كشف مركز"سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز"، عن قيام المجلس الأعلى للصحافة المنتهية مدته بصرف مكافآت لأعضائه الذين يزيد عددهم على 80 عضواً، واستمراره في صرف هذه المبالغ التي تزيد على 4 آلاف جنيه لكل عضو كل شهر حتى الآن، وهو ما يكلف خزينة الدولة أكثر من 320 ألف جنيه شهريا وذلك بالمخالفة للقانون والدستور، بالرغم من إبلاغ الدكتور شوقي السيد عضو المجلس الحكومة بهذا الفساد، وهو ما لا يمكن تبريره، سوى بأن هناك إهمالا متعمدا من قبل الدكتور يحيى الجمل عضو المجلس ونائب رئيس مجلس الوزراء لهذا الأمر، بالرغم من علمه بانتهاء مدة المجلس وبمخالفة ذلك للقانون والدستور. هذه فقرة من البلاغ الذي تقدم به مركز سواسية للنائب العام للتحقيق في تلك الواقعة. ونقول إن هذا فساد صغير مقارنة بالفساد الكبير، لكنه خارج الاحتمال، فالفساد هو الفساد صغيرا كان أم كبيرا. الفساد كان موجودا قبل الثورة، ومازال مستمرا بعدها.. ماذا تغير إذن؟. في 7 أشهر تم إهدار أكثر من مليونين و250 ألف جنيه على مكافآت لأعضاء في مجلس انتهت مدته، وهو مجلس لا قيمة له أصلا، ولا يقوم أعضاؤه بعمل مفيد، كما يضم جيشا من الموظفين الذين يحصلون على مرتبات دون عمل حقيقي. كيف سكت د. يحيى الجمل نائب رئيس وزراء الثورة على هذا الفساد الذي كان سيستمر لولا أن د. شوقي السيد أبلغ عن الواقعة المؤسفة. لابد من مساءلة الجمل، وكل من علم وصمت. ولابد من استرداد الأموال التي حصل عليها الأعضاء دون وجه حق لأنها أموال الشعب الفقير، مثلما يجب أن يتم استرداد المليارات التي نهبها لصوص النظام السابق، فهذه فريضة لا تسقط بالتقادم ولا تسقط عن كاهل الأجهزة المعنية بالدولة خلال الفترة الانتقالية وما بعدها حتى يتم استعادة كل جنيه نهبوه. الأكرم لأعضاء مجلس الصحافة أن يعيدوا ما حصلوا عليه بأنفسهم، بل كيف يرضى كل واحد منهم أن يحصل على 4 آلاف جنيه شهريا من خزينة فارغة تنفق من رصيدها الدولاري وتستدين، ثم ما هو العمل المجيد الذي يؤديه العضو حتى يأخذ هذا المبلغ شهريا، وهل هذا السفه يمكن أن يحصل في دولة فقيرة كان الفساد من ضمن الأسباب التي دعت شبابها والمخلصين من أبنائها للثورة. ماذا يفعل الجمل بالضبط .. هل هو يرعى الفساد في حكومة الثورة، خصوصا وأننا قرأنا من قبل أنه وافق على منح جميع موظفي مجلس الشعب بدل حضور الجلسات رغم أن المجلس منحل، كما نشر عبدالله كمال رئيس تحرير "روزا ليوسف" السابق وقائع حصوله على فلل وأراض من النظام السابق، وطالبه خالد داود في "الدستور" مرتين بالرد لتبرئة ساحته إن كان بريئا. هل رد ولم انتبه، أم أنه مازال يلوذ بالصمت؟. وهل هذا الرجل يصلح أن يكون في موقع مهم في حكومة الثورة، وأين رئيس الحكومة الذي اختاره الثوار من تصرفات نائبه، ومن هذا الفساد؟. ولماذا لم يقبل المجلس العسكري استقالته رغم