم وجود قوى ضغط مؤثرة ووجود تباطؤ في اتخاذ القرار . ويتطلب هذا الأمر تغيير نمط التفكيروطرق الادارة والقضاء على فكرة التهوين من المشاكل ومواجهة الأمور بحسم وجدية ، أي أننا بحاجة فعلا لتغيير النظام وليس رأس النظام فقط وتطعيمه بوجوه شابة تربت على نمط الادارة الحديثة قادرة على التفاعل واستشراف المستقبل واتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب . صحفي وإعلامي مصري