شهود عيان: أهالى أبو العلا وغمرة انضموا إلى عناصر الجيش بعد مناشدات التليفزيون.. والدولة ورطت المواطنين فى قتل بعضهم سلفيون توجهوا إلى ماسبيرو مرددين "إسلامية إسلامية".. ومصادرة أفلام القنوات الفضائية عن الأحداث
ليس بداية كل غيث قطرة أو قطرتين ، فأحيانًا يأتيك الغيث كطوفان يجرفك ومن معك تاركًا آثاره وشروخه فى النفوس، لينتهى، ومن بعده تأتى قطرات تعجز عن تضميد انكساراتك. هذا هو حال الأقباط فى مصر الذين يأخذون من يوم التاسع من أكتوبر منذ ثلاثة أعوام وحتى الآن، كحائط مبكى، يذرفون عليه الدمع، متذكرين عجلات "جنزيرية" لمدرعات عسكرية دهست العشرات منهم، يرفعون فى كل ذكرى جديدة شعارات "نحن مظلمون"، مطالبين بمحاسبة الجاني. لكن يبدو أن هذه الذكرى تأتى وقد خف الطوفان بين الأقباط والدولة، ليبدأ شهر العسل بينهما مع حلول رئيس جديد يأملون منه الكثير مقابل منحه دعمًا مطلقًا، وهو الرئيس عبد الفتاح السيسي، المطالب حاليًا بإعادة فتح ملف ماسبيرو والكشف عن المتورطين فيه، فيما يمكن أن نسميه "طوفان ماسبيرو" بالشعرة التى يتوقف عليها استمرار دعم الأقباط له من عدمه. وأحيت القوى الثورية الذكرى الثالثة لأحداث "مذبحة ماسبيرو"، بوقفة صامتة بالشموع أمام نقابة الصحفيين، وأصرت أسرة مينا دانيال، أحد ضحايا مذبحة ماسبيرو، على عدم رفع أى شعارات سياسية، فقط صور من قتلوا. فيما طالب اتحاد المنظمات القبطية بأوروبا (إيكور) الدولة والرئيس المشير عبد الفتاح السيسي، بإعادة فتح التحقيق فى مذبحة ماسبيرو، مطالبين بفتح تحقيق لإظهار الحقائق، مؤكدين أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. وشدد على ضرورة أن يأخذ القضاء العادل مجراه تمامًا حتى القصاص من الجناة جميعهم، مؤكدين أنهم لن ينسوا دماء شهدائهم السلميين، مضيفين أنها دماء ذكية سفكت لرفضهم سلوك الغوغاء والدهماء المشحونين بأيديولوجيات كراهية وتطرف فى قرى مصر. قرية المريناب.. من هنالك بداية القصة بدأت أحداث ماسبيرو من هناك أقصى الجنوب المصرى بمحافظة أسوان، قرية المريناب على وجه التحديد، حيث قام أهالى من القرية بهدم مبنى اتخذه الأقباط كنيسة بدعوى أنه غير مرخص. وعلى خلفية الحادث نظم الأقباط فى القاهرة ما يسمى ب"يوم الغضب القبطي"، وكان فى التاسع من أكتوبر، فيما كانوا دخلوا فى اعتصام أمام مبنى ماسبيرو فى الرابع من نفس الشهر. وجاء يوم الغضب ذلك ملخصًا فى ماسبيرو من دوران شبرا متوجهة إلى ماسبيرو انتهت باشتباكات. ورفع المشاركون خلال اليوم لافتات طائفية، مثل "فداك يا صليب"، فيما تدخلت قوات الأمن واشتبكت مع المتظاهرين بغرض فض التظاهرة، ثم انسحبت قوات الشرطة، وتقدمت إلى الاشتباكات قوات الشرطة العسكرية بمدرعاتها ودباباتها، وهى المعركة التى كانت محسومة للجيش بسقوط 24 إلى 35 شخصًا، أغلبهم من الأقباط. فيما كان القس فيلوباتير والراهب متياس، أحد أبرز الشخصيات المشاركة فى الاعتصام، ممارسين نوعًا من التحريض للمعتصمين، فى المقابل انسحبت حركتا "اتحاد شباب ماسبيرو وأقباط بلا قيود"، مبررين موقفهما برفضهما لمشاركة الجلابيب السوداء فى العمل السياسى، يقصدون دخول رجال الدين السياسى فى قرارات الأقباط السياسية. ومن الطبيعى أن تختلف الروايات حول حقيقة الأحداث حسب الأغراض الخاصة بكل راو، فبعض الروايات أكدت أن الأقباط هم من اعتدوا على قوات الجيش ورجال الشرطة العسكرية «بالسيوف والخناجر والأسلحة النارية»، ما أدى إلى مقتل ثلاثة من رجال الجيش بطلقات نارية، والرواية الأخرى تؤكد أن الأقباط كانوا فى اعتصامهم مسالمين، وأن قوات الأمن هى من اعتدت عليهم، وأطلقت عليهم النيران وأن مركبات الجيش دهست المحتجين، وقامت بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، بهدف تفريقهم، بعد أن تردد أنهم ينوون الاعتصام المفتوح أمام المبنى، ما أدى إلى انتشار حالة من الفوضى. تسارعت الأحداث سريعًا بغض النظر عن لحظة بداية الأحداث، حيث أقدم المتظاهرون على إحراق أربع سيارات بينها سيارة للشرطة وحافلتان صغيرتان وسيارة خاصة، كما خلعوا الأعمدة الحديدية على جانبي الجسر بهدف استخدامها كدروع فى مواجهة الجيش، وبثت بعض القنوات الإعلامية أخبارًا عن وجود بلطجية ومندسين وفلول الحزب الوطنى بهدف إشعال المكان وتأجيج العنف، فضلًا عن إطلاق نار مجهول المصدر، علمًا بأن المسيرة، التى بدأت قبطية، انضم لها عدد من الجهات المناوئة لسياسة المجلس العسكرى فى مصر، ولم تقتصر على الأقباط فقط. وبعد نجاح الجيش فى ضرب طوق أمنى حول مبنى ماسبيرو وتراجع المتظاهرين إلى كورنيش النيل أمام المبنى، ظهر مجهولان يستقلان دراجات بخارية ودخلا فى حماية الشرطة العسكرية واعتديا على المتظاهرين بالجنازير. فى الوقت نفسه، توجه العشرات من الشباب المسلمين والمسيحيين إلى ميدان التحرير هاتفين بسقوط الحكم العسكري، ومنددين بالتعامل العنفي للأمن، ولم يفلحوا فى الوصول إلى ماسبيرو لكشف «الحقيقة»، وسرعان ما تمكنت قوات الأمن من السيطرة على الوضع داخل ميدان التحرير، وتم إلقاء القبض على العشرات، وتقهقر بقيتهم إلى خارج الميدان، كما وصل عدد من السلفيين إلى منطقة ماسبيرو، مرددين هتافات «إسلامية إسلامية» كما قام بعد ذلك عدد من المتظاهرين بإشعال النيران فى سيارتين، ومنعوا رجال الدفاع المدني من إطفائهما وانتقلت الاشتباكات إلى شارع رمسيس، ما دفع إلى إعلان حظر التجول فى وسط القاهرة من الثانية فجرًا وحتى السابعة صباحًا. شهود عيان يروون تفاصيل اقتحام الاعتصام لحظة بلحظة "خرجت من عملي فى منطقة ماسبيرو حوالي الساعة السادسة من عند ميدان عبد المنعم رياض ناحية هيلتون رمسيس، يقول محمد أبو رحاب، أحد شهود العيان، "أول ما رأيت أفواجًا من المتظاهرين الأقباط يحملون صلبانًا ويتجهون إلى الكورنيش أمام مبنى ماسبيرو ظللت واقف دقائق أشاهد المتظاهرين، ومن الملاحظ إن نسبة النساء كانت بينهم كبيرة"، ويتابع: "صعدت على كوبري 6 أكتوبر لرؤية أفضل للوضع كانت الأعداد الكبيرة تكاد لا تترك أى فراغ فى الطريق كله ثم سمعت طلقات نار لتفريق المتظاهرين وما مرت إلا دقيقة أو دقيقتان وفوجئت بعدة مدرعات جيش تخترق أكداس المتظاهرين بسرعة كبيرة، وبدون سابق إنذار من أمام مبنى ماسبيرو لأسفل كوبرى 6 أكتوبر لتستدير المدرعات وتكمل فيما ظهر كأنها محاولة لدهس للمتظاهرين". ويضيف: "أتمنى أن مَن صورها يقوم برفعها على النت"، موضحًا: "ظلوا على هذا النسق "رايحين جايين على الناس" عدة لفات مع إطلاق أعيرة نارية "لست أعلم كونه رصاصًا حيًا أم رصاص صوت.. شاهدت دهس عدة متظاهرين أمام عيني، وكان هناك مصابون رأيت بينهم نساء ثم تفرق المتظاهرون وفرّ أغلبهم لخلف الكوبرى فى ساحة الهيلتون وظل بعض الشباب المتظاهر يرشق المدرعات بالحجارة ويتجه للأمام باتجاه ماسبيرو دقائق ورأيت نفس هذه المدرعات التى كانت تهاجم المتظاهرين تشتعل أمام ماسبيرو دقائق أخرى وعادت قوات الجيش باتجاه عبدالمنعم رياض خلف المتظاهرين هنا تحركت من مكانى لصعود بعض المدرعات وقوات الجيش الكوبرى كان الوقت حينها حوالى السابعة وعدت بعد ذلك فى اتجاه التحرير ورأيت فى طريقي بعض شباب الأقباط المتظاهرين فى حالة ثوران وغضب وبعض الأفراد راحوا يقذفون أتوبيسات النقل العام بالحجارة. واسترسل فى رصد الأحداث "أن المتظاهرين من رؤيتي كانوا فى البداية سلميين ولم يلجأوا للعنف إلا بعد هجوم المدرعات بهذا الشكل الجنوني