ذكرت في المقالين السابقين (الشيعة قادمون – فهل من معتبر ؟) خطورة تمدد المشروع الايراني في غفلة من الدول السنية من جهة وفي ظل صراعاتها الداخلية مع التنظيمات السنية والتي كان من المفترض أن تكون بمثابة رأس حربة لمواجهة الإلحاد المتنامي والتطرف المتزايد والتمدد الشيعي .. لكن الذي حد هو الصراع لا التفاهم والحل الأمني لا الحوار .. الشيعة يخرجون من السرداب ! تقول الشيعة الاثني عشرية (تمييزاً عن الشيعة الزيدية وعن الشيعة الإسماعيلية السبعية ) أن الإمامة هي ركن الإسلام العظيم, وأنّ الإمامة ثبتت بالنّص في علي وبنيه رضي الله عنهم إلى اثني عشر إماماً ابتداء من علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين حتى آخرهم وهو المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري . ومحمد المهدي هذا يقولون أنه ولد سنة 255ه, وبسبب خوف أهله عليه من حكام زمانهم ذهب وتخفى في سرداب في مدينة سامرّاء بالعراق (مدينة العسكر) وهو صغير, فكانت غيبته الصغرى التي كان من خلالها يرسل إرشاداته وأوامره ونواهيه إلى أتباعه عن طريق رسل, ثم انقطعت آخر الرسل سنة 329ه أي وعمر المهدي الشيعي 74 سنة هجرية, ثم بدأت الغيبة الكبرى, وهو ما زال في سردابه إلى اليوم, ينتظر الشيعة خروجه ويسبقون ذكره بلفظة (عج) وهو دعاء أن يُعجّل الله فرجه, وقد ربطوا أعمال الإمامة العظمى له حتى يخرج, ابتداءً من صلاة الجماعة إلى الجهاد وإقامة الحدود "(مركز التنوير للدراسات الانسانية). ولذلك كانت فكرة الدولة محل خلاف كبير ولا زالت داخل المذهب الشيعي,بسبب انتظار المهدي ليقود الدولة بعد خروجه من السرداب, حتى كان الحل الحالي الذي تمثل في فكرة ولايه الفقيه , هذا الحل هو الذي اخرج الدولة المركزية للشيعة الى النور ..اخرجها من السرداب. الخليج والشيعة ! كيف نفهم أن دول الخليج , ومنها الإمارات التي بينها وبين ايران نزاع على الجزر الثلاث تتجاهل هذا النزاع في ظل رغبتها القضاء على الإخوان, وكيف نفهم موقف السعودية, وهي صاحبة المصلحة والنفوذ الكبير في اليمن والذي يمثل أحد أهم دول الجوار لها .. لم تجد حرجا في الصمت عن دخول الحوثي صنعاء, ودعم القوى الداخلية لذلك .. في ظل رغبتها في اقصاء الإخوان ومن يدعمهم من القبائل .. ثم كيف يتناسون أن لايران مشروع؟, وكيف يمكن للخيار المرحلي أو التكتيكي (الخلاص من الإخوان)أن يكون على حساب الاستراتيجي ( وقف النفوذ الايراني وهي الدولة المركزية الداعمة لشيعة العالم)؟ وكيف تطمئن دول الخليج قوى الشيعة بداخلها تتنامي كما تنامت في اليمن وجنوب لبنان والعراق في غيبة التنظيمات السنية أو اضعافها ؟ ذكرت صحيفة «القدس العربي» تحت عنوان "السعودية تدفع ثمن ارتباك سياستها في اليمن: " أن التكهنات المتناقضة تتزايد حول حقيقة الموقف السعودي من هذه التطورات الدراماتيكية في صنعاء، ووصلت إلى حد اتهام السعودية بأنها عقدت صفقة مع إيران تسمح ل«الحوثيين» بالاستيلاء على السلطة.ويشير من يطلقون هذه التكهنات إلى سقوط صنعاء في قبضة «الحوثيين» يوم اجتماع وزير الخارجية السعودي الأمير «سعود الفيصل» بنظيره الإيراني «محمد جواد ظريف» في نيويورك، كما يشير هؤلاء إلى وقوف الرياض «متفرجة» وهي ترى تقدم «الحوثيين نحو محافظة عمران ومن ثم إلى العاصمة صنعاء، ويشير هؤلاء أيضا إلى تخلي الرياض عن حلفائها التقليديين في اليمن «آل الأحمر أصحاب النفوذ والحظوة سابقا في اليمن، لارتباط رموز منهم بالتجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)». جاء في تقرير (الخليج الجديد) تحت عنوان " إيران تبسط نفوذها على اليمن والخليج الخاسر الأكبر": الآن وبعد لغز تساقط مؤسسات الدولة والجيش والشرطة في أيدي مئات المسلحين «الحوثيين» الشيعة الزيدية وسيطرتهم علي الدولة اليمنية بما فيها مقر القيادة العامة للجيش وسط «صنعاء»، ونهب سلاحها ونقلها إلى مواقعهم في «صعدة»، أصبح واضحا أن الرابح الأكبر مما جري هو إيران وأعداء الربيع العربي، والخاسر الأكبر هم ثوار اليمن وحزب الإصلاح "الإخوان"، والأهم دول الخليج الذين باركوا سيطرة «الحوثيين» الشيعة علي اليمن نكاية في «الإخوان» السنة ولإجهاض الثورة اليمنية كما فعلوا في مصر وليبيا وسوريا.. دخول التنظيمات السنية الى السرداب ! إن تقييم الحركات السياسية الإسلامية بأنها فاقدة للرؤية قد لا يكون صحيحا, لأنه ما من رؤية إلا وهي بحاجة للاختبار وسط الناس كي تستبين قدراتها من ناحية كما يتبين مدى قبول الناس لها من ناحية أخرى وتقييم الناس لها بالمدح أو الذم , بالرفض أو القبول, وهو ما يدفعها الى اجراء تعديلات في المحتوى والخطاب ليتلائم مع الناس الذين هم محل الاهتمام .. لم يكن سرا أن حالة الجدب السياسي في مصر (بفعل استبداد نظام مبارك) قد اصابت جميع الكيانات السياسية, ولم تتمكن أي قوة سياسية من التكوين الحقيقي من حيث الأفكار والخبرات والتفاعل , وكان التيار الاسلامي مع أنه الأكثر تنظيما إلا أن شأنه كشأن غيره من حيث الفقر السياسي , فخرج للناس برصيد لم يكتمل, ولم ينضج , فلا هم أجادوا, ولا اعطاهم الناس الفرصة كاملة. فلو كانوا اخذوا الفرصة كاملة كان أمامنا طريقان : نجاح التجربة, واكتساب الخبرة بالانفتاح المرجو بما يجعل التجربة جديرة بالاقتداء في محيطها . فشل التجربة, وانفضاض الناس عنهم وانتقالهم الى غيرهم ياسا من ضيق الأفق والجمود. وهو ما يجعلها ايضا تجربة جديرة بالاقتداء في تقديم نموذج الخلاص من جمود التيار الإسلامي بطريقة آمنة وسلمية.. ..لكن هذا لم يحدث, وكانت العجلة بالخلاص الخشن مما سيدفعهم للدخول الى السرداب وهو لا يعني الخلاص من الجمود بل يعني الدفع الى مزيد من الجمود والانغلاق والتشدد مع اليأس من أي مسار ديمقراطي تعددي (بعد تجارب مريرة في الجزائر وغزة ومصر وغير ذلك ) وهذا ما حدث وسيحدث بعد الايقاف القصري للتجربة بعد فرصة لم تكتمل .. وهي التي استغلها اصحاب المشروع الشيعي فكان لهم هذا التمدد التاريخي.