الأزمات التي افتعلها دون داع، وساهمت في تآكل ما لديه من هيبة ووقار. مصر لا تحتاج إلى مسؤول يمزق الصفوف ويهين أصحاب الأفكار والاتجاهات المختلفة حتى لو كان على النقيض منهم، فليس منطقيا أن يظل يهاجم فريقا من الإسلاميين ويقول إنهم ظلاميون، وهم لهم جمهور واسع يتأذى من مثل هذا الكلام الذي ينتمي إلى عهد النظام السابق، إضافة إلى انحيازه الواضح إلى أصحاب دعوة الدستور أولا، رغم أنه يجب ألا يكون منحازا بحكم وضعه الرسمي، وأن يكون عامل اتفاق، وليس عامل فرقة واختلاف. هناك مصريون لا يجدون ثمن كوب شاي، أو ساندويتش فول وفلافل، وهناك من لا يجدون ثمن الكشف عند طبيب، أو ثمن الدواء، بل إن أعمال السرقة والبلطجة التي زادت عن الحد هي بسبب ضيق ذات اليد، وأنا لا أبرر أي جريمة، لكن يجب على الحكومة توفير مقومات الحد الأدنى من الحياة للمواطنين حتى لا يندفع البعض إلى طريق الجريمة، فما المعنى إذن أن نكتشف أن المجلس الأعلى للصحافة الذي لا قيمة له ينفق هذه الملايين من قوت الشعب الفقير، وكأن لا ثورة حصلت، ولا تغيير تم، وكأن سياسات وسلوكيات النظام السابق مازالت هي التي تحكم مصر. إهدار المال المكتشف في مجلس الصحافة هو نموذج للفساد الذي لم يتوقف في مرافق الدولة المختلفة، منظومة الفساد التي تكرست خلال النظام السابق مازالت تعمل. أناس تسرق وتنهب بلا أخلاق أو ضمير، وأناس تموت من الجوع، فهل من المنطقي في بلد يبدأ عصرا جديدا مفترضا من الطهارة والنزاهة والشرف أن يمد مصري يديه ويحصل على ما ليس من حقه؟. أوضاع ما قبل 25 يناير من الفساد والنهب هل تكون هي نفسها بعد 25 يناير؟. إذن المشكلة ليست في تغيير النظام بإسقاطه واستبداله بنظام جديد، فهذا تم في 18 يوما، لكن المشكلة في تغيير الإنسان المصري من داخله لصنع إنسان جديد، فكم من الوقت يحتاج هذا الأمر، 18، أو 28 عاما، أو أكثر، أو أقل، أعتقد أن الطريق مازال طويلا وشاقا، والمهمة ليست يسيرة. وضع مصر لا يحتمل أن يحصل أي شخص على جنيه واحد بدون وجه حق الآن، لماذا يحصل عليه من دون الآخرين؟. العدالة والمساواة يجب أن تكون سيفا قاطعا بين المصريين جميعا،لا يحصل أحد على ما ليس من حقه، وإلا لذهبت أهداف الثورة سدى، فالفاسدون لا يريدون لعجلة الإصلاح أن تتحرك أو تنطلق. مصر تحتاج إلى استئصال الفساد والمفسدين من جذورهم بلا رحمة، فالكبار في السجون الآن، لكن الأخطر هم من يلونهم ومازالوا يلعبون في الخفاء. قانون من أين لك هذا يجب أن يتسع ليشمل المستويات المختلفة لأصحاب المناصب والمواقع والنفوذ نزولا من أعلى لأسفل. التطهير والمحاسبة لا يجب أن تستثني أحدا، أو موقعا، إذا كنا نريد بناء مصر جديدة على أسس صحيحة ونظيفة. أموال وثروات مصر ظهر لها صاحب وهو الشعب، بعد أن كانت بلا صاحب، ونهبا لحفنة من اللصوص الرسميين. يجب الضرب بيد من حديد على أي فاسد، أو متواطئ؟.