غير المفسر وغير المبرر تمامًا، وأن الذى رأيته لم يكن فض تظاهر بقدر ما كان يشعل الموقف كان قوات الجيش بهذه الأفعال غير المسئولة كأنه كان لا يراد منها إلا إشعال الموقف لا تهدئته، مؤكدًا هذا كان اختصار لما رأيته ليوم 9-10-2011 من أحداث ماسبيرو من فوق كوبرى 6 أكتوبر، ومن ناحية هيلتون رمسيس من حوالى الساعة السادسة حتى حوالى الساعة السابعة". وختم "كانت هذه شهادتي لما رأيت بعيني فقط حتى لا أكون من الذين يكتمون شهادة حق حتى لا تضيع الحقيقة بين أبواق التزييف ومثيرى الفتن والله على ما أقول شهيد". وأضاف محمد عاشور، أحد شهود العيان على أحداث "الأحد الأسود"، أن الشرطة العسكرية والأمن المركزى قامت بتفريق المتظاهرين عن طريق استخدام المدرعات فى دهسهم وإطلاق الأعيرة النارية عليهم، وقام المتظاهرون برشق أفراد الأمن بالحجارة وإحراق مدرعة تابعة للجيش، ثم قام الجانبان بتبادل التراشق بالحجارة. واسترسل فى حديثه قائلاً: "اتخذت الأحداث منعطفًا آخر عندما انضم لصفوف الجيش فى هجومها على المتظاهرين حوالى الساعة التاسعة مساءً مواطنون بزى مدني، وتواردت الشهادات بأنهم من الأهالي المسلمين من منطقتي بولاق أبو العلا وغمرة، واستمرت عمليات الكر والفر وإطلاق الغاز المسيل للدموع والأعيرة النارية من أفراد الجيش والشرطة حتى ساعة متأخرة من المساء، كما ألقت الشرطة العسكرية القبض على عدد غير محدد من الأشخاص فى نفس اليوم. وكشفت صفية عبدالله، عن استعمال الجيش الرصاص الحى وجاء فى نص شهادتها: "كنت أقف أعلى كوبرى 6 أكتوبر ورأيت المدرعات وهى تطارد المتظاهرين فنزلت إلى أول الكوبرى من ناحية ماسبيرو ورأيت مدرعة تدهس أحد المتظاهرين أعلى الرصيف ثم عادت للخلف فدهست رأسه وهى نفس المدرعة التى سيطر عليها المتظاهرون وقامت مجموعات بإشعال النيران فيها. وتكمل: "خرج أحد الجنود من المدرعة بعد اشتعال النيران فيها وكان بحوزته مجموعة من الرصاص الحى تمكنت من الحصول على 3 رصاصات منها وجميعها مختومة من الخلف بخاتم جمهورية مصر العربية وهى رصاصات كان يضعها الجندى فى حزام حول وسطه وتستعمل لتذخير الرشاش أعلى المدرعة". وأكد أحد الشهود ويدعى طونى صبرى أنه كان يقف إلى جوار مينا دانيال حينما تُوفى وأنه أصيب بطلقتين الأولى فى صدره والثانية فى رأسه وكانت قادمة من رشاش أعلى مدرعة؛ حيث أصابته بطلقة فى صدره ثم أخرى فى رأسه وبعدها ظهرت مدرعات أخرى تدهس المتظاهرين بعنف وأنه رأى جثة لأحد القتلى يتم إلقاؤها فى مياه النيل من قبل الشرطة العسكرية. وقال المحامى عاصم قنديل أنه إثناء وجوده فى مكتبه بالعقار 121 المجاور لمبنى ماسبيرو سمع إطلاق نار بشدة وإنه شاهد من نافذة مكتبه المدرعات وهى تطارد المتظاهرين، بالإضافة إلى قيام مجموعة من ضباط الشرطة العسكرية والأمن المركزى بالصعود إلى العقار وتكسير ألواح الزجاج الموجودة به من الدور الأول إلى الدور ال12، بالإضافة إلى دخول جميع الشقق الموجودة بالعقار والاطلاع على بطاقات الرقم القومى لجميع الموجودين، وعلمت بعدها أنهم كانوا يطاردون بعض المتظاهرين وأثناء نزولي من العقار بعد بداية الأحداث بنحو 4 ساعات وجدت عددًا كبيرًا من الجثث فى المدخل تم نقلها من قبل قوات الأمن الموجودة بالمكان، مشيرًا إلى أنه تقدم ببلاغ بعدها مباشرة إلى النيابة العامة التى قامت بتحويله إلى النيابة العسكرية. ويكمل محمد الزيات، أحد شهود العيان، أنه أثناء وجوده ضمن المتظاهرين يوم الأحد الماضى قتل أحد الأشخاص بجواره بطلق ناري فى رأسه وقال لم أكن أعلم هل هو مسيحي أو مسلم وحينما وقع على الأرض وحاولنا أن نحمله شاهدنا مدرعة قادمة نحونا بسرعة جنونية فألقينا به وهربنا لننجو من موت محقق.