قرات أكثر من تقرير في اكثر من مطبوعة سياسية عالمية حول الاوضاع في مصر الان، كل التقارير تحذر من تصاعد وتيرة العنف والاحتجاجات الشعبية نتيجة عدم رفع المظالم التي ارتكبت في عهد النظام السابق، الكل يتخوف من حدوث ثورة جديدة ربما تكون اخطر من ثورة 25 يناير، الثورة القادمة لن تكون سلمية ولا حضارية لانها سوف تكون باختصار ثورة الغضب والجوع. في مصر الان - وكما نلمس جميعا - حالة عامة من الغضب والاحباط، الاغلبية الساحقة من المصريين لا تشعر بان شيئا كبيرا قد تغير بعد ثورة 25 يناير، الاوضاع مازالت هي نفس الاوضاع، الازمة الاقتصادية لم تتحسن وانما ازدادت سوءا، الحكومة لم تتخذ اي اجراءات لبث الثقة في قلوب الناس، هناك احساس متزايد بان الحكومة عاجزة او غير قادرة عن تلبية الحد الادني من متطلبات المصريين. الاخطر من ذلك انه لا توجد رؤية واضحة للمستقبل، ولا يوجد اتفاق عام على خارطة طريق، فالغموض يخيم على المشهد السياسي، وهناك اعتماد متزايد على الحلول الامنية، ولا احد يعلم على وجه اليقين ما هو شكل وطبيعة نظام الحكم القادم؟ هل سيكون نظاما ديمقراطيا ام استبداديا؟ هل ستتجه البلاد للاخذ بالنظام البرلماني ام بالنظام الرئاسي، من سيضع الدستور المقبل ووفق اية ضمانات؟! وفي هذا الجو الملبد بالغيوم كان طبيعيا ان يتفاقم الصراع بين مختلف القوي السياسية، وان ترتفع معدلات الجريمة والبلطجة، وان تتواصل الاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات، وان يتآمر فلول النظام السابق لاعادة انتاج النظام القديم في ثوب جديد، وهو مشروع لو تحقق فسوف يحول مصر الحبلي بالغضب والاحباط الى ما يشبه الصومال او باكستان، وهناك مخاوف حقيقية من دخولنا لا قدر الله في مرحلة مرعبة من الفوضي وعدم الاستقرار! يحدث هذا في وقت يعاني فيه الاقتصاد الوطني من أزمة حقيقية، فمعدل النمو تراجع من 4% الى 1.5% سنويا،واحتياطي العملة الصعبة فقد تسعة مليارات دولار، وهناك فجوة في التمويل الخارجي قيمتها 11 مليار دولار، والتضخم تجاوز 12% والعجز في الموازنة الجديدة بلغ 22 مليار دولار والبطالة 15% والاموال الهاربة او التي تم تهريبها بلغت وفق تقديرات دولية 30 مليار دولار، والارتفاع لا يتوقف في الاسعار خاصة اسعار المواد الغذائية! الاخطر من ذلك ان الحكومة الحالية مازالت تستخدم نفس اساليب الحكومات السابقة، فالموازنة الجديدة تراعي مصالح الاغنياء اكثر من الفقراء،والاعتماد مستمر على المساعدات والقروض الخارجية، ولا احد يفكر في وضع حد اقصى للاجور او نظام ضريبي متدرج يأخذ من الاثرياء لصالح الفقراء، بل ان رفع الحد الادني للاجور لم يتم تنفيذه بدعوي الخوف من التضخم، كما تم حرمان اصحاب المعاشات من حقهم المشروع في هذه الزيادة! هذا هو الواقع بلا رتوش، بل ان الاوضاع في المناطق الفقيرة والعشوائية تبدو اكثر خطورة ،فالازمة الاقتصادية تأخذ بخناق الجميع، وهناك احساس متزايد بضرورة استخدام العنف لتوفير لقمة العيش، ولعل هذا ما يفسر تنامي ظواهر البلطجة والجريمة وانتشار الباعة الجائلين والمتسولين في كل مكان، وهناك مخاوف حقيقية من ان يلجا الكثيرون الى العنف لانتزاع مايرون انه حقوقهم لأنه لا مجال للاحتكام الى القانون! البعض يري ان هذا طبيعيا في المراحل الانتقالية، فالثورات لايمكن أن تصلح كل الاخطاء في يوم وليلة، والبعض الاخر يحمل ثورة 25 يناير المسئولية عن الازمة الراهنة، والمؤكد ان النظام السابق هو المسئول الحقيقي ، فلولا المظالم التي ارتكبها طوال ثلاثين عاما لما قامت الثورة، ولولا القطط السمان لنظام مبارك لما عاش 41% من المصريين تحت خط الفقر، وحسب تقديرات البنك الدولي فان التضخم والبطالة والاسعار سوف تواصل الارتفاع، مما يعني ان الفقراء سوف يزدادون فقرا، مالم تبادر الحكومة بوضع خطة انقاذ عاجلة! والسؤال الان كيف يمكن الخروج من الازمة الراهنة؟ والاجابة تكمن في ضرورة الاتفاق على خارطة طريق للمستقبل، وهذا يتطلب اجماعا وطنيا حقيقيا، فالوضع الحالي لا يتحمل رفاهية الصراع، ولا مجال لأي رهان على الحلول الامنية، فهذه الحلول لم تتمكن في السابق من انقاذ نظام مبارك، ولا مجال لاي مقايضة علي الخبز مقابل الحرية، فحالة الغضب والاحباط الراهنة وضعتنا جميعا فوق بركان قابل في اي لحظة للانفجار! بصراحة بدون خارطة طريق وارادة سياسية لاقامة العدالة ودولة القانون علينا ان نتوقع للاسف ثورة اخري اخطر من ثورة 25 يناير وهي ثورة الجياع!