حجم الاستياء من الحكومة السعودية كبير هذه الأيام، في تونس ومصر واليمن. وإذا كان مثل هذا الاستياء في حالتي مصر واليمن ما زال محصورا في دوائر النخب السياسية والأحزاب فإنه في تونس وصل حد التعبير عنه رسميا ومن رئيس الحكومة نفسه. ما قاله السيد الباجي قائد السبسي لهذه الجريدة قبل يومين يعكس مرارة واضحة فالرجل يقول إنه اتصل بالمسؤولين السعوديين بخصوص استلام الرئيس السابق زين الدين بن علي للمثول أمام المحكمة بالتهمة المرفوعة ضده لكنهم لم يردوا عليه مطلقا!!. أكثر من ذلك، حتى عندما يبعث لهم بالتهاني في المناسبات مثلما تقتضي الأصول 'لا يردون علينا مطلقا'!!. إذا كان يجوز جدلا في منطق العلاقات بين الدول أن يغضب أحد من الثاني فمن باب أولى أن تكون تونس هي من يعبّر عن ذلك فقد آوت المملكة رجلا من حق الشعب التونسي أن يحاسبه على كل ما فعل. وحتى إذا تركنا الحكومة التونسية جانبا، فإن التونسيين لم يستسيغوا بعد أن يستجار رجل كبن علي مهما بحثوا للرياض عن أعذار حقيقية أو مفترضة. ربما كان بإمكان قائد السبسي والتونسيين أن يتفهموا السعوديين في قرارهم لو كلّف هؤلاء خاطرهم بعض العناء لشرح وجهة نظرهم لنظرائهم التونسيين، أما منطق التعالي هذا والتجاهل فليس يسيرا تقبله أو هضمه. إن ثورة تفخر أن تسمي نفسها بثورة الكرامة لا تقبل أن تمس كرامتها من بعض أبناء البلد فما بالك بمن سواهم. قصة مصر الثورة مع السعودية قضية أخرى. رغم كل ما أشيع عن وقوف الرياض مع حسني مبارك حتى آخر لحظة، ورغم ما يتردد من أنها تضغط إلى الآن لمنع محاكمته وتجنب 'مرمطته' مع كل ما فعله ببلده وشعبه ومكانتيهما عربيا ودوليا... رغم كل ذلك لم يخرج رئيس الحكومة المصرية عصام شرف أو أي من وزرائه ببعض تعابير الاستياء كتلك التي عبر عنها قائد السبسي. في المقابل انطلق سياسيون مصريون من أطياف مختلفة في قول ما هو أقسى من ذلك بكثير. على سبيل المثال لا الحصر قال مجدي حسين زعيم حزب العمل قبل يومين ان 'السعودية تمارس ضغوطا على المجلس العسكري وتطرح مطالب من قبيل عدم تطبيع العلاقات مع إيران والتهديد بطرد المصريين من السعودية كما طالبت المجلس بوقف محاكمة مبارك وقد نجحت في ذلك'. ويضيف حسين في نبرة غضب شديدة بأن 'مصر ترفض نهج التسول من أنظمة الخليج الذي يتبعه المجلس العسكري الحالي (..) فلسنا مجموعة من الشحاذين'. في نفس الوقت تحفل الصحافة المصرية بكلام كثير من هذا النوع تجاه الرياض وبما هو أقذع كذلك. وإذا كان استياء التونسيين من الرياض جاء بعد الثورة والمصريين في نهايتها وبعدها ففي اليمن يمتد هذا الاستياء على طول مسارها ويشتد الآن وهي في عز مخاض انبلاج فجرها الشديد. شباب اليمن المحتجون يعتقدون الآن اعتقادا راسخا بأن الرياض لا تفعل الآن شيئا سوى التنسيق الواسع مع الأمريكيين لإجهاض تتويج ثورتهم السلمية الرائعة. هم يقولون إن المملكة لا يمكن ببساطة أن تطيق بجوارها شعبا يفخر بأنه أطاح بحاكمه خاصة إذا كان هذا الحاكم استطاع أن يقنع القريب والبعيد أنه صمام الأمان الوحيد ضد 'القاعدة' وموجات التطرف المسلح في الجزيرة العربية. لكل ذلك لم يتردد المتظاهرون في رفع شعارات تطالب السعودية بكف يدها عن التدخل في شؤون البلاد ومحاولة صياغة مستقبلها وهو ما لم تصل إليه طبعا ثورتا تونس ومصر لاختلاف السياق التاريخي والجغرافي. لا يعلم على وجه الدقة بالضبط درجة وعي دائرة صنع القرار في السعودية بمدى خطورة شعور شعوب عربية بكاملها بأن الرياض تقف منها موقف المتبرم أو المعادي حتى لا نستعمل لفظ المتآمر، سواء اشتركت أم لا حكومات هذه الشعوب في الإحساس بذلك. لا أحد من حقه أن يملي على المملكة أو غيرها أين هي مصلحتها ولا كيف تحدد علاقاتها مع الآخرين لكن من حق أي كان يقول لها، ناصحا قبل أي شيء آخر، إن نهجا كهذا غير مثمر بالمرة ولا حكيم. هذا أقل ما يقال! نقلا عن القدس: