لا يوجد في تقرير براميرتس الثاني ما يدين النظام السوري على نحو صريح ولكن لا يوجد أيضاً ما يشير إلى أن التحقيقات اتخذت منحى آخر غير المنحى الذي اتخذته أيام ميليس والذي خلص إلى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية-السورية هي التي اغتالت الحريري مما أدى إلى اعتقال الرؤوس الأربعة للأجهزة الأمنية اللبنانية الذين ما يزالون معتقلين حتى الآن.وكما جاءت لغة تقرير براميرتس الأول، جاءت لغة التقرير الثاني، حيادية وغير مستفزة لأن اتهام النظام السوري مباشرة في هذه المرحلة سيجعل من الصعب على براميرتس وفريقه الاستمرار في لقاءاتهم مع المسئولين السوريين وسيعرقل حصولهم على المعلومات التي يريدونها من الجانب السوري والتي يحتاجون إليها لاستكمال التحقيق الذي قال براميرتس أنه خطا خطوات واسعة نحو الأمام وأنه سيكتمل في الخريف المقبل، هذا لجهة التحقيق أما لجهة الترتيبات السياسية في المنطقة فإن إصدار تقرير يتهم سورية الآن سيوتر العلاقات بين سورية ولبنان في وقت يحتاج فيه اللاعبون الكبار في المنطقة (وخصوصاً أمريكا وفرنسا) إلى تخفيف هذا التوتر لحاجتهم إلى تعاون سورية فيما يتعلق بترسيم الحدود مع لبنان وإقامة علاقات دبلوماسية معه ونزع سلاح الفلسطينين خارج المخيمات وغير ذلك مما اتفق عليه اللبنانيون على طاولة الحوار وما قد يتفقون عليه لاحقاً. كما أن الضغط الهائل على سورية (من خلال توجيه الاتهام لها في تقرير براميرتس الثاني) سيؤثر سلباً على محاولات الغرب الوصول إلى تسوية مع إيران (التي يربطها بسورية حلف استراتيجي) لذلك جاء التقرير حيادياً لتوفير أفضل الظروف التي تسمح بالوصول إلى تسوية مع إيران. ما أردت قوله في تحليلي السابق هو أنه يخطئ من يظن أن حيادية تقرير براميرتس الثاني هي نتيجة لصفقة بين النظام السوري وأمريكا، فمفاوضات تشكيل المحكمة الدولية التي ستحاكم قتلة الحريري قد أوشكت على الانتهاء بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة ولم يبق إلا توقيع الوثائق الرسمية، والمحاكم الدولية لا تُشكَّل لمحاكمة مجهولين أو لمحاكمة مجموعة إرهابية أو ضباط أمن، المحاكم الدولية تُشكَّل لمحاكمة رؤساء دول ومسئولين كبار. وبغض النظر عمن اغتال الحريري فمن الواضح أن أمريكا تتبع مع النظام السوري سياسة الضغط المستمر الذي لا يصل إلى درجة تدفع النظام إلى الانهيار ولكنه في الوقت نفسه يجعل النظام السوري في حالة متصاعدة من الخوف والقلق وهذا هو الوضع المثالي لابتزاز هذا النظام ودفعه إلى تقديم تنازلات يعتقد الكثيرون أنه إذا قدمها سيفقد مبررات وجوده. إذا كان النظام السوري لم يغتل الحريري فإن المحاكمة الدولية ستظهر الحقيقة وخصوصاً أن الشعب السوري والأمتين العربية والإسلامية بل أحرار العالم كلهم بما فيهم من حقوقيين و قضاة ومحامين ومحققين وعلماء ومفكرين سيقفون إلى جانب النظام ولن تستطيع لجنة التحقيق الدولية أن تهزم كل هؤلاء مهما أوتيت من قدرة على الكذب و الخداع وتلفيق الأدلة، ولكن ذلك لن يحدث ما لم يقف النظام السوري أولاً إلى جانب نفسه بإعادة الحياة السياسية إلى سورية لأن كثيراً من هؤلاء لن يدافعوا عن نظام شمولي أحادي يقمع الرأي الآخر ويعطل الحياة السياسية ويتهم معارضيه بالخيانة العظمى ويرمي بهم في السجون! متى يدرك النظام السوري أن دفاعه عن نفسه لا قيمة له قبل أن يعيد الحياة إلى الحراك السياسي في سورية!؟ أليست تهمته الأساسية هي انتزاع الحياة من الآخرين؟!